الدلالة الحاسمة في دعوة رئيس المنبر العراقي لانتخابات مبكرة  

ضرغام جواد كاظم*

لم تأت دعوة السيد رئيس المنبر العراقي الدكتور اياد علاوي لاجراء انتخابات مبكرة في العراق كردة فعل على احداث العنف المؤسفة التي خلفتها موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بحقوق المواطن المشروعة التي انطلقت مؤخراً في بغداد ومعظم المحافظات الاخرى في وسط وجنوب العراق. ففي هذا الجانب اطلق سيادته مجموعة من الاقتراحات البناءة التي مهدت لاطفاء النوازع الملتهبة واعادت الشارع العراقي الى حالة الهدوء العقلاني مساهمة منه بايقاف نزيف الدم وتقديم الحكمة على ردود الفعل الملتهبة التي كانت قد سادت الشارع العراقي على كافة المستويات. واذا كانت تلك المقترحات  بمجملها تمثل الحل الآني والفوري لتهدئة الأوضاع والبدء ببناء عراق  يتسع لكل العراقيين من خلال الاستجابة المباشرة  لمطالب التظاهرات السلمية والشروع بحل المشاكل العالقة التي ترتبت على تلك المواحهات. الا ان سيادته كان قد ادرك من خلال حسه السياسي وتجربته النضالية المتميزة ان الاحداث التي ادت الى سفك الدماء البريئة من خلال العنف والعنف المضاد ما هي الا مؤشر واضح على وجود الخلل الذي ساد العملية السياسية برمتها واخرجها عن مسارها الذي رُسمت من اجله. هذه العملية كانت قد ضلت طريها وعجزت عن تحقيق الطموحات المشروعة للمواطن العراقي الذي توخى فيها الازدهار الاقتصادي  وتوفير الاجواء الديمقراطية وتعميم  السلم الاهلي وسيادة القانون.

ورغم المحاولات المخلصة والنداءات المتكررة لاصلاح المسيرة السياسية ، الا ان النتائج على ارض الواقع كانت مخيبة للامال، وبذلك تعمق الانفصام بين الشعب والمتحكمين بالسلطة مما ادى الى المحاصصة على المواقع الرسمية المتنفذة دون اخذ الاخلاص والكفاءة في نظر الاعتبار. ومن النتائج المباشرة لهذا التراجع والنكوص في اجهزة الدولة هي ظاهرة انتشار الفساد المالي والاداري الذي ضرب اطنابه في المؤوسسات العامة وانعكس على الاجراءات والواجبات الرسمية، فتعطلت التنمية المطلوبة بسبب الرشوة و التزوير واستشرت البطالة والبطالة المقنعة مما اثر سلبياً على حياة المواطن الذى اخذ يعاني في قوت يومه وفي صحته البدنية والنفسية بسبب تراجع الخدمات العامة، او حتى انعدامها في بعض الاحيان.

ومن العوامل المباشرة التي فاقمت من الازمة السياسية والاجتماعية في العراق هي موجة الارهاب التي عصفت بمساحة جغرافية واسعة منه، ورغم انحسار هذه الموجة واندحارها عسكرياً الا انها تركت مخلفات صعبة لم تعمل السلطات المختصة على ازالتها بالجدية المطلوبة. فما زال في العراق اكثر من ثلاثة ملايين مهجر ومشرد يمثلون قنبلة موقوتة لم تعمل السلطات بالسرعة المطلوبة على اعادة تسكينم وتوفير الخدمات الضرورية التي تليق بهم كبشر.
ومن تلك المخلفات الظاهرة للعيان ايضاً هي انتشار الاسلحة بايديٍ غير مرخصة وظهور الفصائل المسلحة التي ترعاها بعض دول الجوار والتي باتت تتكحم بمصير المواطن وتزعزع امنه واستقراره.

وانعكس ذلك بصورة مباشرة على عزوف الشعب العراقي عن المشاركة في الانتخابات العامة الاخيرة، فالنسبة التي شاركت في تلك الانتخابات حسب استطلاعات الرأي المحايدة لم تتجاوز الـ 20%، وهذ النسبة لا يمكن ان توفر الشرعية المناسبة لتركيبة حكومية معبرة عن طموحات شعب ادمته الحروب والازمات، هذا ما اذا اضفنا الى ذلك ما اعترى تلك الانتخابات من تزوير وحوادث الحرائق الغامضة مما زاد من شكوك المواطن بصدقيتها وتبنى رفض التسليم بنتائجها قبل اعلانها.

وبسبب كل ما تقدم، وبنظرة موضوعية ثاقبة دعى الدكتور اياد علاوي في 24 شباط المنصرم الى انبثاق المنبر العراقي ليكون منصة عراقية حوارية سياسية تعيد التواصل الايجابي بين المواطن والمواطن لاختيار قيادة سياسية فعالة قادرة على انقاذه من واقعه الراهن.

وفي ضوء ما تقدم، كان لا بد من العودة الى الجذور. ومن هذا المنطلق جاءت دعوة سيادته الى اجراء انتخابات مبكرة ونزيهة قادرة على انتاج نخبة سياسية متواصلة مع جماهيرها تتمكن من اصلاح العملية السياسية واقامة دولة المؤسسات المهنية النزيهة التي تحقق طموحات المواطن وتؤدي التزماتها اتجاه الوطن. ومن هنا تتوضح اهمية هذه الدعوة كحل مناسب يضع العراق من جديد على طريق الديمقراطية الصحيحة التي تصون لابنائه كرامتهم  وتعوضهم على ما فاتهم من حيف وحرمان.

*مسؤول المنبر العراقي – المملكة المتحدة وأوروبا