حرب الناقلات: هل تتصاعد بين واشنطن و طهران

لا تكاد مياه الخليج العربي تهدأ قليلاً من الصراعات الإيرانية الأمريكية، حتى تكبر مجدداً، وسط مخاوف من أن يشهد الخليج مواجهات بين واشنطن وطهران. وتشير المناوشات بين إيران من جهة وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى في السنتين الأخيرتين في مياه الخليج، إلى المخاوف الدولية من عودة المناوشات الموسومة بـ “حرب ناقلات النفط”، والتي وقعت في ثمانينات القرن الماضي، حيث تأتي المخاوف مع اعتزام واشنطن تكثيف وجودها العسكري لمواجهة المخاطر الإيرانية في المياه الخليجية.

 

ويضاف قيام طهران بالاستيلاء على سفينتين في مياه الخليج، مؤخراً، إلى سلسلة هجمات مماثلة على سفن نقل في الخليج، والتي تأتي تزامناً مع وصول المفاوضات النووية إلى طريقٍ مسدود، ما يطرح تساؤلات، حول ما إذا كانت حرب الناقلات ستعود مجدداً في الخليج؟

 

وفي ظل التطورات العالمية المضطربة،فقد أطلقت أوكرانيا مُسيَّرة جوية محملةً 450 كيلوغراماً من المتفجرات على الناقلة الروسية «سيغ» في نهاية الأسبوع الأول من شهر أغسطس (آب) الجاري، في المياه الأوكرانية الإقليمية بالبحر الأسود. وتصادف هذا الهجوم مع وصول أكثر من 3 آلاف بحار أميركي في طريقهم إلى منطقة الخليج، وذلك في إطار خطة لتعزيز القوات الأميركية في الشرق الأوسط، لردع التهديدات الإيرانية للسفن التجارية المارة بمضيق هرمز.

 

كانت المرة الأولى التي استخدمت فيها البحرية الأميركية حراساً مسلحين على البواخر التجارية الأميركية العابرة للمحيطات، خلال الحرب العالمية الثانية. كما رافقت سفن بحرية أميركية ناقلات النفط الكويتية خلال «حرب الخليج» خلال عقد الثمانينات. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تضع حراساً مسلحين على البواخر التجارية عندئذ، فإنها استبدلت بعلم بعض الناقلات العلم الأميركي، مما وفر لها حماية سفن الأسطول الأميركي المرافق لها في هذه الحال. لكن رغم ذلك، استمر تهديد الناقلات.

 

يأتي نقل الجنود الأخير بعد أن قالت واشنطن إن قواتها منعت محاولتين إيرانيتين لاحتجاز ناقلات تجارية في المياه الدولية قبالة سلطنة عمان في الخامس من يوليو 2023، وكانت إيران قر احتجزت في أبريل وأوائل مايو الماضيين، ناقلتي نفط في المياه الإقليمية. وتقول طهران عادة إن السفن المحتجزة ارتكبت مخالفات تتعلق بالشحن، ولم يجر الإفراج عن بعض هذه السفن إلا بعد أن أفرجت دول أخرى عن سفن إيرانية محتجزة.

 

وتجب الإشارة إلى أنه وقعت حوادث مماثلة منذ عام 2018، عندما سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وأعاد فرض عقوبات شديدة على الجمهورية الإسلامية تقول واشنطن إن طهران نجحت في الالتفاف عليها. وجاءت تلك الحوادث بعد أن اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة إيران في نوفمبر 2022 بما وصفته بهجوم بطائرة مسيرة على ناقلة نفط تملكها شركة إسرائيلية تحمل زيت غاز قبالة سواحل عمان.

هذا، ويأتي التهديد الحالي في الوقت نفسه الذي تشير فيه الأنباء إلى مرحلة جديدة من المفاوضات الأميركية- الإيرانية التي قد يتم فيها تبادل أسرى بين البلدين، والإفراج عن حسابات مصرفية إيرانية في الخارج.

 

وتترافق هذه الأحداث والتصريحات مع النسف الغامض قبل أشهر لشبكة «نورد ستريم» في بحر البلطيق لتصدير الغاز الروسي مباشرة عبر البحر، دون المرور في دول ترانزيت أوروبية إلى الشمال الأوروبي (ألمانيا وهولندا والنمسا). هذا المشروع الذي عارضته الولايات المتحدة منذ بدء التخطيط له، خوفاً من توسع الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.

 

كما بدأ الكلام في وسائل الإعلام الغربية مؤخراً، عن إمكانية رفض حكومة النيجر الانقلابية مد خط أنبوب الغاز النيجيري عبر أراضيها إلى الأسواق الأوروبية. ومن نافلة القول إن التأخير أو التوقف عن مد الأنبوب النيجيري سيؤدي بدوره إلى خلق أزمة إمداد غازية في أوروبا، بعد نسف خط «نورد ستريم». وتحاول الشركات الأميركية الضالعة في تشييد الخط النيجيري التغلب على هذه العقبة، بالتعاون مع الإدارة الأميركية، خلال المفاوضات الجارية لحل مشكلة انقلاب النيجر العسكري.

 

تكمن الخطورة الجيوسياسية لمجمل هذه الأحداث والتهديدات في عدم استقرار ميزان القوى الدولي، والتهديدات العسكرية الفعلية في أكثر من قارة. فمخاطر التوسع الإيراني إقليمياً قائمة على قدم وساق، رغم المحاولات لردعها. وتصاعد الاقتتال في الحرب الأوكرانية قد فتح باب النزاعات على مصراعيه بين روسيا والغرب، ليشمل مختلف أنواع الأسلحة؛ بل وحتى الكلام في بعض الأحيان من كبار المسؤولين عن قصف موسكو أو استعمال السلاح النووي. والكلام مستمر لقصف الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي، والذي يشكل خط إمدادات مهم للقوات الروسية في الحرب. هذا، مع العلم بأن الجسر قد تم قصفه فعلاً سابقاً.

 

وتهدف الإجراءات الأمريكية للتعامل مع خطط نشر حراسة أمنية مكونة من عناصر من البحرية على متن ناقلات تجارية تمر من مضيق هرمز وبالقرب منه لتشكل طبقة دفاعية إضافية لهذه السفن المعرضة للخطر، وتؤمن هذه التعزيزات أصولًا جوية وبحرية إضافية، بالإضافة إلى المزيد من مشاة البحرية والبحارة الأمريكيين، وهو ما يوفر قدرًا أكبر من المرونة والقدرة البحرية للأسطول الخامس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تشمل عمليات الأسطول الأميركي الخامس نحو 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية، كما تشمل الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي و3 نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.

 

وسبق وصول التعزيزات الأميركية إجراء الحرس الثوري الإيراني مناورات بحرية في مياه الخليج، هدفت إلى إظهار الاقتدار والاستعدادات الدفاعية والقتالية في حماية أمن الخليج والجزر الإيرانية، ومن ثم سيظل الأمن محورًا رئيسيًا في العلاقات الأميركية الخليجية حتى وإن تراجع التهديد الذي تشكله الهجمات الإيرانية ضد عمليات الشحن على المدى القصير.

 

يقول موقع “وور أون ذا روكس” (War on the Rocks) الأميركي المتخصص في تحليل السياسات الخارجية إن المراقبين الأميركيين يتغاضون عن إمكانية استخدام إيران إستراتيجية بحرية تاريخية تسمى الأسطول الموجود لتحدي القوات البحرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، واستنزاف مواردها، وإعاقة سيطرتها التاريخية على ممرات الملاحة المهمة في المنطقة.

 

ويوضح المقال -الذي كتبه شون بونتينغ، ضابط استخبارات البحرية الأميركية للشؤون الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في القيادة المركزية للقوات البحرية، والحاصل على ماجستير العلوم في الذكاء الإستراتيجي والماجستير في دراسات الأمن في الشرق الأوسط- أن إستراتيجية الأسطول الموجود تعود إلى القرن 17، وهي تسمح للقوات البحرية الأضعف بتحدي القوات الأقوى منها في المحيطات والبحار المفتوحة على نطاق العالم.

 

ويضيف بونتينغ أن إيران اليوم لن تحاول الاحتكاك بالبحرية الأميركية في المحيطات المفتوحة أو أعالي البحار، بل ستعتمد على وكلائها في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر، الذين يمكنهم استخدام مجموعة من الأسلحة -بما في ذلك المسيرات المسلحة، والسفن السطحية المسيرة (السفن الحربية الفرعية المصممة للحرب على سطح الماء)، وصواريخ كروز المضادة للسفن، والصواريخ الباليستية، والألغام البحرية، والمراكب الهجومية السريعة؛ من أجل مضايقة البحرية الأميركية والهروب منها والعمل على إضعافها.

 

وقال إن هذه الإستراتيجية يمكنها إعاقة سيطرة البحرية الأميركية على الممرات المائية الإستراتيجية بالمنطقة، وتزيد إجهاد مواردها المنهكة بالفعل. وأضاف أنه ونظرا للمخاطر التي تشكلها هذه الإستراتيجية الإيرانية المحتملة، يجب على مخططي البحرية الأميركية وسلاح مشاة البحرية دمجها في المناورات الحربية ذات الصلة، وكذلك التخطيط للطوارئ وتشغيل أوامر القتال، بالإضافة إلى الاستعداد لمواجهة هذا التهديد في البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط ​، كما يجب على المخططين البحريين أيضا أن يكونوا في حالة تأهب لتأثيرها المحتمل على العمليات في غرب المحيط الهادي.

 

وسرد الكاتب استخدم هذه الإستراتيجية تاريخيا، واستخدام مصطلح “الأسطول الموجود” أول مرة عام 1690 من قبل الأدميرال البريطاني اللورد تورينغتون للدفاع عن إستراتيجيته في تجنب معركة كبيرة مع الأسطول الفرنسي لمنتقديه في البرلمان. وأورد بوتينغ العديد من الأمثلة على الاستخدام الناجح لهذه الإستراتيجية من قبل القوات البحرية الفرنسية والألمانية، وكذلك استخدامها من قبل البحرية الأميركية خلال الأيام الأولى للحرب العالمية الثانية.

 

وقال الكاتب إنه على مدى السنوات الخمس الماضية، كانت إيران ووكلاؤها مشغولين في عرض البحر، وانتشار الأسلحة الإيرانية إلى وكلائها في لبنان واليمن منحها القدرة على تطبيق إستراتيجية الأسطول الموجود (بالوكالة) على شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر.

 

وأوضح أن إيران أثبتت خلال السنوات الخمس الماضية باستمرار قدرتها على شن هجمات معقدة متعددة المحاور ومتعددة المجالات ضد البنية التحتية الحيوية والممرات المائية الإستراتيجية في الشرق الأوسط، مضيفا أن هذه القدرة توفر لإيران الوسائل لتعطيل التجارة، ومضايقة خصومها والتهرب منهم وإرهاقهم؛ وهذا هو جوهر هذه الإستراتيجية. علاوة على ذلك، فإن هذه الإستراتيجية ستكون متسقة مع عقيدة الحرب غير المتكافئة الحالية لإيران وتكملها، والتي تؤكد تجنب المزايا العسكرية التقليدية لخصومها مع استغلال نقاط ضعفهم.

 

وتوقع الكاتب أن تكون هناك تداعيات كبيرة على البحرية الأميركية وسلاح مشاة البحرية الأميركية إذا قررت إيران تنفيذ “إستراتيجية الأسطول الموجود” بالوكالة في حالة نشوب صراع مع الولايات المتحدة، إذ يمكن لإيران “تنشيط” أساطيلها بالوكالة في شرق البحر المتوسط ​​والبحر الأحمر من دون تنفيذ هجوم كبير ضد السفن الحربية الأميركية، لكنها ستعيث فسادا في الشحن التجاري أو سفن المساعدة التابعة للبحرية الأميركية، والأهم من ذلك أن كلا من قناة السويس ومضيق باب المندب يمكن أن يتعرضا للخطر من إيران ووكلائها.

 

وأضاف أنه إذا نفذت إيران هذه الإستراتيجية بالوكالة، فهذا يعني أن البحرية الأميركية ستضطر إلى إنفاق مواردها المحدودة لحماية الشحن في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وفي المحيط الهندي. وقد يؤدي اندلاع “حرب الناقلات الثانية” إلى تقويض الجهود الأمنية الأميركية في مناطق أكثر حيوية مثل غرب المحيط الهادي، واستنزاف موارد البحرية الأميركية المتفوقة.

 

اتخذت وزارة الدفاع سلسلة من الإجراءات لتعزيز تمركز القوات الأمريكية الدفاعي في الخليج وذلك بعدما أدانت بشدة الأعمال التي تهدد وتتدخل في الملاحة التجارية وإن واشنطن لن تسمح لقوى أجنبية بأن تعرّض للخطر الملاحة في الممرات البحرية بالشرق الأوسط.

 

وبدأت القوات الأمريكية في التواجد على البحر الأحمر ومعظم المياه الدولية في المنطقة، خاصة البحر الأحمر، حيث يوجد مضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية. وقال الأسطول الخامس إن قواته ستتواجد في المنطقة لمواجهة التهديدات الإيرانية، يشمل عمل المنطقة الأسطول الخامس خليج عدن ومياه البحر الأحمر. كما أن الوجود الأمريكي الحالي يتجاوز الأوضاع في 2016، إذ أنه مرتبط بشكل كبير بأمرين:

 

الأول، عدم الوصول لاتفاق يخص العودة للاتفاق النووي الإيراني، والذي يخشى خلاله من توتر أكبر للأوضاع في المنطقة خاصة مع قيام إيران بأكثر من 20 عملية استهداف واستفزاز للسفن في المنطقة خلال العامين الأخيرين. خاصة أنه عادة ما تهدد إيران باستهداف الملاحة الدولية لفرض تصوراتها، تعرضت السفن للاستفزاز أو للهجمات في البحر الأحمر عندما تتوتر العلاقات الأمريكية-الإيرانية، في سبتمبر 2022 نفذ الحوثيون عرضًا عسكريًا في محافظة الحديدة في ذروة الاحتقان الأمريكي-الإيراني بشأن الملف النووي. وقبل هذا الانتشار، قال قائد القوة البحرية في الجيش الإيراني الأدميرال شهرام إيراني إن القوة البحرية لبلاده قادرة على الانتشار في كل البحار والمحيطات، وتوفير أمن المنطقة وبلدانها.

 

الثاني، مرتبط بمحاولة الولايات المتحدة تأكيد وجودها العودة إلى المنطقة، ودعم الحلفاء التقليديين، المملكة العربية السعودية على وجه التحديد والدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، إذ يبدو أن المنطقة أصبحت أكثر قربًا -مقارنة بالأعوام السابقة- من روسيا والصين. وتريد الولايات المتحدة تأكيد التزامها بأمن المنطقة على الرغم من رفضها مطالبات وضغوط إماراتية بتوقيع اتفاقية جديدة تلزمها بالدفاع المشترك.

 

على الجانب الآخر، فإن إيران لن تحاول الاحتكاك بالبحرية الأميركية في المحيطات المفتوحة أو أعالي البحار، بل ستعتمد على وكلائها في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر، الذين يمكنهم استخدام مجموعة من الأسلحة -بما في ذلك المسيرات المسلحة، والسفن السطحية المسيرة (السفن الحربية الفرعية المصممة للحرب على سطح الماء)، وصواريخ كروز المضادة للسفن، والصواريخ الباليستية، والألغام البحرية، والمراكب الهجومية السريعة؛ من أجل مضايقة البحرية الأميركية والهروب منها والعمل على إضعافها. وإن هذه الإستراتيجية يمكنها إعاقة سيطرة البحرية الأميركية على الممرات المائية الإستراتيجية بالمنطقة، وتزيد إجهاد مواردها المنهكة بالفعل.

 

كما أنه في حال نفذت إيران هذه الإستراتيجية بالوكالة، فهذا يعني أن البحرية الأميركية ستضطر إلى إنفاق مواردها المحدودة لحماية الشحن في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وفي المحيط الهندي. وقد يؤدي اندلاع “حرب الناقلات الثانية” إلى تقويض الجهود الأمنية الأميركية في مناطق أكثر حيوية مثل غرب المحيط الهادي، واستنزاف موارد البحرية الأميركية المتفوقة.

 

في الختام: إن الولايات المتحدة ليست لديها إستراتيجية واضحة في الشرق الأوسط سوى حماية إسرائيل، وهي تتراجع وتنكفئ في المنطقة، وهو ما أكدته دراسة الوثيقة السنوية للإستراتيجية الدفاعية الأميركية الصادرة في أكتوبر 2022. وهو ما يفسر التصوّر بأن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي لردع الهجمات الإيرانية ضد قطاع الشحن الدولي سيستمر، وأنها في حاجة إلى اعتماد نهج جديد وواضح، وأن الهدف الرئيسي من وراء هذا التصعيد يتمثل في رغبتها لمراقبة سير الملاحة البحرية في مضيق هرمز وفي المياه الخليجية وفي شمال المحيط الهندي، والمسألة الأخرى أنها تريد إدارة أي احتكاك قد يحدث في المنطقة. بالإضافة إلى سعيها لاستهداف المبادرة التي قال إن طهران طرحتها للحوار والتعاون والتحالف البحري بينها وبين الدول الخليجية.

 

وحدة الدراسات الخليجية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

الناقلاتطهرانواشنطن