أمريكا تفرضُ العقوبات و أيران تفرضُ الوقائع و الطرفان سيتفقان

د . جواد الهنداوي*

العنوان يعكس المشهد السياسي و الدبلوماسي و العسكري ، الذي نعيشهُ إقليماً و دولياً ، و فواعلهِ لاعبّان :إيران و امريكا . تصعيد عسكري بري او بحري او جوي في المنطقة منسوب الى إيران او محسوب عليها ،يقابله دائماً فرض عقوبات اقتصادية او سياسية من اللاعب الآخر (امريكا) .
إيران مطمئنة تماماً ، ومنذ سنوات ،بأن لا حرب أمريكية أخرى في المنطقة بعد حروب و احتلال العراق ، كما انها ضمنت امتناع أمريكا عن القيام باي رّد عسكري ضّدها ، وأوصلت رسالة الى الإدارة الأمريكية عبر قنوات دبلوماسية سويسرية ،مفادها ،بأنَّ ايّ هجوم عسكري ولو محدود ، سيقابله رّدْ إيراني شامل وغير محدود ، وعلى مايبدوا الأمريكان استلموا الرسالة ، ويتعاملون مع مضمونها بجدّية .


مُفارقة ،تدلُ أيضاً ،على سوء التدبير ،من قبل الإدارة الأمريكية ، الا وهي : كُلّما شهدت المنطقة تصعيد و تّوتر عسكري ،منسوب لإيران او محسوب عليها ، تراجعَ الخيار العسكري الامريكي ضّدَ إيران ،حتى اختفى من حُزمة الخيارات ،رسمياً و علناً .
المفارقة الأخرى هو انَّ الأمريكيين يعتبرون آلية فرض العقوبات على إيران جُهداً او عملاً دبلوماسياً ،هكذا صرّح السيد بومبيو ،وزير الخارجية الامريكي ،قائلاً ،عشّية الاجتماعات السنويّة للأمم المتحدة في نيويورك ، ” إذا فشلت جهودنا الدبلوماسية مع إيران ،فالعالم يعرف إمكانياتنا العسكرية ” .
فشل السياسة الأمريكية في المنطقة ، والقائمة على توريط الآخرين وابتزازهم و خذلانهم ، ساهمت الى حد كبير في تعزيز الدور الإيراني ، ومنحت لإيران الفرصة في استعراض قدراتها العسكرية و التقنيّة .
المُعادلة المتبناة الآن في المنطقة وبين الطرفيّن (إيران ،امريكا ) ، زيادة العقوبات يقابله تصعيد عسكري بحدث او اكثر و توتّر و تراجع في الثقة بأمريكا و بمصداقيتها .
خطاب الرئيس الامريكي في الأمم المتحدة تناول أمن اسرائيل و دعم امريكا لإسرائيل و التطبيع مع اسرائيل ،تناول أيضاً ملف إيران و منعها من امتلاك سلاح نووي ،ايّ خطاب مُكّرس لمصلحة اسرائيل ،وكأنَّ الخطيب زعيماً اسرائلياً وليس أمريكياً . خطاب صادق و يعبّر عن أمريّن : عن هدف السياسية الأمريكية في المنطقة و التزامها هيمنة المصلحة الاسرائيلية في المنطقة ، و عن المسعى الانتخابي للرئيس ترامب بكسب تأييد اللوبي الصهيوني المؤيد و الداعم لإسرائيل .
الرئيس الامريكي السابق (اوباما ) و قبيل مغارته البيت الأبيض ب ستة شهور ، دعا دول المنطقة ، وخاصة المملكة العربية السعودية ،الى التفاهم مع إيران حول أمن و استقرار المنطقة ، إدراكاً منه بأهمية و دور المملكة سياسياً و اقتصادياً . و الرئيس الامريكي ( ترامب ) ، وبأسلوب آخر ، ( بتصريحاته الاستفزازية و بمواقفه المزاجيّة و المتقلّبة ) ، يحّثُ دول المنطقة الى التفاهم مع أيران . و ما يدعمُ قولنا و استنتاجنا ، هو طلب الأمير ،محمد بن سلمان ، و كذلك الرئيس الامريكي ، لرئيس وزراء باكستان التحدث مع الرئيس الإيراني من اجل التهدئة . كما أنَّ الأمير ،محمد بن سلمان ،ولي العهد قال أيضاً و صراحة بأنه يبحث عن حلْ سياسي مع أيران ،خلال مقابلته المتلفزّة مع قناة أمريكيّة .
للطرفيّن (امريكا و إيران ) ، لم تكْ الحرب خياراً ، لا في الماضي و لا في الحاضر ، و مسعى أوربي و دولي اليوم هو تبديد عوامل التوتر في المنطقة و تقريب وجهات النظر بينهما  لاسيما و العالم مُقبل على انكماش اقتصادي .
حالة اللاحرب و اللا سِلمْ بينهما لن تدوم ، الرئيس ترامب بحاجة الى إيران وسيقترب منها كلمّا قرُبَ موعد الانتخابات ، و إيران تستعجلُ رفع العقوبات و مع الاحتفاظ بدورها و بنفوذها في المنطقة .

*كُتِبَ في ٢٥ / ٩ / ٢٠١٩ ، و تعّذرَ نشرهُ حينها.