سمير داود حنوش
حين تتجول في أحيائها المتعبة والمهملة ستجد أنها مدينة لاتختلف عن باقي المدن العراقية سوى تنوع سكانها العِرقي الذي جعلها توصف بأنها عراق مُصغّر.
مدينة مُنهكة في كل ظروفها تشهد على واقعها المؤلم قلعتها التاريخية التي تقف ماثلاً للإهمال والنسيان وسحابات التلوث البيئي التي تُخيّم على المدينة من جراء النار المشتعلة من آبار النفط.
صورة عراقية ظاهرها البساطة والإهمال والتلوث وباطنها صراع سياسي وإقتصادي وربما أمني.
كركوك العراقية التي كانت دوماً بؤرة لصراع سياسي بين القوى السياسية وإستقطاب مُبطّن لنزاع إقليمي يختفي خلف قوى سياسية تدافع عن مصالح تلك القوى خصوصاً عندما تكون هذه المحافظة بؤرة خصبة لمنافذ الطاقة، رغم إن مكونات المدينة الثلاث العرب والكرد والتركمان تتطابق في مناطقهم وطرائق حياتهم صفات متشابهة في الفقر والبطالة والأوضاع السيئة يوحي للناظر أن لا حواجز تحجب هؤلاء عن بعضهم سوى ذلك الصوت المتصاعد من بعض القوى السياسية والصراخ المتعالي بأحقية إستملاك هذه المدينة لأحد تلك المكونات، وبين كرّ وفرّ للقوى السياسية المتصارعة على مقدرات هذه المدينة كان آخرها تسليم مقر العمليات المتقدم في كركوك التابع إلى قوات الحكومة الإتحادية في بغداد إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني لتثير غضباً وتظاهرات وإعتصامات بين المكونات الأخرى قد تنذر بإندلاع شرارة صراع يتعدى السياسي إلى مواجهة مسلحة خصوصاً وإن هذه المدينة تشبه برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة ليحرق العراق.
قرار السوداني رئيس الوزراء العراقي بإخلاء جميع مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك من قبل قوات الحكومة الإتحادية وتسليمها إلى حزب البارتي من أجل تطبيع الأوضاع في المحافظة وعودة حزب بارزاني للمشاركة في إنتخابات مجلس محافظة كركوك إسوة بالأحزاب العربية والتركمانية، مما جعل الموقف يزداد تعقيداً بعد التلويح بتدخل أمريكي إلى جانبه تركي إذا إستمر وضع التأزيم لصالح حزب الديمقراطي الكردستاني مما سيعطي حجة لتدخل إيراني لصالح أطراف تناهض هذا الوجود في المحافظة.
من جانبها دعت الكتلة النيابية التركمانية في مجلس النواب العراقي إلى إبعاد المحافظة عن الصفقات السياسية والمجاملة معبرة عن تخوفها من تصاعد الخلاف السياسي بين بغداد وأربيل قد يدفع فاتورتها أهالي المحافظة وتدخل دولي فوري خشية تدهور السِلم المجتمعي في المحافظة، الخطوة التي يتوقع لها الصراع نحو منصب محافظ كركوك ومحاولات السيطرة على مفاصل الحكومة المحلية لتعويض الخسائر السابقة التي حصلت أثناء طرد حزب بارزاني من المحافظة.
صراع وصل إلى ذروته حين هددت بعض قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن قدرة الإقليم من حجب المياه الواصلة إلى المحافظات الوسطى والجنوبية وحجب تلك الحصص المائية عبر سدود الإقليم كإجراء عقابي في حال إستمرار أزمة تصدير النفط إلى تركيا عبر ميناء جيهان، تصعيد مقابل رافق إغلاق طريق كركوك – أربيل البري من قبل مسيرات مناهضة لعودة حزب البارتي، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضحايا والخسائر وعودة لسيناريو عام 1959 بين الأكراد والتركمان ويخلق عواقب وخيمة لحكومة السوداني التي تُدار وفق إدارة إئتلاف الدولة.
الإتهامات لم تقتصر لحزب بارزاني في مناطق كركوك بل تجاوزها إلى مناطق شيخان والقوش وصَعيّدة في محافظة نينوى على إعتبار أنها مشمولة بالمادة 140 التي تخص المناطق المتنازع عليهاُ في حين أنها تابعة إدارياً لنينوى حسب إتهام النائب السابق لمحافظة نينوى محمد الشَبَكي الذي أضاف أن الإقليم يسعى لتمرير قانون النفط والغاز للإعتراف بأحقيته بإستخراج النفط من مناطق خارج حدود الإقليم، مما يعتبر تجاوزاً على المادتين 12 و 13 في الموازنة الإتحادية.
في عام 2015 نشر الكاتب الكندي جيسي روزنفيلد في موقع ديلي بيست الأمريكي مقالاً يتحدث فيه عن “إندلاع قتال في المستقبل بين الأكراد والمليشيات الشيعية مما سيهدد بتفجير أطراف كركوك حيث تتواجد حقول النفط القريبة، منهم بينما داعش تراقب وتترقب” بسبب أهمية كركوك النفطية ووقوعها في قلب مشروع الشرق الأوسط الجديد.
كركوك العراقية هو جوهر الصراع الذي تتجمع على أرضها كل القوى الطامعة لأن تكون حرباً بالوكالة ومحاولات إقليمية لإعادة العمل على إرجاع الخط النفطي كركوك – حيفا وتنظيف أنابيبه وصيانتها وحراستها.