ديار بكر (تركيا) (رويترز) –
يقول النائب الكردي في البرلمان التركي موسى فارس أوغلاري إنه كان هدفا لمدافع المياه والغاز المسيل للدموع بل والضرب بدروع شرطة مكافحة الشغب أثناء محاولته الاحتجاج هذا الشهر على الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا.
فقد عمق التوغل التركي الذي يستهدف الفصيل الكردي السوري وحدات حماية الشعب الإحساس بالاغتراب بين الناس في جنوب شرق تركيا الذي يغلب الأكراد على سكانه. ويغذي هذا الشعور حملة تضييق تشنها السلطات التركية على الحزب الرئيسي المؤيد للأكراد في البلاد.
ومنذ بدء العملية التركية في التاسع من أكتوبر تشرين الأول الجاري ألقت السلطات القبض على العشرات وعزلت رؤساء بلدية في تحقيقات بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في حين منعت الشرطة مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي بمن فيهم فارس أوغلاري من الإدلاء بتصريحات علنية.
قال فارس أوغلاري في مبنى حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر أكبر مدن الجنوب الشرقي في تركيا بينما كان عشرات من رجال الشرطة يقفون في الخارج ”بلغ قمع شعبنا حدا أصبح فيه مجرد الخروج لإبداء أكثر ردود الفعل ديمقراطية يقابل برد في غاية القسوة“.
وحزب الشعوب الديمقراطي هو الحزب الوحيد في برلمان تركيا الذي يعارض الهجوم على شمال سوريا وقال فارس أوغلاري إن من تحدث إليهم من السكان المحليين أبدوا تضامنهم مع أكراد سوريا.
وقال محمد قسيم العاطل عن العمل وهو يجلس في مقهى بديار بكر الواقعة على مسافة 100 كيلومتر إلى الشمال من الحدود السورية ”هم إخواننا. أكراد يعانون في هذا الوضع“.
وقد وافقت تركيا بموجب صفقة تم التوصل إليها مع روسيا يوم الثلاثاء على وقف هجومها. وستبدأ الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إبعاد وحدات حماية الشعب لمسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية وفي الأسبوع المقبل ستسيّر القوات الروسية والقوات التركية دوريات مشتركة في ”منطقة آمنة“ بعمق عشرة كيلومترات تسعى أنقره لإقامتها منذ فترة طويلة في شمال شرق سوريا.
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب تنظيما إرهابيا بسبب الصلات التي تربطه بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن حملة تمرد منذ 35 عاما في جنوب شرق تركيا سقط فيها أكثر من 40 ألف قتيل.
كما تتهم تركيا حزب الشعوب الديمقراطي بأنه على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني. غير أن حزب الشعوب ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان ينفي وجود أي صلة بينه وبين حزب العمال الكردستاني وإن كان لا يعتبره جماعة إرهابية.
”صدع عاطفي“
قال وهب جوشكون الباحث الأكاديمي في القانون بجامعة دجلة في ديار بكر إن أغلب الأكراد الأتراك يعارضون استراتيجية أنقرة في سوريا ويرون أنها تأتي في إطار سياسة أوسع نطاقا تستهدف الأكراد.
وأضاف ”هذه السياسات التي تنفذها الدولة تضعف إحساس الناس بالانتماء بشكل خطير. مشاعرهم أوذيت وثمة صدع عاطفي“.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد رفض تلميحات إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه منفصل عن أكراد تركيا الذين يشكلون 18 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 82 مليون نسمة.
وقال أردوغان عقب بدء العملية العسكرية ”من بين أعضائنا في البرلمان (من حزب العدالة والتنمية) البالغ عددهم 291 هناك 50 من أصل كردي“.
غير أن حزب العدالة والتنمية يتخلف عن حزب الشعوب الديمقراطي في قطاع كبير من جنوب شرق تركيا إذ فاز في الانتخابات البلدية في مارس آذار الماضي بنسبة 31 في المئة من الأصوات في مدينة ديار بكر أي حوالي نصف ما حصل عليه منافسه.
وأصر سردار بوداك أكبر مسؤولي حزب العدالة والتنمية في ديار بكر أن الأكراد الأتراك يدعمون جهود الحكومة لمكافحة الإرهاب في الداخل وعبر الحدود في سوريا.
وأضاف وهو يجلس تحت صورة كبيرة لأردوغان ”منذ ثلاث سنوات يوجد جو من الوئام في ديار بكر. والوضع نفسه قائم في الريف. فقد خلقت الحرب على الإرهاب هذا الجو من السلام“.
وقال جوشكون الباحث بجامعة دجلة إن الحملة على مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي أدت إلى تفاقم إحساس الأكراد بخيبة الأمل. وأضاف ”يتم خلق جو يقيد الحريات. وهذا الجو لا يفيد تركيا“.
ويوم الثلاثاء عينت أنقرة مسؤولين حكوميين بدلا من أربعة من رؤساء البلدية المنتخبين ممن يمثلون حزب الشعوب الديمقراطي ليرتفع عدد رؤساء البلدية الذين عزلتهم إلى 12 بسبب ما تقول إنها صلات تربطهم بالإرهاب منذ الانتخابات في مارس آذار الماضي.
ويربط حزب الشعوب الديمقراطي بين تلك الحملة على الأكراد والعملية العسكرية في سوريا قائلا إن مكاتبه في جنوب شرق البلاد تتعرض لحصار وإن الحق في حرية التعبير وحق التجمع معلقان.
واحتجزت السلطات أيضا المئات بسبب تعليقات منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الهجوم العسكري.
وقال مدرس شاب في مقهى بديار بكر طلب عدم نشر اسمه خوفا من أن يفقد وظيفته ”إذا كانت تركيا تفكر حقا في السلام فعليها أن تحل المشاكل في الداخل أولا. هذه العملية تهدف إلى تخويف الأكراد في تركيا، لمعاقبة الأكراد هنا“.
احتجاج على حزب الشعوب الديمقراطي
في الوقت الذي عجز فيه حزب الشعوب الديمقراطي عن التظاهر احتجاجا على الهجوم العسكري في سوريا وحملة التضييق عليه استمر اعتصام للاحتجاج على الحزب عند مدخل مقره في ديار بكر منذ أوائل سبتمبر أيلول.
ويتهم حوالي 20 من الآباء والأمهات المتجمعين هناك الحزب بإرسال أولادهم للانضمام إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وقال سليمان أيدين (39 عاما) وهو يرفع صورة لابنه أوزكان مزينة بالعلم التركي ”لا نعرف إن كان حيا أم ميتا“.
كان أوزكان في الخامسة عشرة حين رحل عن البيت للانضمام إلى حزب العمال الكردستاني خلال عملية لإحلال السلام بين أنقرة والمتمردين في 2015، وانهار وقف لإطلاق النار في العام نفسه مما أدى إلى بعض من أسوأ الاشتباكات منذ بدأ التمرد.
ولقي أكثر من 4600 شخص مصرعهم في تركيا وفي شمال العراق منذ استئناف الصراع وفقا لأحدث إحصاءات مجموعة الأزمات الدولية.
وقال أيدين وهو كردي إن بيته في حي سور بديار بكر تعرض للدمار في الاشتباكات، وحمّل حزب الشعوب الديمقراطي المسؤولية عن محنته وأضاف ”أعطيناهم فرصة بالتصويت لهم لكنهم استغلوا تلك الفرصة في انتزاع أولادنا منا“.
وينفي حزب الشعوب الديمقراطي تلك الاتهامات ويقول إن الاحتجاجات تنظمها الدولة لتشويه سمعة الحزب.