نصار النعيمي
مثلت احداث عملية طوفان الأقصى وتداعياتها في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس الفلسطينية أكثر الحروب دموية وتدميراً من بين الحروب الخمس التي دارت بينهما ، لاسيما أن الجانب الفلسطيني صمد سكانه تحت الاف الاطنان من الصواريخ وقذائف المدفعية، على مدى الايام الماضية من المعارك، وارتفعت حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي إلى 336 جنديا، 23 منهم قتلوا بعد انطلاق الهجوم البري، وسقط العدد الأكبر منهم في هجوم واحد استهدف ناقلة جنود إسرائيلية مدرعة من نوع “نمر” ما أدى إلى مقتل 11 جنديا، وبحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي، هذا الارتفاع في حجم الخسائر البشرية للجيش الإسرائيلي، طرح العديد من علامات الاستفهام حول أسبابه وكيفية تفسيره، فضلا عن مستقبل العملية البرية في غزة، بينما تكثف القوات الإسرائيلية هجومها على قطاع غزة، بدأ دبلوماسيون في الولايات المتحدة والأمم المتحدة تقييم خيارات “ماذا بعد” إذا تمكنت إسرائيل من الإطاحة بالحركة التي تدير القطاع؟
من جهتها وكالة رويترز نقلت عن مصادر مطلعة وجود مباحثات شملت وضع العديد من الخيارات كنشر قوات متعددة الجنسيات في غزة، وتشكيل إدارة مؤقتة بقيادة فلسطينيين، دون حماس، ومنح دور مؤقت لملء الفراغ في الأمن والإدارة لدول جوار عربية وإشراف مؤقت من الأمم المتحدة على القطاع، ووصف مصدر أميركي آخر العملية بأنها لا تزال في “طور طرح الأفكار” بشكل غير رسمي.
فيما طرح بعض المحللين السياسيين فكرة نشر قوة تدعمها الأمم المتحدة في قطاع غزة، إما على شكل قوة حفظ سلام رسمية تابعة للأمم المتحدة مثل الموجودة على الحدود بين إسرائيل ولبنان أو قوة متعددة الجنسيات بموافقة الأمم المتحدة
المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي قال في تصريح صحفي “نعلم أن هناك الكثير من الأسئلة حول غزة ما بعد الصراع وكيف سيبدو الأمر، ونحن بالتأكيد نطرح على أنفسنا بعضا من هذه الأسئلة نفسها ونتحدث مع شركائنا“، وحتى إن تمكنت إسرائيل من الإطاحة بقيادات حماس، سيكون من شبه المستحيل القضاء على الشعور المؤيد للحركة بين سكان القطاع بما يزيد من مخاطر تعرض أي جهة تتولى إدارته لهجمات جديدة وهو ما قد يتضمن تفجيرات انتحارية.
من جهته قال دينيس روس المفاوض السابق لملف الشرق الأوسط ومستشار البيت الأبيض، في حالة التمكن من تجريد حماس من “سلطتها القوية” ونزع السلاح في قطاع غزة “فإن ذلك قد يفتح الطريق أمام تشكيل إدارة مؤقتة بحكومة تكنوقراط يقودها فلسطينيون يعملون تحت نوع ما من المظلة الدولية أو الإقليمية أو كليهما، وقال إن التفاصيل ستتطلب نقاشا معقدا تقوده الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف أخرى كبرى معنية ولها مصالح في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
الغزو البري على غزة لن يحقق أهدافه؟
أطلق الجيش الإسرائيلي على عملية الدخول الى غزة “السيوف الحديدية” والتي تعتبر أكثر طموحا بكثير من أي شيء خطط له الجيش الإسرائيلي في غزة من قبل وربما يستمر لعدة أشهر، وأن الدخول إلى قطاع غزة ينطوي على ما يعرف بقتال الشوارع من منزل إلى منزل في المناطق الحضرية، كما يحمل مخاطر هائلة على السكان المدنيين الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة. حيث قتل ما لا يقل عن 7000 شخص معظمهم من النساء والأطفال في غزة، ونزح مئات الآلاف من منازلهم.
من جهة أخرى تواجه القوات الإسرائيلية مهمة صعبة تتمثل في إنقاذ أكثر من 220 رهينة محتجزين في أماكن مجهولة في أنحاء متفرقة من غزة، فضلاً عن أن أغلبية الرهائن هم من الإسرائيليين، ولكن بينهم هناك أيضا عدد كبير من المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية، ما يعني أن العديد من الحكومات الأخرى – بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة – لها مصلحة في هذه العملية بما يضمن الإفراج الآمن عن مواطنيها.
وأقرَّ المحلل العسكري في إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمير بار شالومفي تصريح صحفي بالقول” لا أعتقد أن إسرائيل قادرة على تفكيك كل أجزاء حركة حماس، لأنها مبنية على فكرة “الإسلام المتطرف”، بحسب زعمه، لكن يمكنها إضعاف الحركة بقدر كاف بحيث لا تستطيع تنفيذ أي عمليات هجومية على الأرض.”
وقد يكون إضعافها هدفا أكثر واقعية من تفكيكها بالكامل، ويضيف أن إسرائيل خاضت حروباً سابقة مع حماس، وباءت كل محاولاتها، في كل مرة، لوقف هجماتها الصاروخية بالفشل.
ويضيف رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين في حديث صحفي: أنه بصرف النظر عن قوة الجناح العسكري لحماس الذي يزيد عدد أفراده عن 25 ألف شخص، فإن لديها ما بين 80 إلى 90 ألف عضو آخرين يشكلون جزءاً من البنية التحتية للرعاية الاجتماعية.
الدول العربية المجاورة لفلسطين ومستقبلها بعد الغزو الإسرائيلي لغزة
أوضح أوفير وينتر من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي في تصريح صحفي “كلما زادت معاناة سكان غزة في أعقاب الحملة العسكرية الإسرائيلية، كلما زادت الضغوط التي ستواجهها مصر، لتظهر وكأنها لم تدر ظهرها للفلسطينيين”، لكن هذا الضغط على القاهرة لن يمتد بحيث تسمح بعبور جماعي لسكان غزة إلى شمال سيناء، فقد حذر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أن أي محاولة لنقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء سيدفع المصريين إلى “الخروج والاحتجاج بالملايين”.
بصيص الأمل للفلسطينيين يتمثل بمعبر رفح الحدودي المصري مع غزة الذي يعتبر نقطة محورية إنسانية، لوصول كميات محدودة فقط من المساعدات إلى غزة وينتظر مواطنون أجانب وفلسطينيون يحملون جوازات سفر أجنبية المغادرة عبر المعبر.
الأردن هي الأخرى قلقة إذ أعلن العاهل الأردني، الملك عبد الله في تصريح صحفي” أن أي محاولة محتملة لإخراج اللاجئين الفلسطينيين من غزة “خط أحمر”، محذرا “لا لاجئين في الأردن، ولا لاجئين في مصر”.
والى لبنان إذ تخضع حدودها الشمالية مع إسرائيل الى رقابة دقيقة، ورغم وقوع عدة هجمات قتالية عبرها والتي شارك فيها حزب الله اللبناني، وتسبب في إجلاء السكان على الجانبين، إلا أن العنف حتى الآن لا يرقى إلى مستوى جبهة جديدة ضد إسرائيل.
من جهته يصف الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويريفي حديث متلفز: أن الملامح العامة للعملية العسكرية البرية الإسرائيلية المحتملة قد بدأت تتضح، في ضوء التدمير الممنهج لمناطق وبلدات قطاع غزة، والإجراءات التي اتخذت من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات والأيام الماضية، متوقعاُ أن تكون المعركة الرئيسية في القطاع الشمالي من غزة، ولافتاً الى استهداف المناطق والأحياء الشمالية من قطاع غزة(مثل العطاطرة وبيت لاهيا وبيت حانون وحي الزيتون وغيرها من الأحياء)، يظهر وجود تدمير لمربعات كاملة واستهدافا على شكل خطوط طولية أو عرضية، ما يرجح -بحسب المحلل العسكري- أن العملية العسكرية المحتملة ستكون في هذه المناطق، من أجل إيجاد ممرات تستطيع من خلالها الجارفات -التي عادة ما تتقدم في العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي مع الدبابات- فتح الطرق وإيجاد ممرات للقوات الإسرائيلية لتنفيذ مناورة داخلية تقوم بعمليات العزل والتطويق.
مدة الغزو البري
الإعلام الإسرائيلي نحدث عن الهجوم العسكري الإسرائيلي البري على قطاع غزة، وأقر محللون ووزراء بأن هذا الهجوم سيكون صعبا وقد يستغرق نحو ثلاثة أشهر، من جهته تحدث محلل الشؤون الأمنية والجيش ألون بن ديفيد عما أطلق عليها التحضيرات للمناورة البرية، وقال إن الجيش (الإسرائيلي) كشف عنها اليوم لأول مرة، وهو الآن في مرحلة إقرار الخطط، ويعترف جيش الاحتلال بأن المناورة البرية على وشك البدء ولم يتبق لذلك الكثير من الوقت، مضيفاً بأن “المناورة ستكون غير سهلة وطويلة ومستمرة ومؤلمة وليس شيئا سريعا لمدة يوم أو يومين.
بدوره، قال رافي ريشف من القناة 12 إن العملية البرية ستكون “معركة مستمرة وصعبة وسوف ندفع أثمانا”، وهو الموقف نفسه لمحلل عسكري من القناة 12 يدعى نير ديفوري، الذي اعترف في تحليله بأن الهجوم البري على غزة سيكون “معركة معقدة.. فإنك لا تعلم إلى ماذا ستدخل؟”، وتساءل كيف ستدار هذه المعركة في الوقت الذي لا تملك فيه عنصر المفاجأة؟، وقال “إن تهيئة وتدمير المنطقة التي تراها هي جزء من التحضير للمرحلة القادمة”، في إشارة منه إلى التدمير الذي يتعرض له قطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي المستمر، وعن مدة الهجوم البري الإسرائيلي المحتمل، قال مراسل القناة 12 في الجنوب ألموج بوكير “إن ضباطاً كباراً ممن يتحدثون مع المقاتلين ومع جنود الاحتياط يقولون لهم جهزوا أنفسكم لفصل كامل أي لثلاثة أشهر من القتال ليس أقل من ذلك.
وأضاف المحلل السياسي في القناة 13 أتيلا شومفلبي، أنه “بعد ساعات من الحدث الكارثي (معركة طوفان الأقصى) أصبح في دولة إسرائيل لاجئون في الخيام.. وفي منطقة البحر الميت وإيلات هناك عشرات آلاف النازحين عن بيوتهم موجودون في الفنادق، والدولة لا تعتني بهم، وهنا بدأت أزمة حقيقية.
وذكر إيال هولاتا، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، لصحيفة فايننشال تايمز: “ أن الأسوأ في القتال بمنطقة حضرية هو القتال تحت أنقاض منطقة حضرية، مؤكداً أن حماس تمتلك في قطاع غزة الذي يبلغ طوله 41 كيلومترا وعرضه 10 كيلومترات، أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق، وهذه الشبكة يمكنها أن تحتوي على المعدات والأسلحة والوقود والمتفجرات.
الرئيس السابق للاستخبارات الدفاعية الإسرائيلية عاموس يادلين ،كشف في مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز، أن “ الهجوم يتطلب التقدم سنتيمترا بعد سنتيمتر، ومترا بعد متر، ومحاولة تجنب الخسائر، وفي الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل أن تتعامل مع القضية المهمة المتمثلة في الرهائن المحتجزين لدى حماس.
من جانبها قالت حماس إنها مستعدة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المختطفين مقابل إطلاق سراح جميع الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل، ووفق آخر تحديث، بلغ عدد الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة 242، حسبما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هغاري.