*د. هشام الهاشمي
السيناريو الأول: توسع الشرائح الاجتماعية المؤيدة للتظاهر والاعتصامات المفتوحة والعصيان المدني الوضع…يتمثل هذا السناريو في توسع الانفجار الشعبي الراهن وربما تزداد نسبة تمثيل الشرائح الثمانية الحالية في ساحات التظاهرات وفي المحافظات بغداد والنجف وكربلاء وبابل وذي قار وميسان والديوانية واوسط والسماوة؛ شريحة العاطلين عن العمل، والمفسوخة عقودهم، والخريجين، والمعدمين من أصحاب المهن والكسب اليومي، الاتحادات والنقابات المستقلة، الطلاب الجامعيين، منظمات المجتمع المدني غير الحزبية او السياسية، العشائر، رجال الدين..
إذ يبقى الانقسام قائما بين (مطالبين سلميين مستقلين)، وسياسيين وحزبيين وحكوميين عليهم ان يكون (مستجيبين). لا سيما على الصعيد رئاسة الحكومة والبرلمان بشكل خاص، إذ وصلت الحوارات الى حالة الانسداد السياسي بعد قمع القوات الأمنية للتظاهرات السلمية خلال شهر تشرين الاول-٢٠١٩ حيث بلغ عديد الضحايا نحو ٢٧٥ شهيدا خلال شهر والجرحى نحو ١١ ألف جريحا ونحو ١٤٠٠ معتقلا أطلق سراح اغلبهم وأحيل قرابة ٢٠ منهم الى المحاكم المختصة، ودمرت نحو ١٠٢ مقر ومبنى حكومي وحزبي وخاص.
وفي الوقت ذاته تستمر جهود تقريب وجهات النظر وجهود رئاستي الجمهورية والبرلمان وبعثة الأمم المتحدة ونصائح المرجعية في تيسير عقد اللقاءات بين الأطراف(المطالبين ومن عليه ان يستجيب) بين الفترة والأخرى، والتدارس في إمكانية التوافق على نقاط هنا أو هناك، ومن ثم لايلبث الأمر حتى تجمد اللقاءات نتيجة تصريح أو سلوك يقوم به أي من الأطراف المحاورة، ومن ثم تعاد الكرة مرة أخرى، وهكذا.
وإذا ما حاولنا قراءة واقعية هذا السيناريو أو احتماليته على الأقل حتى نهاية هذا الشهر تشرين الأول، فإن هناك العديد من القرائن التي تجعل منه سيناريوها ممكنا؛ وهي كالآتي: الانشغال الحكومي والبرلماني في تشريع القوانيين والقرارات الاستثنائية دون مفاوضة الشارع العراقي الغاضب وبالتحديد المتظاهرين في بغداد والبصرة وذي قار والنجف ذات الأثر الكبير والتحشيد الذي يحاول الكثير من الأطراف المستقلةوالحزبية توظيفها بما يناسب أهدافه السياسية، وكون رئيس الجمهورية هو الأكثر قبولا وإلماما ويمتلك المفاتيح لأطراف الحوار مع المطالبين والمستجيبين فإن هذا الأمر يجعل من إمكانية قبول اقتراحات وتوصيات رئاسة الجمهورية غير الملزمة كحل فوري للازمة وذلك من خلال الضغط على الأطراف العراقية المتحاورة أمرا غير وراد بالشكل المتوقع، لاسيما أن هناك حديثا عن توافق قيادات أربيل مع فريق العامري والمالكي والخزعلي والفياض الداعي الى بقاء ا.عادل عبد المهدي مع تغييرات وزارية واسعة في ظل حالة عدم استقرار بين أحزاب تحالف البناء والمعارضة في تحالف الإصلاح، وهذا بالتالي يجعل من الجهد رئيسي الجمهورية والبرلمان ونصائح المرجعية ينصب بدرجة كبرى على تهدئة الصراع السياسي الداخلي بدلا من احتواء وتهدئة الانفجار الشعبي تجاه القوى السياسية الموالية والمعارضة للحكومة مع تحريك بعض الملفات الإصلاحية الهامة.
وخوف أحزاب وقوى تحالف البناء وعدم ترتيب بيته الداخلي؛ فعلى المستوى العلني وغير العلني تدلل الكثير من المؤشرات على أن تحالف البناء يعاني الكثير من التفرد بالقيادة رغم وجود كبار صقور البيت السياسي الشيعي والسني داخله، ومنه خرج التوافق على رئيسي الحكومة والبرلمان، وأحدث ما في الأمر إمكانية قبول استقالة عادل عبد المهدي مع ضمان البديل الاستراتيجي وعدم الملاحقة القانونية، وأن تحالف البناء لا يمكن أن يوفر البديل الذي توافق عليه الكتل الكبيرة وتاليا الفراغ الدستوري وتعطيل حزم الإصلاح الوزارية والاقتصادية والقضائية والخدمية، وبرغم نفي بعض الشخصيات في تحالف البناء وجود تفرد للسيد العامري بقرار التحالف، وهم لا يزالون يدافعون عن رئيس الحكومة، إلا أن الحديث عن إعادة تشكيل صفوف القيادة الداخلية والخارجية للتحالف يجعل الحديث عن تهيئة التحالف لاستقبال أي ضغط من قبل فريق اللنفجار الشعبي والقوى المعارضة والمطالبة باستقالة الحكومة وبانتخابات مبكرة.
السيناريو الثاني: التوافق بين السيد مقتدى الصدر والسيد الأستاذ العامري، على استقالة الوزارة وإعطاء مدة ٩٠ يوما لحكومة عادل عبد المهدي الجديدة للتمهيد لانتخابات مبكرة وبقانون انتخابي جديد ومفوضية جديدة مكونة من مختصين مستقلين وقضاة ينتدبهم مجلس القضاء الأعلى ومراقبة اممية، ويتمثل هذا السيناريو في أن تسفر جهود المصالحة التي تقوم برعايتها رئاسة الجمهورية واطراف فاعلين أمثال الشيخ سامي المسعودي أو أي أطراف أخرى عن إنهاء الانقسام الشيعي الداخلي، بشكل يعيد الوضع السياسي لما هو عليه قبل تشرين الأول؛ بمعنى أن تعود قيادة البيت السياسي الشيعي المسيطر الى التوافق بين تحالفي البناء والإصلاح حتى تنفذ حزم الإصلاحات الجادة والصادقة أو على الأقل عودة القرار السياسي لشقي البيت السياسي الشيعي إلى حين إجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية ونزهيه، أو إجراء انتخابات لكن وفقا لتصورات القوى الشعبية المتظاهرة، كأن يتم إجراء انتخابات برلمانية فقط او يجرى استفتاء على نظام الحكم، او استفتاء على تعديل وتغيير. الدستور..
السيناريو الثالث: اعلان الطوارئ:
وهذا السيناريو إن لم يكن ممكنا قبوله من طرف السيد الصدر والدكتور العبادي وإشارات المرجعية بهذه التفاصيل، إلا أن هناك مؤشرات كبيرة ودوافع تحالف البناء تسعى لتحقيقه بحذر وبتحفيز إيراني؛ وهذا قد يؤسس الى ما حذر منه السيد مقتدى الصدر من احتمالية تكرار النموذج اليمني أو السوري في العراق أذنا نفذ هذا السيناريو.
الخلاصة إن ما يمكن الحديث عنه من سيناريوهات قد ترسم ملامح مستقبل الانفجار الشعبي يبقى في طي القراءة والتحليل، ويبقى هناك الكثير من المحاذير الرئيسية التي يجب أن يتم توخيها في الحديث عن أي سيناريو قد يتم تطبيقه، إلا أن الحديث عن سيناريو الثاني والاستجابة السريعة والمباشرة للمطالب وتطبيقه بالتدريج قد يكون الأقرب وفقا للمعطيات على الأرض، وهذا يجعلنا ندرك تماما أن الحالة الحزبية والتجاذبات السياسية تعلب دورا مهما في سياقات الانفجار الشعبي كما هو الحال في النموذج اللبناني، هذا إلى جانب الأثر الذي ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر كنتيجة حتمية للمتغيرات الإقليمية والدولية سواء ما يتعلق بالصراع الإيراني الخليجي أو الصراع الايراني الامريكي أو الحالة السياسية في العالم.
*من صفحته على الفيسبوك