التطبيع .. ومؤامرة تهديم اركان العراق!!

حامد شهاب

 

كل ماجرى للعراق من عمليات تحطيم لإرادة شعبه وتدمير لقدرات هذا البلد منذ السبعينات وحتى الآن هو لإرغام العرب على ” التطبيع” مع إسرائيل والإعتراف بها كدولة وإقامة علاقات طبيعية معها.

 

كان العراق هو البلد الوحيد الذي يعد ( خط الصد الأول ) للدفاع عن كل العرب، وعن كل من يحاول إستهدافهم بأية طريقة.

 

بل كان العراق يعد عنصر ” التوازن ” في معادلات المنطقة ، وهو الوحيد القادر على فرض إملاءاته على الدول الكبرى للرضوخ للحق العربي.

 

ومنذ زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل في 10 تشرين الثاني 1977 ، وما سبقتها من دعوات مماثلة للاعتراف بها في عهد الرئيس التونسي بورقيبة بعد حرب 1967 ، وعمليات ” التطبيع” العربية مع هذا الكيان الغاصب لحقوق الشعب الفلسطيني لم تنقطع في يوم من الأيام.

 

أجل كانت زيارة السادات للقدس واعلان اعترافه بهذا الكيان الغاصب أول إختراق عربي سهل على إسرائيل تحييد أكبر دولة عربية هي مصر وتوالت دول عربية أخرى للإعتراف بهذا الكيان الغاصب بعضها علني والآخر من تحت العباءة.

 

وكان مؤتمر القمة العربي الذي إنعقد ببغداد عام 1978 أول رد عربي كان من الممكن أن يكون الجدار الرافض لأي تطبيع أو ركوع للصهاينة لكن الرياح جرت بعدها بما لايشتهي السفن.

 

ووجدت إسرائيل وبدعم أمريكي أن العراق هو الحاجز والدرع العربي الكبير الذي بقي وحيدا يعارض بقوة هذا التوجه ويحذر من الإنخراط في تلك اللعبة الخطيرة على مستقبل الأمة وشعوبها ودولها..فاصرت على تدميره وإستباحة شعبه بأية طريقة وتحت أية ذريعة.. وتحقق لها ما ارادت.

 

كان العراق يؤكد أن أية تسوية للقضية الفلسطينية لا تأخذ في الإعتبار حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه ووطنه ، وبما يتوافق مع مطالب منظمة التحرير الفلسطينية بإعتبارها الممثل الشرعي للحق الفسطيني تعد خيانة للقضة العربية ينبغي الوقوف بصلابة ضدها بكل الطرق المتاحة للردع والمقاومة.

 

وما إن إنهار العراق عام 2003 ، وإنهالت عليه 34 دولة قادتها الولايات المتحدة وإسرائيل لتدمير أرضه وشعبه وهدم أركان قوة الردع التي كانت تشكل العقبة الكبرى بوجه التطبيع حتى تحقق لإسرائيل وأمريكا ما أرادت وأجهضت حلم الجماهير العربية في أن تجد العراق وهو يحقق لها حلمها في إستعادة الحق الفلسطيني .

 

كان الخطأ الوحيد الذي إرتكبه العراق بداية التسعينات وبخاصة بعد خروجه منتصرا من حربه مع إيران ، هو إحتلال الكويت ، ولم يجد العراق في حينها ” مخرجا” للتجاوب مع رغبة العرب في مغادرة قواته أرض الكويت ، لكي لايكون مبررا للغرب لإستياحته بهذه الطريقة التي خرج منها العراق وهو مدمر كليا وخسر آلاف الضحايا من حرب ليس لها فيها للعراقيين ناقة ولا جمل .. لكن العراق كما يبدو أيقن في وقتها انه أن خرج من الكويت أو بقي فيها فهو مدمر على كل حال.

 

وللتاريخ فإن إيران في البداية كانت رافضة للإحتلال الأمريكي ليس حبا بالعراق ولكنها كانت ترى فيها أنها ستكون ” الهدف اللاحق ” للأمريكان في إحتلال بلادها ..لكن الأمريكيين أرسلوا رسائل تطمين كثيرة لطهران ، ودعوها لإشراك معارضتها معهم وهم من يسهلون عليها الهيمنة على مقدرات العراق.

 

بل الأمر والأدهى من ذلك أن إيران بعد إحتلال العراق 2003 أستفردت بكل الدول العربية وراحت تهدد كياناتها وأنظمتها الواحدة بعد الآخرى ، تحت شعار إقامة ” ولاية الفقيه” وكان العراق قد إستبيح كاملا من إيران، بعد أن أعطاها الأمريكان حق إستباحة العراق واحتلاله عن بكرة أبيه ، ومن ثم سهلوا لها الهيمنة على مقدراته.

 

لقد شعرت دول الخليج أن أحلامها بتدمير العراق كان خطأ ستراتيجيا لايغتفر ، لأن العراق كان هو من يحمي كياناتها ويقف بما يمتلكه من قدرات ردع كبيرة بوجه إيران وكل من تسول له نفسه المساس بأية دولة عربية.

 

وما أن إنهار العراق ترضية لاطماع “زعامة” المنطقة، حتى تدحرجت دول الخليج نحو “التطبيع” مع إسرائيل الواحدة بعد الأخرى.. ولم يعد بمقدورها ان تحصل على “زعامة” كما كانت تتوهم ولو في أبسط أشكالها.

 

وراحت دول الخليج تلهث وراء سراب الأحلام الطوباوية بأنهم أن تحالفوا مع إسرائيل وأقاموا علاقات معها فقد ينقذهم من الهول والرعب الإيراني الذي بات يهدد أنظمتهم ويتوعدهم بالويل والثبور الواحد بعد الآخر.

 

وما أن انطلقت الدعوات الخليجية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في أعوام 2022 و 2023 ، ثم أعقبتها الخطوة السعودية بقبول ” التطبيع” مع إسرائيل هذه الأيام ، حتى تهاوت آخر احلام العرب ، وأيقنوا ان إنهيار العراق قد أدى الى خضوع تلك الدول لرغبة إسرائيل بالاتفاق مع إيران لارغام دول الخليج على الوقوع في الحضن الإسرائيلي..شاءوا أم أبوا.

 

لقد أيقنت دول الخليج ومنها السعودية أن حلمها بتحطيم العراق وشل قدراته على المواجهة قد أصبح الان ميسورا أمامها، فقد تنفست الصعداء ، وصار الأمر أمامها متاحا لـ ” التطبيع ” وإقامة العلاقات مع إسرائيل ، حتى تحقق حلم الدولة اليهودية بأن تكون أرضها من الفرات الى النيل “قاب قوسين أو أدنى من التحقيق”.

 

بل لم تكتف إسرائيل بأن يكون ” شعب الله المختار ” قد بلغ خارطته الجيبولتيكية وفق شعارها : ” من الفرات الى النيل ” بل تعدها الى عمق الأمة العربية والإسلامية والى أقدس مقدساتها في مكة المكرمة والمدينة المنورة لتكون في وقت قريب تحت الهيمنة الإسرائيلية وهي من تتحكم بمن يزورها وقد لاتسمح بقادم الأيام والسنين لأي عربي بزيارتها وستعود القدس هي القبلة التي تريد إسرائيل ليكون المسلمون واليهود يؤمونها على حد سواء.. تحت شعار ” الديانة الإبراهيمية”.

 

“مؤامرة التطبيع” أن صحت تسميتها فهي كمن يريد من الآخر أن ينزع ملابسه الداخلية ليسلم جسده لمن يريد إستباحته ، بلا حياء أو خجل.

 

“المثلية الجديدة” التي روجها آل صهيون بالتناغم مع الغرب المسيحي وأوجدت علما لها ودولا تشجع عليها ، هي واجهة لهذا “التطبيع” ..وكلا أوجه ” التطبيع ” العربية تقبل الرضوخ للحالتين في آن معا.

 

وإذا ما أن قبل العرب بـ ( السلام الإسرائيلي) الموهوم و توافقوا مع مفهوم ” الجندرية ” و ” الإبراهيمية” ، حتى بضمنهم ” العراق الجديد” وإرتضوا بهذا المصير الملعون ، فأكتب على العرب السلام.

التطبيعالعراق