رداً على التظاهرات التي عمّت بغداد ومختلف المدن الجنوبية بين 1 و 6 تشرين الأول/أكتوبر، اتخذت الحكومة العراقية إجراءات قمعية شديدة لم يسبق لها مثيل ضد المحتجين. وقد تعاونت مجموعة من الميليشيات المدعومة من إيران ومسؤولي الأمن مع مستشارين إيرانيين لتصميم هذه المقاربة الأكثر صرامة، والتي تضمنت اغتيالات ونيران قناصة وهجمات بطائرات بدون طيار وترهيب واعتقالات غير قانونية وانقطاع الإنترنت. وعندما نشرت بغداد نتائج التحقيقات التي توصلت إليها فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في 22 تشرين الأول/أكتوبر، حددت فقط صغار الضباط، وتجنبت الانتهاكات الرئيسية مثل هجمات القناصة والاعتداءات على محطات التلفزيون، وامتنعت عن تسمية أي من القادة المتورطين من الميليشيات المدعومة من إيران. وفي ظل غياب تحقيق شفاف وصادق من قبل الحكومة العراقية، على الولايات المتحدة فضح أولئك المسؤولين ووضعهم على لائحات العقوبات – لمهاجمتهم المدنيين – ليس فقط لمعاقبتهم على جرائم الماضي، ولكن أيضاً لمنع حدوث المزيد من الانتهاكات في الوقت الذي تلوح في الأفق احتجاجات جديدة بعد الفعاليات الدينية لإحياء الأربعين.
انتهاكات الميليشيات ضد المدنيين
خلال احتجاجات مختلفة في وقت سابق من هذا الشهر، نفذت السلطات العراقية عمليات إطلاق نار جماعية ضد مدنيين مسلمين شيعة. ووفقاً للروايات الرسمية، قُتل 165 مدنياً وجُرح 6100 آخرون، رغم أن التقديرات المسربة من الحكومة تشير إلى مقتل ما يصل إلى 400 شخص، و “اختفاء” 257، وجرح 6200 آخرون. ونظراً إلى موقع الأحداث، كانت نسبة عالية للغاية من تلك الإصابات دون شك من الشيعة. وقد شملت عملية القمع الإجراءات التالية:
- انقطاع الانترنت. بعد قطع كافة خدمات الإنترنت بالكامل في الفترة بين 2 و 6 تشرين الأول/أكتوبر، قامت الحكومة بتعليق تلك الخدمات لفترات مختلفة منذ ذلك الحين، مع وجود قيود مستمرة على الـ “فيسبوك” و “تويتر” و “واتسآب” و “انستقرام” وتطبيقات مماثلة.
- الاعتقالات غير القانونية. تمّ اعتقال 923 شخصاً على الأقل، بمن فيهم 35 على الأقل نُقلوا من المستشفيات؛ وقد أُرغم الكثيرون على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في احتجاجات مستقبلية تحت طائلة الملاحقة القضائية. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر ذكرت “المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان” أن 257 شخصاً ما زالوا في عداد المفقودين بعد أن أطلقت الحكومة سراح المحتجزين. ويُعتقد أن العديد من المفقودين في جرف الصخر وغيرها من السجون السرية التي تديرها ميليشيات تدعمها إيران تعمل ضمن «قوات الحشد الشعبي».
- الترهيب. تحدّث المراسلون الصحفيون ونشطاء المجتمع المدني عن جمع معلومات لتشكيل ملفات عن المنشقين وإدراج أسمائهم في لوائح وترهيبهم جسدياً، مما تسبب في فرار الكثيرين إلى «إقليم كردستان» شمالاً أو مغادرة البلاد تماماً. وقد تمّ وصف المحتجين على نحو غير دقيق بأنهم محرِّضون مدعومون من الخارج، حيث اتُهم البعض إما بأنهم “الجيش الرقمي للسفارة الأمريكية” أو يسعون لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل.
- هجمات القناصة. استخدمت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية وعناصر ميليشيات مقنّعين النار الحي ضد المحتجين. ومنذ 4 تشرين الأول/أكتوبر، استُهدف زعماء الاحتجاج بشكل فردي بنيران القناصة. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام العراقية، تم نشر هؤلاء القناصة من قبل ميليشيات «قوات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران. وجرى اعتقال أحد قناصة «كتائب سيد الشهداء» (اللواء 14 في «قوات الحشد الشعبي»). وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر، أفادت وكالة “رويترز” أن عمليات القناصة كانت بالتنسيق مع أبو زينب اللامي، رئيس “مديرية الأمن المركزي” في «قوات الحشد الشعبي» وعضو في جماعة «كتائب حزب الله» التي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية (الألوية 45 و 46 و 47 في «قوات الحشد الشعبي»).
- هجمات على محطات التلفزيون. تعرّضت ست محطات هي – “العربية” و”دجلة” و”الغد” و”أن أر تي” و”الحدث” و”تي أر تي” – للنهب وقُطع بثها من قبل رجال ميليشيا من «سرايا طليعة الخراساني» (اللواء 18 في «قوات الحشد الشعبي») و «حركة حزب الله النجباء» («قوات الحشد الشعبي» اللواء 12) بسبب استمرارها في نقل مشاهد من الاحتجاجات. وذكرت “هيومن رايتس ووتش” أن الهجمات وقعت بعد فترة قصيرة على قيام “هيئة الإعلام والاتصالات” التابعة للحكومة المركزية بتوجيه تحذير للمحطات بوقف بثها. وجرى اقتحام محطة “أن أر تي” بعد أن بثت مقابلة مع أحد المتظاهرين الذي اتهم ميليشيات «قوات الحشد الشعبي» بتنفيذ هجمات القناصة. وعندما بدا أن محطة سابعة هي “الفرات” محصّنة جيداً بحيث يصعب اقتحامها، قامت «عصائب أهل الحق» (الألوية 41 و 42 و 43 من «قوات الحشد الشعبي») بقصف المبنى في 6 تشرين الأول/أكتوبر إما بواسطة متفجرات وُضعت يدوياً أو بطائرة بدون طيار، مما أدى إلى إتلاف سيارات ومباني آخرى في المنطقة.
قادة الميليشيات الخاضعين للعقوبات
وفقاً لوكالة “رويترز” ووكالات إعلامية أخرى، انضمت مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين إلى ضباط في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني لتشكيل خلية أزمة في بغداد في 3 تشرين الأول/أكتوبر. وانطلاقاً من غرفتي عمليات – منزل آمن سري في الجادرية ومبنى لهيئة تابعة لـ «قوات الحشد الشعبي» بالقرب من مستشفى إبن سينا – قدم ضباط اتصال إيرانيون المشورة بناءً على خبرتهم في محاربة النشطاء في إيران، بالإضافة إلى توفيرهم مواد استخبارية عن النشطاء والاتصالات الآمنة للقناصة. وأبرزت “رويترز” أدلة على أن القناصة تلقوا الأوامر مباشرة من قادة ميلشياتهم “وليس من القائد الأعلى للقوات المسلحة… إنهم ينتمون إلى فصيل مقرب جداً من إيران”.
ومن بين الأفراد الذين تمّ تحديدهم على أنهم يعملون في خلية الأزمة، نأتي على ذكر:
- قاسم سليماني. قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» المصنف إرهابي من قبل الولايات المتحدة، وصل إلى بغداد في 4 تشرين الأول/أكتوبر لضبط أنشطة الحكومة المناهضة للاحتجاجات.
- أبو مهدي المهندس (اسمه الحقيقي جمال جعفر ابراهيم). قائد عمليات «قوات الحشد الشعبي»، صنفته الحكومة الأمريكية إرهابياً في عام 2009.
- فالح الفياض. مستشار الأمن القومي العراقي ورئيس «هيئة الحشد الشعبي»، عاد الفياض إلى بلاده في 4 تشرين الأول/أكتوبر بعد اجتماعه مع مسؤولين أمريكيين في واشنطن. وبعدها، عمل مباشرة مع الخلية الإيرانية في وقت وفر فيه مساعده الإداري حميد الشطري الدعم.
- أبو جهاد (اسمه الحقيقي محمد الهاشمي). مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، بدأ العمل مع الخلية بعد عودته من زيارة لبريطانيا في 5 تشرين الأول/أكتوبر.
- قيس الخزعلي. الأمين العام لـ «عصائب أهل الحق»، كان قد دعم بشكل كامل حملة القمع والتشهير بالمتظاهرين بمساعدة «الحرس الثوري الإسلامي» بوصفهم محرِّضين مدعومين من الخارج.
- أبو زينب اللامي (اسمه الحقيقي حسين فالح اللامي). كما ذُكر سابقاً، قام بتنسيق عمليات القناصة ضد المتظاهرين، في وقت ساهم فيه اثنان من مساعديه، هما أبو بكر (مدير “مديرية الأمن المركزي” لمنطقة الرصافة ببغداد) وحجي غالب (رئيس قسم التحقيقات في “مديرية الأمن المركزي”) في إدارة عمليات القمع.
- أبو منتظر الحسيني (اسمه الحقيقي تحسين عبد مطر العبودي). رئيس العمليات السابق في «قوات الحشد الشعبي» والمستشار الحالي لرئيس الوزراء عبد المهدي لشؤون «الحشد الشعبي». وكان أبو منتظر شخصية رئيسية في جمع كافة الجهات الفاعلة معاً في خلية الأزمة.
- أبو تراب (اسمه الحقيقي ثامر محمد اسماعيل). يرأس حالياً اللواء الحقوقي اسماعيل، الذي هو عضو منذ وقت طويل في «منظمة بدر» المدعومة من إيران، “فرقة الرد السريع” التابعة لوزارة الداخلية (التي تعرف أيضاً باسم “قسم الاستجابة لحالات الطوارئ”). وخلال المظاهرات، نشر قناصين لاستهداف المدنيين.
- حميد الجزائري. قائد «سرايا طليعة الخراساني» (اللواء 18 في «قوات الحشد الشعبي»، ساعد في تنسيق الهجمات على محطات التلفزيون.
- أبو آلاء الولائي (اسمه الحقيقي هاشم بنيان السراجي). قائد ميليشيا «كتائب سيد الشهداء» المدعومة من إيران (اللواء 14 في «قوات الحشد الشعبي»)، عمل مع خلية الأزمة وقدّم قناصين لعملية القمع.
- أبو إيمان الباهلي. رئيس مديرية الاستخبارات في «قوات الحشد الشعبي»، الذي هو مسؤول الارتباط مع مسؤولي الاستخبارات السيبرانية في «الحرس الثوري الإسلامي»؛ وقد أعدّ قوائم أهداف من نشطاء المجتمع المدني والصحفيين.
توصيات في مجال السياسة العامة
لمنع إيران من الإمعان في تعريض الحكومة العراقية للخطر أو إثارة العنف في جميع أنحاء البلاد، على واشنطن أن تُظهر أنها تقف إلى جانب الجيل القادم من العراقيين وتدعمهم، وخاصةٍ الإصلاحيين ومؤيدي حرية التعبير الذين خرجوا إلى الشوارع على الرغم من مواجهتهم تهديد حقيقي بالموت. وفي 18 تموز/يوليو، ساهمت الجولة الأولى من العقوبات المفروضة بموجب “قانون ماغنيتسكي الدولي” الأمريكي ضد النخب العراقية في بث الخوف ضمن قيادة البلاد إلى حد كبير، مما أدّى إلى قيام الكثير من أفرادها بإرسال أموالهم ومحافظهم العقارية وعائلاتهم إلى سلطات قانونية أجنبية لا تطالها العقوبات الأمريكية. يجب تكرار هذه التجربة من خلال جولات متعددة من العقوبات الجديدة وكشف الجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي:
- فرض عقوبات على مسؤولين بارزين بجرائم انتهاك حقوق الإنسان. توفر القائمة أعلاه عدداً من الأهداف للعقوبات المفورضة بموجب “قانون ماغنيتسكي الدولي”. وحتى في الحالات التي يخضع فيها الأفراد أساساً لعقوبات من جراء ارتكابهم جرائم إرهابية، سيكون من المفيد إدراجهم أيضاً بسبب انتهاكهم حقوق الإنسان، وهي تهمة قد يكون لها صدى أكبر مع الشعب العراقي. ويجب كذلك إدراج أسماء كبار القادة ومن ذوي المستويات المتوسطة في القائمة، مع توجيه رسالة واضحة مفادها أنه يمكن رفع العقوبات بسرعة إذا غيّر هؤلاء المسؤولون سلوكهم خلال الاحتجاجات المستقبلية. وفي غضون ذلك، ينبغي تشجيع بريطانيا على فرض عقوبات موازية لانتهاك حقوق الإنسان نظراً إلى الانكشاف الكبير لمسؤولين مثل أبو جهاد في ذلك الاختصاص القضائي.
- مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان عن كثب بعد إحياء الأربعين. من المحتمل أن تندلع احتجاجات جديدة في 25 تشرين الأول/أكتوبر، وهو يوم الجمعة الأول بعد الفعاليات الدينية المهمة للشيعة. ومن المرجح بشكل بارز تنظيم تظاهرات كبيرة الآن خاصة أن الحكومة قد سلكت المسار المتوقّع المتمثل بتغطية تواطئها ومشاركتها في عمليات القمع بمساعدة «الحرس الثوري الإسلامي». يتعين على الولايات المتحدة التركيز باهتمام على تصرفات المسؤولين العراقيين وأقوالهم واتصالاتهم خلال الموجة التالية من الاحتجاجات، وتوليدها أدلة إضافية على حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في حالة حدوثها.
- تسليط الضوء على دور القوات الإيرانية. يجب الكشف عن تفاصيل الإجراءات الإيرانية المناهضة للاحتجاجات في العراق، حتى لو كان ذلك على حساب الكشف عن بعض فرص جمع المعلومات. يجب تسليط الضوء أيضاً على أوجه الشبه بين تكتيكات مناهضة الاحتجاجات السابقة في إيران والتكتيكات الحالية للميليشيات في العراق، خاصة في مجالات الإنترنت والساحات الإلكترونية.
- إعادة التركيز على عمليات الاعتقال التي تنفذها «كتائب حزب الله». على واشنطن أن تحث منظمات حقوق الإنسان والجهات الفاعلة الدولية الأخرى على إيلاء المزيد من الاهتمام لعمليات الاعتقال غير القانوني التي تنفذها هذه الجماعة بحق مئات المدنيين في سجونها السرية وأهمها جرف الصخر.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ومنذ عام 2003، أجرى أبحاثاً مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية.