امريكا الميكافيلية: الاهداف الاستعمارية؛ تبرر الغزو والاحتلال
مزهر جبر الساعدي
مرت قبل عدة اسابيع الذكرى الثانية والعشرين، لتفجير برجي التجارة العالمية والبنتاغون. إنما الأخطر من التفجيرين ما قامت به امريكا المحافظون الجدد، من غزو واحتلال، واجراءات امريكية كثيرة اخرى. في الصدد؛ هناك اسئلة لابد من طرحها: اولا، هل تم لأمريكا الاستفادة من غزو واحتلال العراق؟ وهل تغير المشهد السياسي والاقتصادي وما إليهما؛ لصالح اقامة انظمة ديمقراطية، ديمقراطية حقة، مع احداث تطورات بنوية في الاقتصاد والتجارة والتنمية، ووضع الاسس لبناء مجتمع مدني متطور؟ وهل تم لأمريكا ترسيخ زعامتها على الجغرافية الكونية؟ وهل وفرت الضمانة الامنية المستدامة لدولة الاحتلال الاسرائيلي؟ وهل استفادت امريكا من احتلالها العراق، وتدميره، واخراجه من معادلة التوازن الاقليمي؟ وهل نجحت استراتيجية رايس في ادارة بوش الابن في الفوضى الخلاقة؟ وهل نجحت في اعادة صياغة انظمة الدول العربية التي طالتها الاستراتيجية الامريكية في الفوضى الخلاقة؟ وهل تم لها؛ تعميق شراكاتها السابقة مع دول المنطقة العربية؟ وهل زادت ثقة شركاء امريكا الاقليميين في المنطقة العربية؟ كانت هذه السياسة الامريكية؛ من اهم واخطر الاسباب التي قادت الى أن تتراجع الهيمنة الامريكية في العالم، فقد بات في حكم المؤكد؛ ان المعمورة ذاهبة، الى عالم يتحكم فيه؛ قطبان متوازيان وبقيادات متعددة؛ هما امريكا والصين. كما ان اي من الدول العربية التي كانت فريسة الفوضى الخلاقة؛ التي اريد لها وكما يقول عنها المسؤولون الامريكيون في حينها بظروفها وبيئتها السياسية وما له صلة بهذا كله، زورا وكذبا وخداعا؛ ان تنتج مخرجات تقود الى التأسيس لأنظمة ديمقراطية على النهج الامريكي، او أي نهج او مسار ديمقراطي حتى وان كان مختلفا عن الديمقراطية الامريكية. ان الحقيقة والواقع الموضوعي، وكما هو جار الآن وقبل الآن؛ الى ان تتمزق الدول، وتدخل في اتون حروب اهلية؛ ادت الى ان تدفع شعوب تلك الدول العربية ثمنا باهضا، من امنها واقتصادها وسيادتها، وضياع عدة سنوات منها؛ في التشظي والحروب العبثية، والفقر والجوع، وفقدانها لجميع الفرص في التنمية والتطور. ان الادهى والامر من كل هذا الذي جرى؛ لم يقد في جميع هذه الحالات الى تغيير تلك الانظمة، بأنظمة ديمقراطية حقيقية وليس اغطية ديمقراطية، والمحتوى؛ أنظمة دكتاتورية اخرى بديلا عن التي تم اسقاطها؛ بطريقة مختلفة كليا عن نمطية الدكتاتورية المتعارف عليها في العقود السابقة. في اخرى ظل ذات النظام المتسلط على رقاب الشعب، وفي غيرهما من الدول العربية؛ تم اعادة انتاج ذات النظام بجميع ما فيه من حمولات سياسية؛ بوجوه وقوى واحزاب جديدة، وكأن الشعوب لم تثر على طغاتها. يجري في الوقت الحاضر، في الغرف المغلقة؛ تسوية الاوضاع في دول (الربيع العربي)؛ على هدي تلك القواعد والمعايير، في ايجاد الحلول لدول (الربيع العربي). ان تغيير هذه الانظمة عبر صناديق الاقتراع، ما هو الا ذر الرماد في عيون الشعوب، لأن قواعد هذه الانظمة البديلة، هي ذات القواعد التي كانت الانظمة المنهارة تحكم الشعوب وفق معاييرها. أن الحديث عن الديمقراطية؛ خديعة كبرى. أن هذه الديمقراطية ليس لها من الديمقراطية، الا الاسم، أما الجوهر فلا وجود له في حركتها الواقعية على الارض. ان هذه الديمقراطية؛ لعبة امريكية وغير امريكية؛ لخداع الناس بها. ان القوى السياسية هذه، سواء في ليبيا او في تونس او في غيرهما؛ التي سعت ووصلت الى السلطة بالانتخابات، والأخرى التي تسعى الى الآن للوصول الى السلطة عبر الانتخابات؛ ما هي الا انعكاس تام للنفوذ الامريكي والروسي والقوى الاقليمية،عربية واسلامية. ان الاوضاع في الدول العربية، موضوع وهدف التغيير، لم تتغير؛ التغيير فقط في الاشخاص والقوى والاحزاب، هذا اولا والتغير الثاني؛ تفتيت المجتمع وتوزيع ولاءاته بين القوى الدولية والاقليمية على حساب الولاء للوطن. ان هذا قاد الى انتاج دول ضعيفة وغير قادرة على ان تمسك زمام امرها بيد ابنائها على وجه الاستقلال الكامل؛ هذا هو الهدف النهائي، من تطبيقهما على ارض الواقع. من وجهة النظر المتواضعة؛ ان هذا الذي حدث ويستمر في الحدوث حتى النهاية؛ هو الهدف الختامي للفوضى الخلاقة. مع هذا، فأن امريكا تحاول بجهد كبير ان تظل ماسكة بخيوط هذه اللعبة والتي هي لعبتها اصلا، منذ البداية في تحريك الساحات وايقادها نار غضب الشعب فيها، من ظلم انظمتها ومصادرة عقول الناس في ظل تلك الانظمة؛ في استغلال رفض الشعوب لأنظمتها، لتحقيق اهدافها هي وليس لتحقيق طموح الشعوب في ازالة هذه الأنظمة؛ بأنظمة ديمقراطية اخرى بديلة؛ يحقق بها وبواسطتها؛ إرادته.. لكن الامر قد خرج عن سيطرتها في البعض من ساحات لعبة الفوضى الخلاقة هذه، لصالح القوى الدولية والاقليمية المنافسة لها بقوة في هذه الساحات، في ليبيا، في تونس، في اليمن، في سوريا، في العراق، وفي لبنان وان لم تصل له، الفوضى الخلاقة بطريقة مباشرة، من الباب الواسع كما في الدول سابقة الاشارة لها، لكنها وصلت له، بطريقة غير مباشرة، بالقفز من النوافذ المفتوحة دوما لكل من يريد القفز منها الى الداخل. ان جميع هذا الذي حدث وهو مستمر في الحدوث والوجود على ارض الواقع العربي؛ قد أكل كثيرا من الجرف الامريكي لصالح الجرف الروسي والصيني. دول المنطقة العربية وفي المقدمة من هذه الدول؛ المملكة العربية السعودية، وغيرها ولو بدرجة اقل كثيرا من السعودية؛ بدأت ليس الآن، بل منذ سنوات؛ لانعدام الثقة في الشريك الامريكي؛ ان لا تضع جميع حاجاتها في الزنبيل الامريكي، سواء في الاقتصاد والتجارة والمال والطاقة والسلاح وتوطين صناعته، بل وزعته على عدة زنابيل، روسية وصينية، والى مستوى ما هندية؛ في استثمار منتج وفعال لتنافس هذه القوى الدولية؛ لصالح المصالح الوطنية حصرا، وليس لغيرها كما يجري التمويه في وضع هذه المصالح مع مصالح اخرى( الشعب الفلسطيني) في الخطابات والبينات في حزمة واحدة.. هل يمكن القول ان امريكا قد ربحت من جولاتها هذه، لغرض السيادة والسيطرة على العالم، في خط شروعها عندما بدأت به قبل عقدين في احتلال العراق، وبعد اكثر من عقد، في الفوضى الخلاقة؟ من المبكر لوقته؛ تقييم الربح والخسارة الامريكية والاسرائيلية بصورة كلية الوجود والتجسيد، في جولات الحرب والصراع والتنافس. إنما بالإمكان الركون في التحليل والاستنتاج الى معطيات الواقع الموضوعي، في تحركاته المنتجة على الارض؛ ان امريكا قد خسرت هذه الجولات جزئيا، كما انها قد تربح جزئيا. هذا يعني ان السياسة الامريكية هذه؛ قد خسرت معركتها في السيادة على العالم، عاجلا او اجلا سوف تكون قطب من قطبين في النظام العالمي الاخذ في التشكل..