الباحثة شذى خليل
يعد النشاط الاقتصادي بين العراق وتركيا وإيران كبير ومتعدد الأوجه، حيث تلعب كل دولة دوراً محدداً في اقتصاديات المنطقة. ولتقديم نظرة شاملة، يجب ان نرى الناتج المحلي للدول الثلاث في عام 2020 اذ بلغ ما يزيد على تريليون دولار، وتأتي تركيا في المرتبة الأولى بنحو 720 مليار دولار، ثم إيران بنحو 191 مليار دولار، ثم العراق بـ167 مليار دولار، غير ان انخفاض الناتج المحلي الإيراني يأتي بسبب العقوبات الاقتصادية، فقد كان ناتجها قبل العقوبات في عام 2017 نحو 445 مليار دولار.
اما على صعيد عدد السكان وفق بيانات عام 2020، يصل عدد السكان في الدول الثلاث نحو 208 ملايين نسمة، وتأتي تركيا في المرتبة الأولى التي يبلغ عدد سكانها 84.3 مليون نسمة، ثم إيران ويبلغ عدد سكانها 83.9 مليون نسمة، أما العراق فقد بلغ عدد سكانه 40.2 مليون نسمة.
أما من حيث مساحة الأراضي فقد بلغ مجموع مساحة أراضي الدول الثلاث 2.8 مليون كيلومتر مربع، تأتي إيران في المقدمة بمساحة 1.6 مليون كيلومتر مربع، لتبلغ مساحتها أكثر من مجموع مساحتي تركيا والعراق، فتركيا تبلغ مساحتها 769 ألف كيلو متر مربع، ثم العراق بمساحة 434 ألف كيلومتر مربع.
يلعب العراق دوراً هاماً في هذا المثلث الاقتصادي بسبب احتياطياته النفطية وموقعه الاستراتيجي بالأخص في إنتاج وتصدير النفط فهو أحد أكبر منتجي النفط في العالم، وصادراته النفطية حيوية لكل من تركيا وإيران. وتعتمد تركيا على النفط العراقي لتلبية احتياجاتها من الطاقة، في حين تصدر إيران النفط إلى العراق وتستخدم العراق كطريق عبور لنفطها إلى الأسواق الدولية.
أما عن قيمة التبادل التجاري بين العراق وتركيا فقد بلغت في 2020 نحو 17.3 مليار دولار، وذلك حسب أرقام معهد الإحصاء التركي، وسجل التبادل التجاري بين البلدين فائضا تجاريا لصالح تركيا بلغ 941 مليون دولار.
في حين تصدر تركيا مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك الآلات والمنسوجات ومواد البناء، وتستورد النفط والغاز من العراق، وتمثل تركيا مصدرا مهما للمياه، حيث تعتبر دولة منبع لأنهار تجري في العراق وإيران، وبلا شك فإن الإنتاج الزراعي والغذائي في تركيا يعد مصدرا مهما لكل من العراق وإيران، كما تعد تركيا ذات مكون صناعي مهم، وفي طريقها لإنتاج التكنولوجيا في مجالات مختلفة.
جغرافيًا، تعمل تركيا كجسر بين أوروبا وآسيا، مما يجعلها مركزًا رئيسا للعبور والتجارة، وتعزز بنيتها التحتية القوية، بما في ذلك شبكات النقل والموانئ الحديثة، دورها كقناة تجارية، لكنها تواجه تحديات اقتصادية مثل التضخم، والعجز الكبير في الحساب الجاري، وارتفاع مستوى الدين الخارجي.
التجارة بين تركيا وإيران كبيرة أيضاً، حيث وصلت إلى ما يقرب من 10 إلى 12 مليار دولار سنويًا. استوردت تركيا في المقام الأول النفط والغاز الطبيعي من إيران، بينما صدرت الآلات والمنسوجات والمنتجات الغذائية.
وتتمتع تركيا بعلاقات تجارية قوية مع كل من العراق وإيران. وهي شريك تجاري رئيسي لهما. وتشارك الشركات التركية في قطاعات مختلفة في العراق، بما في ذلك البناء والطاقة والتصنيع، وعلى الرغم من التوترات السياسية مع إيران، تحافظ تركيا على علاقات تجارية، بما في ذلك واردات الطاقة من إيران.
أما عن التبادل التجاري بين العراق وايران فقد بلغ في مارس/آذار 2020 على أساس سنوي 13 مليار دولار، وبما يحقق فائضا لصالح إيران بنحو 5 مليارات دولار.
وتشمل التجارة مجموعة واسعة من السلع بلغ حجمها السنوي حوالي 12-15 مليار دولار، وزودت إيران العراق بالكهرباء والغاز الطبيعي والسلع الاستهلاكية المختلفة.
وتستفيد إيران من العلاقات التجارية مع تركيا والعراق، مما يوفر منفذاً لموارد الطاقة (النفط والغاز الطبيعي) والسلع الاستهلاكية. وتعتبر هذه العلاقات الاقتصادية حاسمة بالنسبة لإيران، خاصة في مواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها.
ماذا لو حدث تكامل اقتصادي بين دول المثلث ؟
إذ ما تم تفعيل هذا التحالف، سيصبح من الممكن تحقيق مجموعة من الفوائد لجميع الأطراف المعنية، بشرط تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في العراق. ويمكن لتركيا وإيران أن تتعاونا لتعزيز نمو الصناعات المشتركة، وبالتالي تعزيز مشهد الإنتاج المحلي في العراق.
ومع ذلك، فإن الفوائد تمتد إلى ما هو أبعد من العراق وحده. وسوف تغتنم تركيا الفرصة المعززة لتوسيع علاقاتها الإقليمية، وتعزيز مكانتها الجيوسياسية داخل المنطقة. علاوة على ذلك، فإن التجارة البينية مع كل من إيران والعراق ستشهد تحسينات كبيرة.
ومن الممكن أن تسفر إمكانات هذه الكتلة عن نتائج ملحوظة، خاصة إذا كانت تتماشى مع الرفع المتوقع للعقوبات على إيران. وهذا التحول يمكن أن يمكّن تركيا من تقديم مساهمات كبيرة في تطوير البنية التحتية في إيران. وهذا بدوره يبشر بالخير للشركات التركية المتخصصة في مجالات مثل بناء الطرق، وتوليد الطاقة، وإنشاء مختلف الصناعات التي يمكن أن تزدهر في إطار هذه الشراكة الثنائية.
ختاما تتأثر التفاعلات الاقتصادية في هذا المثلث بالديناميكيات السياسية والصراعات الإقليمية والعقوبات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، فإن لهذه البلدان مصلحة مشتركة في تحسين البنية التحتية والاتصال لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي. كما هو الحال مع أي منطقة، يمكن أن يتغير المشهد الاقتصادي بسرعة بسبب التطورات السياسية والاتجاهات الاقتصادية العالمية وقضايا الأمن الإقليمي.