حقوق العراق المسلوبة في المياه

ولاء سعيد السامرائي

 

منذ غزو العراق في 2003 الى يومنا هذا، بقيت مشاكلالماء والكهرباء أهم مشكلتين ترحلان من حكومة الى أخرى دون حلول تستجيب الى حاجات الناس ومتطلباتهم الملحة في الخدمات الأساسية. وإذ يطغي ملف الكهرباء على كل ما يجري في البلد بسبب الأموال الطائلة التي تجنى بسببه سواء من شراء غاز إيرانحصريا وعقودها الخيالية الأسعار التي توقع دون أي تفاوض على الأسعار من الجانب العراقي او من الصفقات وعمولاتها والسمسرة الجارية التي نتجت عن مشكلة انقطاع الكهرباء والتي تديرها شبكات الأحزاب الإسلامية والبرلمانيين والميليشيات وحاشياتها، فأن ملف الماء مهمل ومتجاهل تماما مع سبق الإصرار والترصد من قبل حكومات الاحتلال، ومآسيه هي الأفظع على العراقيين وعلى ارضهم وزراعتهم وصناعتهم او بالأحرى على وجودهم.

 

يسمى العراق بلاد ما بين النهرين وعلى هذين النهريين قامت الحضارات قديما وتطورت وازدهرت، وبدجلة والفرات يعرف العراق قديمه وحديثه منذ سبعة الاف عام. لكن وجود هذين النهريين العظيمين أصبح اليوم امرا غير أكيدا لأن كلاهما يسيران في طريق الاندثار بفضل حكومات الاحتلال المتعاقبة.

 

فقد أصبح العراقيون يعبرون نهر دجلة في بغداد مشيا على الاقدام ليس فقط لقلة منسوب المياه بل لجفافه تماما في كثير من المناطق التي ينساب فيها، جفت مناطق زراعية وانهار تروي قرى عديدة على ضفاف النهريين وكذلك الامر بالنسبة لنهر الفرات الذي تشح فيه المياه أكثر وأكثر منذ سنوات بعد بناء تركيا للسدود وحجزها لحصة العراق في المياه في النهريين.

 

اما إيران فقد غيرت مسار أحد عشر نهرا تنبع من أراضيها وتدخل الى العراق وهي انهار منها ما يدخل الى شمال العراق وأخرى الى وسطه وجنوبه،كلها قطعت منذ بضعة سنوات عن جريانها في العراق وهو ما لم يحصل حتى في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمان سنوات ولم يحصل بعدها وفي أسوأ أوضاع العراق عندما كان تحت الحصار.

 

وذلك ما أدى الى موجات جفاف شديدة والى زيادة الملوحة خاصة في الاهوار التي وقبل جفافها اختفت فيها الثروة السمكية واختفت معها واحدة من اهم مناطق العراق التي كانت مسطحا مائيا تعيش فيه أنواع من الحياة الحيوانية والنباتية. لقد كانت الاهوار موضوعا كبيرا للمعارضة في التسعينات تتهجم وتنتقد النظام الذي جفف حينها جزءا منها بسبب التوغل الإيراني اليها فيما لا نسمع أي صوت اليوم لما يجري في هذه المنطقة وهو ليس فقط أسوأ وأخطر بل كارثي على العراق وعلى اهله لان الاهوار تحولت اليوم فعليا الى صحراء جرداء ماتت فيها الحيوانات وهجرتها الطيور العديدة التي كانت فيها او تمر عليها والاهم هجرها سكانها الذين تركوها. وبحسب منظمة الهجرة الدولية فأن أكثر من 62 ألف شخص قد نزحوا داخل العراق بسبب ظروف الجفاف المستمرة منذ سنوات وهو عدد يتزايد يوميا بحسب السيد جعفر الموسوي عضوا اتحاد الجمعيات الفلاحية الذي تحدث عن هجرة المزارعين الى المدن بسبب شحة المياه المتزايدة واهمال الحكومة للزراعة التي أدت الى هبوط مساهمتهافي الناتج المحلي الى اقل من 1% بعد ان كانت قبل الغزو تصل الى 16,5% وهو ما تسبب بخسائر فادحة لمليارات الدنانير.

 

ان 75% من نهر دجلة يجري في العراق ويجري 24%منه في تركيا والباقي في سوريه كما يجري 35, 3% من نهر الفرات في العراق ولتركيا حصة أكبر منه في الفرات. ان هذا التشارك في الأنهر يعطي لكل طرف حقوقا يكفلها القانون الدولي، ولم تكن العلاقات العراقية سواء مع تركيا او مع إيران بخصوص المياه علاقات بسيطة بل كانت هناك وباستمرار تفاوضات وتفاهمات أدت الى نوع من الاستقرار في حل الخلافات والمشاكل وتفاديها بسرعة.

 

لكن الملاحظ اليوم هو ان حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ الغزو الى اليوم لا تطالب بحقوق العراق المائية بل تتنازل عنها وهي صاغرة فلم نسمع أي رد فعل حكومي سواء من الرئاسة او من رئيس الوزراء او وزير الموارد المالية على قطع إيران للأنهار الاحدى عشر التي تصب في العراق من منابعها؟ ولم نرى أي رد فعل على عدم حصول العراق على حصته المائية من تركيا فلا حكومة تحركت ولا وزيرا أرسل مذكرة ولم نسمع احتجاجا حتى لو كان بسيطا يخرج من أي مسؤول حكومي عراقي يدين فيه احتجاز حصة البلد المائية الذي يؤذي العراق والعراقيين ويسبب كوارث حقيقية للبلد لكن لا حياة لمن تنادي! وهذا التعبير الأخير ليس تجنيا ولا اجحافا بحق أي مسؤول حكومي لكنه الواقع الذي يعيشه الشعب العراقي منذ 2003 الى اليوم. بل ان فرصة معايشة لتصرف وزير سابق للموارد المائية ومعه مجموعة من الموظفين في حلقة دراسية حول موضوع المياه في حوض وادي الرافدين قد سنحت لي حضورها كمترجمة قبل سنوات ، كانت صدمة لأداء الوفد العراقي في هذه الحلقة التي ضمت تركيا ودولا اوربية وكبار الموظفين المتخصصين في الطاقة المائية والتقنيين من المهندسين والعسكريين المهتمين بالشأن المائي في منطقتنا.

 

الصدمة هو ان الوزير العراقي لم يكن مستعدا لمثل هذه الحلقة الخطيرة وبدت عدم كفاءته وخبرته وتجربته من الكلمة المقتضبة التي القاها والتي اتهم بها تنظيم داعش وبأنه هو من يقف وراء مشاكل الماء في العراق دون ان يتجرأ على الكلام عن أي أمر آخر، مصرحا انه استقى معلوماته حول الموضوع من غوغل! كما لم يحضر معه أي متخصص عراقي بقانون المياه ومشاكلها مع الجيران وهم كثر لكنهم مبعدون ولا يسمح لهم أصلا بالأدلاء بآرائهم، بينما كان الوفد التركي الأكثر أهمية من كل الدول المشاركة سواء بفريقه المتخصص او بدبلوماسيه الذين جاؤا يتحدثون بالخرائط وبالسياسة الخارجية ويدافعون عن مصالحهم بقوة امام كبار المتحدثين من دول اوربا الذين احترموا مواقفهم رغم المواقف العدائية ضد حزب الرئيس أردوغانوحزبه. لقد كان أداء الوفد العراقي اساءة لا يستحقها العراق في هذه الندوة المهمة للمنطقة، بعد مداخلة الوزير غير المقنعة التي أدهشت الحضور ، لوحظ السفير العراقي في باريس، الحاضر مشغولا بهاتفه طوال الوقت لا ينصت لما يقال خاصة وانه لا يتكلم الفرنسية ومثله بعض الموظفين!

 

 

ان الأداء الضعيف للوفد العراقي في حلقة المياه في حوض وادي الرافدين هو نفس أداء الوزراء الاخرين الذين تولوا وزارة الموارد المائية بعده، لان عدم وجود أي عمل ملموس يخص المياه ومشاكل شحته الكارثية ومعالجات حقوق وحصص العراق في النهريين وابعاد كل المهنيين عمدا من هذا الملف يدل على عدم وجود أي سياسة او تخطيط لمفاوضات او لتفاهمات من الجانب الحكومي حول الموضوع وبالتالي ترك دول الجوار يفعلون ما يريدون لأن صاحب الحق لا يطالب بحقه وحصته من المياه وفقا للقانون الدولي حول تقاسم الأنهار التي تشترك فيها الدول.

 

ان عدم معالجة قطع المياه عن العراق مع دول الجوار وتعطيش شعبه وارضه هو في صلب مهام حكومات عملية الاحتلال الأمريكي الإيراني التي تعمل بقرارات الحاكم المدني بريمر سيئة الصيت وما تزال مستمرة تعمل بأوامر خليفته السفيرة ايلينا رومانسكيلتدمير العراق وليس اهمال وقتي او عفوي لان عقدين من الزمن كفيلان بأعطاء هذه الحكومات، إذا ارادت العمل ولو بالحد الأدنى لحل مشاكل الخدمات الاجتماعية، الوقت اللازم لإنجازها وحلها.

 

 

لقد فصلت قوانين بريمر الستة والستين بدقة لانهاء العراق دولة وشعبا وتحويله الى قطعان من المستهلكين الذين يحكمهم مجموعة من الفاسدين والاشرار والمليشيات التي ترعرعت وتم تسمينها بالدعم الأمريكي ليكونوا العون الأول وبامتياز في الهيمنة على الشعب العراقي ولمنع أي ثورة وتغيير يصبو لها احرار العراق لاستعادة بلاد الفراتين، بلاد دجلة والفرات من الغزاة.

العراقالمياه