الى السوداني

علي علي

 

واختر قرينك واصطفيه تفاخرا

 

إن القرين إلى المقارن ينسب

 

منذ آلاف الأعوام ووادي الرافدين بساط أخضر، أطلق عليه أرض السواد لكثرة زرعه، وتنوع مايطرحه من ثمار على مدار السنة من دونما انقطاع، وماذاك إلا لتعدد مصادر المياه بين أمطار وأهوار ومياه جوفية، فضلا عن دجلته وفراته، الممتدين برشاقة يغدقان الجبال والهضاب والصحارى والسهول، بما جعل الله منه كل شيء حي، فيزدهر به الزرع ويرتوي الضرع.

 

وبذا من المفترض ان يكون خليفة الله في هذه الرقعة من الأرض، مخصوصا بالعيش الرغيد ومتنعما بالحياة المرفهة، ولكن واقع الحال يبعد كل البعد عن هذه الافتراضية، وسكان وادي الرافدين ينأون كل النأي عن الحد الأدنى من الهناء والدعة والطمأنينة، بل هم يعلّون كأس الفقر والفاقة والعوز علا، ويعبّون من قدح الضيم والظلم وشظف العيش عبّا، فيما ينهل سلاطينهم وحكامهم وأولو أمرهم من القدح المعلى، ويرفلون في النعيم والحرير والزبرجد والسندس. وكلنا يذكر الأيام الأولى لسقوط النظام بعد التاسع من نيسان عام 2003 وكيف بعث هذا الحدث في نفوس أغلبنا -وليس جميعنا- أملا كبيرا لتحول كبير في حياة العراقيين، لاسيما الذين جايلوا عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والذين ذاق أغلبهم مرارة السياسة المتبعة آنذاك، والنهج الذي كان مفروضا عليهم رغما عن أنوفهم. فكانت أيامهم سائرة ككابوس في ليل بهيم، كانت الأرواح أبسط ما يخسره العراقيون فيها، فضلا عن الأبناء والأهلين والأصدقاء، حتى صار التغرب والترحال عنوان العراقيين في أسقاع المعمورة.

 

وها نحن اليوم تحت مظلة حكومة لم تأت عن طريق الإرث ولا القمع والفرض، كما كان في عهد النظام السابق، وقد كان مرجوا أن يكون اختيار رئيسها أعضاء المجلس التنفيذي، وفق وحدات قياس صارمة وضوابط حازمة، من دون الركون الى الفئوية والحزبية والمحسوبية، التي كانت السبب في تدني مستوى أداء الوزارات في الحكومات السابقة، وعادت بسلبيات ضيقت الخناق على أهل البيت العراقي بشرائحهم كافة، وياليت رئيس حكومتنا يقرأ بيتين أنشدهما ابن الرومي إذ يقول أولهما:

 

عليك بدارٍ لا يزول ظلالُها

 

ولا يتأذى أهلُها بمضيق

 

وقطعا هذا لن يتأتى يارئيس حكومتنا من الفراغ، او من الجلوس خلف عرش السلطة من دون النزول الى أرض واقع العراقيين، حيث العامل والعاطل عن العمل، والطالب والمعلم، والمرأة وكبار السن، والموظف والمتقاعد، والطفل والمريض وباقي شرائح المجتمع، فهم جميعا باتوا أمانة بعنقك وأعناق كل من يتسنم منصبا قياديا في البلد، والعمل على إنقاذهم والنهوض بهم لايتأتى بالكلام المعسول، والخطابات واللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات التي أرهقت نفسك في إقامتها وحضورها مذ تسنمك زمام السلطة.

 

نعم يارئيس الوزراء، الكرة استقرت في ساحتك منذ عشرة شهور، وعليك التهديف والتصويب بدقة وذكاء، والمواطن ينتظر منك بذل الطاقة القصوى، والعمل الدؤوب وانتهاج سبل حدية وصارمة، مع من يتهاون في أداء واجبه بالشكل السليم، للحد من تداعي كثير من السلوكيات التي ظهرت عبر تراكم السنين الماضية من عمر العراقيين، بين حصار وحروب واحتلال، ولتتوج بهمّتك نيتك السليمة في خدمة البلد وتقديم ماهو أفضل له، فبالآمال والأمنيات والنيات الصافية وحدها، لاتُبنى لِبنة واحدة من صرح البلد، وأكمل لك قراءة البيت الثاني لابن الرومي حيث قال:

 

فما يبلغُ الراضي رضاهُ ببُلغة

 

ولا ينقعُ الصادي صداه بريق

السوداني