شذى خليل
لقد واجه العراق تحديات كبيرة تتعلق بالمياه لسنوات عديدة. وترجع هذه المشكلات في المقام الأول إلى عوامل مثل بناء السدود في دول المنبع، وانخفاض تدفق المياه في نهري دجلة والفرات، وتلوث المياه. وكان لهذه التحديات عواقب وخيمة على الزراعة وإمدادات مياه الشرب والرفاه العام للسكان. ومن العوامل التي أدت الى تفاقم الأزمة:
• أدى بناء السدود في دول المنبع، وخاصة تركيا وإيران، إلى انخفاض تدفق المياه إلى النهرين الرئيسيين في العراق، دجلة والفرات. وقد أدى ذلك إلى انخفاض توافر المياه لأغراض الري والشرب، مما أدى إلى نقص المياه في العراق، رداءة نوعية المياه، سواء من المصادر الصناعية أو الزراعية، إلى الإضرار بشكل كبير بنوعية المياه المتاحة. يمكن أن تسبب المياه الملوثة مجموعة من المشاكل الصحية وتزيد من ضغوط نظام الرعاية الصحية الذي يواجه تحديات بالفعل.
• التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار في المنطقة. ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى انخفاض توافر المياه، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل ندرة المياه الحالية.
• الصراع والنزوح: أدت سنوات الصراع في العراق إلى نزوح ملايين الأشخاص، مما زاد من الضغط على موارد المياه في المناطق التي استقر فيها السكان النازحون. وغالباً ما تفتقر هذه المناطق إلى البنية التحتية اللازمة لدعم الطلب المتزايد على خدمات المياه والصرف الصحي.
• البنية التحتية غير الملائمة: غالبًا ما تكون البنية التحتية للمياه في البلاد، بما في ذلك محطات المعالجة وشبكات التوزيع، قديمة وتحتاج إلى الإصلاح والتوسع. وهذا يعيق توصيل المياه النظيفة إلى المنازل والصناعات.
• الاستخدام غير الفعال للمياه: تساهم الممارسات الزراعية غير الفعالة، مثل الإفراط في استخدام المياه لأغراض الري، في ندرة المياه. وهناك حاجة إلى ممارسات أفضل لإدارة المياه والحفاظ عليها.
• التوترات السياسية والإقليمية: ساهمت الخلافات حول موارد المياه المشتركة مع الدول المجاورة، “تركيا وإيران” في زيادة التحديات التي يواجهها العراق في تأمين إمداداته المائية. ومن شأن هذه التوترات السياسية أن تجعل من الصعب إيجاد حلول تعاونية لمشاكل المياه.
• إن معالجة قضايا المياه في العراق تتطلب تحركا متعدد الأوجه، يتضمن الدبلوماسية اللازمة لإدارة موارد المياه المشتركة، والاستثمار في البنية الأساسية، وتحسين ممارسات إدارة المياه، وتدابير حماية البيئة. وفي سياق الأزمة هناك أزمة إنسانية وكارثة حقيقية تتمثل بانتشار أمراض لم تكن منتشرة، أي نادرة بين أبناء المجتمع العراقي، ومنها الأمراض السرطانية بسب تلوث المياه.
• يعد السرطان مصدر قلق متزايد في العراق، مع ارتفاع معدلات تشخيص السرطان والوفيات المرتبطة به. وتساهم عدة عوامل في ذلك، بما في ذلك التعرض للملوثات البيئية، مثل اليورانيوم المنضب من الصراعات الماضية، والافتقار إلى البنية التحتية الكافية للرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخين وأنماط الحياة غير الصحية من العوامل التي تساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.
• إن الجمع بين هذه المشاكل يجعل من الضروري على الحكومة العراقية والمنظمات الدولية العمل معًا لمواجهة هذه التحديات. وقد يشمل ذلك بذل جهود دبلوماسية لضمان الوصول العادل إلى موارد المياه المشتركة، وتدابير حماية البيئة، وتحسين الرعاية الصحية، وحملات التوعية العامة للحد من عوامل خطر الإصابة بالسرطان.
• أورام خبيثة وعاهات مستديمة وتشوهات خلقية لم يسلم منها العراقيون مع تلوث يتأثر به بلدهم من الديوكسينات بنسبة تزيد على 90 في المئة، التي صنفتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بأنها مادة مسرطنة وتؤثر في الجهازين العصبي والتناسلي، بل وتسبب العقم وتؤثر في الحمض النووي (DNA)والديوكسينات تنتمي إلى “المجموعة القذرة” أي مجموعة المواد الكيماوية الخطرة التي تعرف بالملوثات العضوية الثابتة، التي تثير القلق لقدرتها العالية على إحداث التسمم، وتملك الكثير من البلدان برامج لرصد الإمدادات الغذائية.
• تقول العالمة العراقية المتخصصة في التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، إن ارتفاع مواد الـ TDS المتكونة من مواد عضوية وغير عضوية فاقت الحد المسموح من سبع إلى ثمان مرات في العراق، علاوة على ارتفاع النترات والمعادن الثقيلة في المياه. وأضافت جابر، “في حوض الثرثار وجدنا ارتفاعاً في تركيز مادة الزئبق الموجودة في الأسماك التي تتسبب في إصابتها بالسرطان وعثر أيضاً على أسماك مصابة في مزارع الزعفرانية بسبب مخلفات مستشفيات العزل قرب جسر ديالى الملقاة في مياه النهر دون معالجة”، ولفتت إلى أن نهري دجلة والفرات يشهدان تلوثاً عالياً أيضاً بالمواد التي تتسبب بالفشل الكلوي والإعاقة الذهنية، حيث تتركز على حافتي النهرين قواقع فيها مواد الديوكسينات بدرجة عالية وتسببت المواد التي ألقيت في المعارك التي شهدتها المنطقة كالقنابل العنقودية والنيوترونية بتلوث سيبقى أثره في البيئة على المدى البعيد.
• مبيدات محظورة: قال متخصصون إن الديوكسينات من المواد المحظورة دولياً لزيادة نسبة الكلور فيها وسميتها العالية (صادق العراق على منع استخدامها عام 1997)، وأنها تتوفر في المبيدات التي دخلت البلاد بعد عام 2003، وتكمن خطورتها في أنها مادة غير قابلة للذوبان في الماء ويتعذر على بكتريا التربة تحليلها. وتتجسد خطورة الديوكسينات باستمرار في بقائها ضمن الدورة البيولوجية للتربة لفترات طويلة. وهنا ذكرت إقبال جابر أن المصادر الرئيسة لتلك المادة تتمثل في البلاستيك والمواد الكلورية (الكلوروفينول) والمواد الصناعية والزيوت، وتتولد نتيجة إحراق النفايات في المحارق بدرجة حرارة دون المعدل القياسي ما يؤدي إلى ترسب كميات من الديوكسينات على التربة أو النباتات التي سيتغذى عليها الحيوان ومن ثم تدخل ضمن السلسلة الغذائية.
ختاما يواجه العراق أزمة مياه حادة بسبب عوامل مثل بناء السدود عند المنبع، وتلوث المياه، وتغير المناخ، والتوترات السياسية مع الدول المجاورة. وتؤثر هذه الأزمة على الزراعة والصحة العامة والرفاهية العامة. ويتطلب التصدي لهذه التحديات التعاون الدولي، والاستثمار في البنية الأساسية، وممارسات الإدارة المستدامة للمياه.