الحماية الامريكية لجريمة اسرائيل في غزة

فاروق يوسف

لا أحد يمكنه أن يصدق أن الولايات المتحدة لا تعرف الجهة التي أطلقت الصاروخ الذي دمر مستشفى المعمداني بغزة. غير أن مصادقة الرئيس جو بايدن على الرواية الإسرائيلية جاءت لتؤكد الموقف الأميركي المنحاز إلى إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وهو الموقف الذي لم يكن في حاجة إلى تأكيد متزامن وإن جاء متزامنا مع مقتل المئات من الفلسطينيين، كلهم مدنيون، سيكون من الصعب معرفة فيما إذا كانوا مناصرين لحماس أو لم يكونوا كذلك وبالأخص أن عددا كبيرا منهم كانوا أطفالا ونساء ورجالا مرضى وأطباء وممرضين.

 

بلسانه عبر بايدن عن دعمه لإسرائيل في عدوانها وقال إنه جاء ليعرف فيما إذا كانت في حاجة إلى المزيد من السلاح لكي تستمر في عدوانها على الشعب الفلسطيني، وهو يعرف جيدا أنه يضع بلاده في جبهة الطرف الذي يملك سلاحا في إمكانه أن يدمر منطقة الشرق الأوسط كلها في مقابل جبهة يحتل المدنيون الجزء الأكبر منها، أما المسلحون فإنهم لا يملكون سوى أسلحة رثة بالمقارنة بما وصلت إليه صناعة الأسلحة في عصرنا من تقنيات حديثة. معادلة مختلة من الأساس استطاعت حركة حماس في لحظة غفلة أن تخرج من دائرتها لكي تلحق ضررا بإسرائيل لم تتعرض عبر حروبها السابقة مع العرب.

 

ولكن الخوف على إسرائيل وقد تمكن من العقلية السياسية الغربية صار جزءا من العقيدة التي يتعامل السياسيون بموجبها مع القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي صارت اليوم أشد تعقيدا مما كانت عليه في الماضي بعد أن دخلت التنظيمات الدينية طرفا فيها، بل الطرف الذي يملك السلاح من غير أن يكون ذا صلة بالنضال الوطني الفلسطيني. ذلك لأن تلك التنظيمات أفرغت القضية من محتواها القومي وأحلت محله محتوى ديني صارت إيران تتحكم به وتوجهه وتملي عليه تعليماته التي تنسجم مع سياستها المرحلية وحاجاتها المؤقتة.

 

التنظيمات أفرغت القضية من محتواها القومي وأحلت محله محتوى ديني صارت إيران تتحكم به وتوجهه وتملي عليه تعليماته التي تنسجم مع سياستها المرحلية وحاجاتها المؤقتة.

 

كان مفزعا يوم قرر فلسطينيون أنهم الأكثر قدرة من العرب على إدارة قضيتهم. حدث ذلك قبل ظهور حماس على الساحة الفلسطينية. فحين وقع أولئك الفلسطينيون على اتفاقية أوسلو لم يستشيروا أحدا ولم يعرضوا الاتفاقية على جامعة الدول العربية كانت الظاهرة التي سُميت بالصحوة الإسلامية في طريقها إلى أن تتجلى على هيئة أحزاب وتنظيمات سيكون للفلسطينيين حصة فيها وسيكون عليهم فيما بعد أن يدفعوا كلفتها، وهي كلفة باهظة كما تبين فيما بعد. ولدت حركة حماس إذاً خارج حاضنة النضال الوطني الفلسطيني ولم تكن القضية الفلسطينية بالنسبة إليها إلا رافعة لأهدافها الحقيقية في بناء إمارة إسلامية تتبع الولي الفقيه. وهو ما يفسر هروبها بغزة بعيدا عن السلطة الفلسطينية بحيث شكلت دولتها لكن بسكان هم أشبه بالرهائن.

 

أولئك الرهائن الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يقيمون على أرض غزة يمكن التضحية بهم في أي لحظة، في ظل حصار مفروض عليهم من إسرائيل علما بأن غزة لا يمكن أن تعيش من غير أن تقدم لها إسرائيل عوامل ذلك العيش. شيء ما خطأ في كل النظريات التي تدعم وجود حكومة لحماس مستقلة عن الحكومة الفلسطينية المعاقة في رام الله. وليست إسرائيل وحدها مسؤولة عن ذلك الخطأ، بل يشاركها في ذلك العالم الغربي الذي فصل القضية الفلسطينية عن العرب فلم تعد قضيتهم المركزية. لقد رعى الغرب اتفاق أوسلو من غير أن يعمل على تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال ومن غير أن يحرص على تنفيذ حل الدولتين. فكانت الدولة الفلسطينية مجرد لافتة حملها الرئيس الراحل ياسر عرفات من غير أن تجد لها طريقا إلى الواقع.

 

ربما يجهل بايدن كل تلك الحقائق فهو مجرد موظف لا تصل له المعلومات كاملة وهو قبل وبعد ذلك ممثل لمؤسسة حزبية لا تريد الإصغاء إلى العرب ولا تجد في وصف الفلسطينيين بالوحوش ما يزعجها. فهو حين يدافع عن إسرائيل فإنما يدافع عن الفكر السياسي الأميركي وهو الفكر الذي ضرب عرض الحائط بالإجماع الدولي حين تم غزو أفغانستان والعراق بكل ما نتج عن ذلك الغزو من جرائم ضد الإنسانية لن تتمكن محكمة العدل الدولية من التصدي لها. وما فعلته إسرائيل حين قصفت مستشفى يعج بالمدنيين إنما يقع في تلك الدائرة. فعلت إسرائيل ما فعلته في ظل حماية أميركية كاملة لا يمكن لأحد أن ينقضها أو ينتقص منها.

اسرائيلامريكيةجريمةغزة