إبراهيم البهرزي*
المجد للراحلين بمنتهى الصمت ..
قوتان فقط تجعلان الانسان يمارس الزيف وتزوير الوقائع بصلافة:الولاء الحزبي والهاجس الطائفي.
تشعر بريبة مشروعة ازاء كل فعل وقول يصدر عن من تدرك انه يقع تحت تاثير هاتين القوتين، فالزيف اصيل ٌ فيه لانه نتاج موجّهات لا تنطلق من الحقيقة قدر انطلاقها من الولاء الأعمى.
واقعا لا قيمة اكثر من الضجيج لما يصدر عن تاثيرات هاتين القوتين وان كان زخم مايصدر عنها جماهيريا مليونيا، فثمة شعوب بملايينها الغالبة وطلائعها الثقافية وقعت بمجملها في فترات من التاريخ الماكر للبشرية تحت سحر الزيف والتزوير والاحتفاء بالأكاذيب، بل وأسطرة التفاهات والخسة البشرية في إطار من القداسة والتبجيل دون أية وخزة ضمير تدفع للبحث عن حقيقة الأشياء خارج حُمّى الحماسة والخفة التي تفرضها المشاعر القطيعية…
يبدا مسار انحطاط الشعوب طرديا مع تراكم هذه المشاعر الزائفة ويبلغ يقين سقوطها مع انغمار طليعتها الثقافية في ترويج الزيف والاحتفاء به وتلفيق مقدمات نظرية ساذجة وخلق إطار معرفي شعبوي للقبول بالتزوير والزيف كأمر واقع ومن ثم ترسيخه كشعيرة من التقاليد الثقافية المتواضع عليها…
يبدو ان مصدر الشر المحض المؤطر بالسرديات الزائفة سيكون بعد زوال عصور الطغاة هو أفراد الأحزاب المنتظمين وفقا لآليات المنفعة والهواجس الطائفية المضمرة ،هم الميني طغاة الجددالذين أصبحت مهمتهم التشويش على الحقائق وإقامة احتفالات الزور لغرض تطويب السفلة وخلق تقاليد تقوم على مصادرة الحقائق والسير الحقيقية للأفراد ..
لا يتعدى الامر صناعة الطغاةُ فقط ، فالسائد ان صناعة طاغية واحد يحتاج لبعض السياط الملازمة للبروباغندا ، وهذه الصناعة ليست بالخطورة المخيفة ، فبقاؤها رهين ببقاء الطاغية ، ولا خلود لطاغ ٍ ….
إنما الخطورة المخيفة هي في أسطرة النموذج التافه في مجتمعات فقدت معاييرها تحت وطأة تهاوي القيم الإنسانية جميعا، معا او على التوالي كما هي تجربة العقدين الأخيرين في المجتمع العراقي.
نفذت قوة الولاء الحزبي والهاجس الطائفي خلال العقد الأخير على الأقل اوسع عملية تزوير وتزييف شهدها المجتمع العراقي عبر كل تواريخه واستطاعت توجيه الرأي العام (الا فلول نبيلة صامتة ) الى تزكية نماذج الفشل والشر والفساد والرذيلة والنفاق والرياء وتسويقها كرموز للنبل والوطنية والخير في مجتمع لايستطيع النبيل الحق او الوطني الحق او الصادق الحق ان يجد له منبر قول على تراب وطنه وفِي زمن صار ارتداء أقنعة الوطنية والعلمانية والمدنية اسهل ما يكون لعتاة الطائفية وارباب نظام التدمير الوطني المهيمن منذ عقدين، واختلطت الامور حتى انك لتجد ربيب النظام الطائفي المنتفع منه بشكل ما ،يمينيا كان او يساريا،طائفيا او علمانيا ،يدعي معارضة العملية السياسية الإجرامية وهو احد المنتفعين من ديمومتها
نعم ،فلم يعد من معيار لكشف المعدن الحقيقي غير التمعن جيدا في حجم المنافع التي نالها هؤلاء خارج إطار السياق القانوني للوظيفة او المهنة العامة ،كل ما عدا ذلك سيعدو مجرد تبريرات انشائية لا يقبلها سوى الاغبياء
المنافع غير المشروعة هي التي صارت تحدد زخم الولاء الحزبي والهاجس الطائفي وبالتالي هي التي تحدد طبيعة القوى العاملة في مهرجانات الزيف والتزوير التي شاعت كطقوس مقدسة
المزورون ومزيفو الوعي الشعبي لن يشعروا بالخزي ابدا في هذا الزمان ،فهو زمان الخزي بامتياز ،ذلك الخزي الذي لم يوفر على الكثيرين حتى هيبة المثال التي اكتسبوها يوما
في غضون اقل من شهر بلغني رحيل اكثر من طبيب كبير ومهندس متمرس وأستاذ جامعي اصيل ،بعضهم رحل غريبا وبمشيعين على عدد أصابع اليد
واعتقد ان مجدهم يتمثل بهذا الصمت الذي رافق رحيلهم ،منزهين عن الولاء الحزبي والهاجس الطائفي المضمر ،فهذا مجد النبلاء في الازمنة المخزية.
*شاعر وكاتب عراقي والمقال من صفحته على الفيسبوك.