متظاهرون لبنانيون يكسرون حاجز الخوف من انتقاد حزب الله وأمينه العام

بيروت- أ ف ب

منذ اندلاع حراك شعبي غير مسبوق في لبنان، كسر المتظاهرون للمرة الأولى حواجز كانت بمثابة “محرمات” على غرار التظاهر في مناطق تعد معاقل رئيسية لحزب الله وتوجيه انتقادات غير مسبوقة له ولأمينه العام حسن نصرالله.

في مواقع الاحتجاجات وأثناء البثّ المباشر على قنوات التلفزة المحلية، اتهم متظاهرون الحزب بتوفير الغطاء لحكومة فاسدة، يقولون إنها سلبت الناس مقدراتهم وسبل عيشهم.

وقالت سارة (32 عاماً)، وهي متظاهرة فضّلت استخدام اسم مستعار، تشارك في التظاهرات التي تشهدها مدينة النبطية جنوباً منذ أيام لوكالة فرانس برس “لم يتوقع أحد أن نسمع في هذه المناطق من الجنوب هتافات ضد نصرالله و(نبيه) بري”، رئيس البرلمان اللبناني ورئيس حركة أمل الشيعية.

 

وتضيف “إنه أمر لا يصدق، والجديد هنا هو أن بعض المتظاهرين حزبيون ويدعمون حزب الله، لكنهم يختنقون” جراء البطالة والغلاء وعجزهم عن تأمين احتياجاتهم الرئيسية.

ويعدّ حزب الله، المدعوم من إيران، لاعباً أساسياً في لبنان، فهو الحزب الوحيد الذي يمتلك ترسانة من الأسلحة ويعتبر العدو اللدود لإسرائيل. وفاز في الانتخابات الأخيرة بـ13 مقعداً ويحظى بثلاث حقائب وزارية في الحكومة الحالية.

ودعم الحزب حليفه الرئيس اللبناني ميشال عون للوصول إلى الرئاسة، ويشكلان مع حلفائهما أكثرية في الحكومة التي يرئسها سعد الحريري.

ولم يسلم حزب الله من الاستياء العام الذي وصل ذروته الأسبوع الماضي، مع انطلاق تظاهرات منددة بزيادة الضرائب والفساد والظروف المعيشية السيئة.

وشهدت مناطق عدة في جنوب لبنان الذي يعدّ معقلاً للحزب منذ تحريره عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي تظاهرات غير مسبوقة، خصوصاً في مدن النبطية وبنت جبيل وصور حيث يحظى حزب الله وحليفته أمل بنفوذ كبير.

وباستثناء مدينة صور، لم تكن التظاهرات في تلك المناطق بالحجم الذي كانت عليه في سائر لبنان.

ويحظى نصرالله باحترام شديد بين مؤيديه، الذين يرفعون صوره في البيوت والمتاجر وعلى الطرقات. ولم يتقبل أنصاره سابقاً أي انتقادات له وتحركوا احتجاجاً عليها، وفي بعض الأحيان، كان منتقدوه يوصفون بـ”العملاء” المؤيدين لإسرائيل.

“المقاومة”

ولم يسلم نصرالله من الانتقادات منذ انطلاق التظاهرات في 17 تشرين الأول/أكتوبر، بوصفه أحد أركان الطبقة السياسية الحاكمة رغم أنه شخصياً لم يشارك في السلطة. وردد المتظاهرون في العاصمة اللبنانية عبارة “كلهم يعني كلهم، نصرالله واحد منهم”، في إشارة الى اعتباره جزءاً من المنظومة الحاكمة.

وفي مشهد غير مسبوق، بثت الانتقادات الموجهة ضد الحزب حتى على قناة المنار الناطقة باسمه.

وخلال مقابلة مباشرة على الهواء من وسط بيروت، حضّ أحد المتظاهرين نصرالله على أن “يهتم بشعبه في لبنان” بدل التركيز على النزاعات الإقليمية كما في سوريا حيث أرسل الحزب مقاتلين له لتقديم الدعم إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وبدا نصرالله في خطاب السبت مدركاً للانتقادات التي توجه إليه. وقال “اشتموني، لا مشكلة لدي في ذلك”. لكنه حذر من مطلب استقالة الحكومة، على اعتبار أن حلّ الأزمة وتشكيل حكومة جديدة سيتطلب وقتاً طويلاً.

وأكد حاتم غربيل وهو متظاهر في النبطية أن كلام نصرالله شكّل خيبة أمل لمناصريه.

وقال “الرسالة التي يحاول جمهور حزب الله إيصالها إلى السيد حسن نصرالله هي أن المقاومة ليست فقط ضد إسرائيل والإرهاب”، لافتاً إلى أنها تتمثل أيضاً بـ”دعم لقمة عيش المواطن في لبنان”.

“لا شيء لنخسره”

ولم تتعرض الانتقادات لنصرالله شخصياً، بخلاف زعماء آخرين طالتهم الشتائم أبرزهم رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية، جبران باسيل ورئيس البرلمان، في مناطق يفترض أن لهم شعبية فيها.

إلا أنه بحسب غربيل، شكّلت الانتقادات لنصرالله “كسراً لجدار الخوف”، وبيّنت أن “الشعب لم يعد يتبع زعاماته السياسية والطائفية بشكل أعمى”.

وأكد المحلل لقمان سليم، وهو ناشط سياسي ينتقد حزب الله بشكل علني، أن الاستياء من حزب الله “ليس وليد اللحظة” بل “اختمر خلال السنوات الماضية جراء أزمة اقتصادية لا يعبر عنها فقط إفلاس الدولة اللبنانية” بل تنعكس في وجود ما اعتبره “دويلة حزب الله أيضاً”.

وأنشأ حزب الله في مناطق نفوذه مؤسسات رعاية اجتماعية موفراً خدمات عامة من تعليم وطبابة يستفيد منها أنصاره ومحازبيه.

ومنذ وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، صعّدت واشنطن عقوباتها ضد ايران الداعمة الأساسية للحزب وضد الحزب نفسه، ما فاقم صعوباته المالية، الأمر الذي دفع نصرلله ليطلب من قاعدته الشعبية تقديم تبرعات في وقت سابق هذا العام.

وقال سليم “ليس لدى الشارع الشيعي ما يخسره، لذلك نزل ليعبر عن رأيه”.