المنهج الايراني في استثمار الفرص السياسية

مر اليوم الثامن عشر من تشرين الأول 2023 دون أي اهتمام سياسي واعلامي في الدوائر الأمريكية والأوربية والإيرانية بفعل الأحداث الجارية في فلسطين والمواجهات العسكرية المستمرة فيها والتي ألقت بظلالها على جميع التطورات والمستجدات السياسية التي تهم بلدان العالم للنتائج التي تنتظرها والمخططات المرسومة لها والدوافع الذاتية والميدانية التي تتحكم بها وتعمل على مسايرتها حسب المصالح الدولية والإقليمية، ولهذا فإن تاريخ انتهاء العقوبات على النظام الإيراني والتي أقرها اتفاق عام 2015 والموقع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيران لم يرتقي الى الاهتمام الذي كانت تنتظره جميع الدوائر السياسية لترى كيفية التعامل مع العقوبات الاقتصادية أو السماح لإيران بالتصرف ببرنامج الصواريخ البالستية وحظربيع واستيراد الأسلحة والذي كان للدول الأوربية موقفاً صريحاً منه عندما استمر النظام الإيراني بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة، فقد شهدت اروقة الاتحاد الأوربي محادثات عديدة ولقاءات مستمرة أدت إلى اتخاذ قرار أوربي وبدعم أمريكي بتمديد العمل بالقرار (2231) والذي كان من المؤمل ان ينتهي في 18 تشرين الأول 2023.

 

لا زالت إيران تسعى وبشكل حثيث إلى تكثيف عملية التقدم في البرنامج النووي وتسارع الخطى في تنفيذ العديد من المنشأت النووية وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزينها لأجهزة الطرد المركزي بحيث وصلت إلى أربعة الأف جهاز والعمل باتجاه التوسع في بناء منشأة نووية تحت الارض قريبة من موقع نطنز، وجميع هذه الإجراءات تعتبر خروج فعلي عن ما اتفق عليه في خطة العمل المشتركة في ايار 2015.

 

أن جميع الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على سدة الحكم في واشنطن عملت وبشكل متواصل على التمسك بدبلوماسية السياسة واستخدام الحوار غير المباشر مع إيران وخاصة في الحوارات التي التي أجريت في عهد الرئيس جو بايدن واستمرت سنتين تم خلالها عقد تسع جولات في العاصمة النمساوية (فيينا) بغية التوصل إلى حلول واقعية وإجراءات عملية تساهم في إعادة صيغة التعامل مع البرنامج النووي الإيراني بما يخدم جميع توجهات وغايات الأطراف الدولية الإقليمية المشتركة في الحوارات، والتي تخللتها عدة لقاءات ووساطات غير مباشرة ساهمت فيها دول عربية خليجية للعمل بشكل متواصل على إيجاد قنوات سياسية تساهم في ردم الهوة في العلاقة مع واشنطن وطهران والتي تكللت بصفقة ( تبادل السجناء) وتحقيق الأهداف الأمريكية بإطلاق سراح المحجوزين الامريكان من أصول إيرانية مقابل السماح لإيران بالتصرف بجزء من أموالها المجمدة والبالغة (7) مليار دولار في كوريا الجنوبية والاستفادة من مبلغ (10) مليار دولار هي قيمة الديون المتعلقة بتصدير الغاز الإيراني للعراق مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية كمساهم فعال في تقديم المساعدة لإيران في مفاوضاتها مع البنك الدولي بالحصول على (7) مليار دولار أخر.

 

تحرص الإدارة الأمريكية على التعامل مع الملف الإيراني بطرق دبلوماسية بعيداً عن أي مواجهات عسكرية والسعي لتحقيق اتفاق دولي مع طهران، لأنها ترى أن أي عمل عسكري يحتاج إلى مستلزمات ونشر لقوات عسكرية في الشرق الأوسط وهذاما يتعارض وسياسة الرئيس بايدن في إيقاف الحروب في منطقة حساسة من العالم، بعد أن اتجه الاهتمام الأمريكي نحو العمل على حسم النزاع الروسي الأوكراني لصالحه باستمرار تدفق الدعم العسكري المالي والذي انتهى الى طلب الرئيس الأمريكي يوم 20 تشرين الأول 2023 من الكونكرس بالسماح بمخصصات أمنية ضخمة بقيمة (61) مليار دولار، والذي يأمل فيه الرئيس بايدن أن يضع مشروع قانون للاتفاق على الأمن القومي الذي يستلزم قراراً على أن يحظى بموافقة مجلس النواب.

 

ترى الإدارة الأمريكية ان أولويات اهتمامها ينصب حول إدارة الصراع الدولي مع روسيا التي لا زالت مستمرة في معاركها الميدانية مع أوكرانيا ومتابعة التطورات الاقتصادية والتوجيهات السياسية للقيادة الصينية التي تهتم بالعمل على أن يكون لها التأثير الفعلي في النظام الدولي سياسياً وعسكرياً في بحر الصين الجنوبي الذي يعتبر الممر الرئيسي للتجارة الدولية، وما أقدمت عليه الصين في منطقة الشرق الاوسط بالإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني الذي لاقى اهتمام من قبل واشنطن.

 

ان الإدارة الأمريكية لا زالت تخشى من أحداث فراغ إقليمي في منطقة الشرق الأوسط عبر غياب النظام الإيراني باسقاطه سياسياً واحداث متغيرات إقليمية قد توصل إلى حالة من إنعدام الاستقرار في الأوضاع القائمة في المنطقة العربية والتي تؤثر بشكل فعال على المصالح الأمريكية والغايات التي تسعى إليها الدوائر السياسية والعسكرية في إدارة الرئيس بايدن.

 

وأمام هذه الغايات والأهداف الأمريكية فإن واشنطن لا زالت تسمح لإيران بالاحتفاظ ببرنامج نووي لاغراض الطاقة تحت ضمانات دولية مع تخليها عن برنامج تخصيب اليورانيوم وتقليل نسبة والتصاعد فيه عن 60% وتخليها عن التطور في برنامج الصواريخ البالستية.

 

ان واشنطن غير جادة في إشعال أي صراعات جديدة مع النظام الإيراني حتى يتم التوقيع على الاتفاق النووي الجديد وهي نفس السياسية التي اتبعتها إدارة الرئيس أوباما الذي اعتقد ان التوقيع على اتفاق 2015 سيبطئ من نفوذ إيران في المنطقة، وهذا ما لم يحصل بل ساهم في زيادة قدرة إيران على النفوذ والتمدد في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والتدخل في الشؤون الداخلية لدولها وأصبحت تمتلك القدرة الكافية لتطوير صواريخها البالستية ومنها ( صاروخ فتاح) اول صاروخ بالستي إيراني اسرع من الصوت وانضمام صاروخي ( سليماني وخرمشهر) للقوات المسلحة والقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني مع تطور مشهود لمديات الطائرات المسيرة.

 

تبقى السياسة الإيرانية داعمة لتوجهات النظام في التمدد والنفوذ والهيمنة والسيطرة على العديد من مدن وعواصم الاقطار العربية تنفيذاً لتوجهات المرشد الأعلى المستمدة من أصول الدستور الإيراني الذي ينص على تصدير الثورة الإيرانية واستثمار الفرص السياسية والمستجدات الميدانية لتحقيق الغايات والأهداف التي يسعى إليها النظام في إيران.

 

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

ايرانسياسية