أخذت العلاقات العراقية الإيرانية طابعاً خاصاً تمثل بالاهتمام الأمني وحماية الأمن القومي الإيراني عبر الحوارات التي تمت بين الطرفين واسفرت في أذار 2023 عن توقيع اتفاقية (التعاون الأمني المشترك) بحضور الجنرال علي شمخاني امين مجلس الأمن القومي الإيراني السابق وقاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي العراقي بعدة لقاءات جاءت على وقع عمليات عسكرية ميدانية استخدم فيها الإيرانيون عشرات الطائرات المسيرة المفخخة و(70) صاروخ أرض جو ضد مواقع ومقرات المعارضة الكردية الإيرانية في مناطق إقليم كردستان بأطراف محافظة السليمانية وسهل أربيل وقضاء كويسنجق في شهر أيلول 2022.
اتفق الجانبان على قيام العراق بمنع استخدام أراضيه في أي هجوم يستهدف الأمن القومي الإيراني خاصة وان الأوضاع القائمة أنذاك داخل العمق الإيراني كانت تعج بالاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي اجتاجت المدن الرئيسية والأقضية والنواحي الإيرانية بعد مقتل الشابة الكردية مهسا اميني وتعاظم النداءات المطالبة باسقاط النظام وخاصة في المدن الكردية (كردستان و كرمنشاه وإيلام ) التي شهدت عمليات قتل واغتيالات وخطف وتغيب واعتقال لشباب الانتفاضة والمشاركين فيها والمؤيدين لها.
في خضم هذه المواجهات جاءت الضربات الجوية والفعاليات الميدانية التي استهدف أمن واستقرار منطقة إقليم كردستان العراق وكانت لها أبعاد داخلية وسياسية ارادت منها الأجهزة الأمنية الاستخبارية وقوات الحرس الثوري الإيراني تنفيذ عملياتها التعرضية والخاصة ضد قيادات وعناصر أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة على الأرض العراقية والتي ادت إلى استشهاد وجرح العشرات من رجال مدنيين ونساء وأطفال من اهالي الإقليم في حين قتل (13) عنصراً من الحزب الديمقراطي الإيراني وحزب كوملة.
تجددت الأوضاع الميدانية مرة أخرى وتصاعدت حدتها في الأشهر الماضية بعد التصريح الرسمي الذي أدلى به رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري في شهر تموز 2023 بأن (بلاده ستستأنف الهجمات على إقليم كردستان العراق في حالة لم تفِ بغداد بالتزامها بشأن الجماعات المسلحة)، ونتيجة هذه التطورات جاء الاتفاق الأمني الاخير الذي أعلن في 28 أب 2023 والذي أعلنه ناصر كنعاني المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية بقوله ( أن إيران والعراق توصلا إلى اتفاق يلزم بموجبه العراق بنزع سلاح المسلحين الانفصالين والجماعات الإرهابية المتواجدة على أراضيه وإغلاق قواعدها ونقلها إلى أماكن أخرى قبل 19 أيلول 2023).
يلزم الاتفاق العراق بمنع تسلل عناصر الاحزاب الكردية الإيرانية وتسليم المطلوبين منهم بعد صدور أوامر القبض عليهم من قبل السلطات الإيرانية ونزع سلاحهم وإزالة المقرات التابعة لهم.
بهذا الاتفاق فإن إيران ترى وتحدد أهدافها الحقيقية واستراتيجيتها في المنطقة بتأمين وضعها الداخلي وحماية أمنها القومي واستعدادها للقيام باي عملية عسكرية قادمة في إطار مسؤوليتها بالحفاظ على أمنها اذا لم تقوم الجهات العراقية بتنفيذ الاتفاق المبرم حديثاً،وان المسؤولين الإيرانيين يعتبرون تواجد مقرات الاحزاب الكردية المعارضه لهم (نقطة سوداء بحب إزالتها خلال شهر بالتعاون مع العراق) وتم تحديد مهلة زمنية تنتهي في 19 أيلول 2023 ولا يوجد أي تمديد لطرد ونزع سلاح التنظيمات الكردية المعارضة للنظام الإيراني.
يمكن لنا أن نستعرض أهم الأحزاب الكردية الإيرانية وطبيعة نشأتها وأهدافها وتوجهاتها، فهناك الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي انشق عن الحزب الديمقراطي الإيراني عام 2006 بسبب خلافات بين القيادات المسؤولة عن إدارة وتنظيم وهيكلية الحزب وتوجهاته داخل إيران، في حين يعتبر الحزب الديمقراطي الإيراني من الاحزاب الكردية التي كان لها دور كبير في نشوء وتطور ونضال الحركة الكردية في إيران حيث تأسست في خمسينات القرن الماضي بأهداف ورؤى اشتراكية يسارية ويعتبر من أعضاء (الأممية الاشتراكية) وعاود الكفاح المسلح عام 2006 ونفذ عملية كبيرة ضد مواقع قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني في منطقة ماجد خان الإيرانية، أما حزب (الحياة الحرة الكردستاني) الذي يرتبط بعلاقة وطيدة مع حزب العمال التركي وينادي بانفصال المناطق الكردية الإيرانية واعلان دولة كردية بأفكار يسارية وبدأ صراعه مع السلطات في إيران عام 2004 وشن العديد من الهجمات على المواقع والمقرات التابعة للجيش الإيراني والحرس الثوري وقوات الباسيج، واما حزب (الكوملة) فهو الفرع الكردي للحزب الشيوعي الإيراني الذي تأسس قبل خمسين عاماً ولكنه لا يزال على خلاف مع حزب تودة، واخيراً حزب (الحرية) الذي يمتلك منظمة مسلحة بأسم (نسور الحرية الكردستانية) ويدعو الي حكم ذاتي للأكراد.
ويبقى الأمر مرهون بمدى فعالية تنفيذ الاتفاق الأمني المشترك والتعامل معه ميدانياً حيث لا تزال القوى الكردية المعارضة تعلن ان مقراتها ما زالت موجودة مفتوحة في إقليم كردستان وليس هناك أي قرار باغلاقها ولم نتلق أي طلب بذلك.
لا تتحقق النتائج المرجوة من تبعيات هذا الاتفاق وسيكون محدود النتائج اذا لم يتضمن علمياً نزع سلاح حزب الحياة الحرة لامتلاكه القدرة القتالية ولدية الآلاف من المقاتلين في تنظيماته المسلحة ويمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة بأنواع مختلفة ويعتبر سياسياً الذراع المساند لحزب العمال التركي.
ان النظام الإيراني يسعى من هذا الاتفاق إلى تحقيق العديد من الأهداف الميدانية والأمنية والسياسية فهو يعمل على تعزيز نفوذه داخل الأراضي العراقية والهيمنة على مناطق إقليم كردستان بحجة تواجد الأكراد المعارضين له وتهديده المستمر باستهداف اراضي الإقليم كما وانه بدا يستشعر حقيقة التوجه التركي واهتمامه بالمشهد العام في العراق وإمكانية توسيع دوره في الحياة السياسية العراقية، وهذا مالا يرضاه النظام الإيراني ويرى فيه منافسة لا يرغب فيها وشريكاً في ساحة يعتبرها امتداداً لأمنه القومي.
تبقى عملية نقل المعسكرات التابعة للأحزاب الكردية الإيرانية إلى العمق الداخلي للأقليم من الأمور التي تحتاج لوقت طويل وإعداد سليم وتهيئة لمقرات جديدة واماكن تخضع لرقابة ميدانية.