ثرثرة فوق قمة الفساد

مهند سري

 

الكتابة عن الفساد في العراق تتطلب الحيطة والحذر، وكأنك تمشي في حقل الغام، فأنت لاتستهدف تصرفات فردية، ولاتقف عند حالة مخصوصة لما كان يطلق عليه ابو الواشر، فالقضية اكبر بكثير من سارق قرن أو قرنين او ثلاث، او عمليات إحتيال، وتزوير، او معاملات رشى، فنحن بإزاء فساد مؤسسي، مدعم ومحصن، ولدغته والقبر كما في المثل المصري.

 

تسللت الى قمة الهرم ، وأنا على دراية أن الصعود لايحمل قيمة أو منجز دائماً، إذ السباق الدولي الى معالي الأشياء يختلف عما نحن عليه، ففيما يسجلون تقدماً في مجالات الحياة المنوعة، نصنف ضمن الدول الأكثر فساداً، برغم تعدد المؤسسات التي تعنى بالرقابة والنزاهة، مايعطي جسامة لهذا الموضوع، الذي يصعب أن تمسك بالرأس وليس الذنب، وحتى الذنب قد يتغير وصفه من حكومة الى أخرى، بل تنقلب المقاييس، فيتحول المحقق “كونان” الى جلاد ملاحق، والمفسد الى ضحية.

 

في خريطة الفساد، تجد كل العناوين تشتغل على هذا الملف، وتحتفظ بخيوط اللعبة للضغط والإبتزاز، حتى إذا حصلت بعض المواجهات وقعت في حيص بيص، فلا تدري ايهما المفسد؟ .. وايهما المصلح؟، لكن المحصلة انك ستتعرف على حجم الفساد، مثلما ستدرك أن الخلاف لايفسد في الود قضية في نهاية المطاف، مادام الإتفاق الأساس ساري المفعول، وملخصه المثل الدارج : إنت هص، وآني هص، ونقسم بالنص.

 

وإذا كان الفساد مرتبطاً بالمال وحمل جمال، فأرى أنه تعداه الى مستويات أخرى، سواء في الإنتخابات، أو توزيع المناصب عموماً، وصولاً الى العمل المؤسسي في الإدارات العامة، والخدمات، والتربية والتعليم، والصحة، والتعينات، وهلم جراً.

 

استطاع العراق بجدارة أن يحافظ على المرتبة السابعة عربياً، و157 عالمياً من بين 180 دولة، على مستوى الفساد، كما في مؤشرمدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، لعام 2022 ، وهذا يضعنا في المقدمة، ولانسمح لأحد أن يتهمنا بالتخلف!!

 

الكل يتفق على وجود اموال منهوبة، وإن اختلفوا في مقدارها، لكن في النتيجة هناك إقرار، مثلما هناك ارقام كبيرة، تتراوح بين 360 مليار دولار في عيون العدو، و450 مليار دولار، المهم لاتعدو ولاتصفو، مادام المنهوب بيد الناهب، ودونه فرط القتاد.

 

لاشك أن موضوع الفساد شائك ومعقد، لكنه يبقى برنامجاً انتخابياً رائجاً لمن يحسن ادارته ويدغدغ به مشاعر الناخبين، والذي اراه بنظرة متواضعة أن الحملات الكبرى التي تعلن لملاحقة المفسدين ينبغي الاتقف على اولئك الذين هربوا الى الخارج ومعهم كيس الدخل، لكن الحملة الحقيقية تبدأ من هنا، وبدءاً من القمة.

العراقالفساد