الخليج العربي وآسيا الوسطى… تجمع سياسي وتكامل إقليمي

ضمت سياسة الانفتاح الإقليمي والدولي الذي تتبعه دول الخليج العربي عبر توجه ميداني يسعى إلى احتواء الأزمات والابتعاد عن المواجهات واتباع الحوار والتعاون المشترك اساس في العلاقات الدولية، جاء انعقاد القمة الخليجية العربية مع دول وسط آسيا في التاسع عشر من تموز 2023 وهو اول اجتماع على مستوى القادة ضم عشر دول هي (المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات والبحرين وعمان وقطر واوزبكستان وطاجكستان وقيزغستان وتركمستان) ترغب في تعزيز آفاق التعاون في كافة المجالات وعلى جميع الاصعدة ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى وبأفاق واتجاهات فعالة وأهمها الطاقة التي تمثل النفط والغاز عماد الأمن العالمي للطاقة وتؤهل جميع الدول المؤتلفة في هذا التجمع لدور ريادي قادم في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وتساهم في تعزيز الأمن الإقليمي الدولي والحفاظ على ديمومة السوق العالمية للنفط وتصدير الغاز وتباع السبل الكفيلة لتوحيد الرؤى والأهداف في المحافل والمؤتمرات الدولية وتستعيد المنطقة أهميتها ودورها في القضايا التي تهم شعوب العالم.
يمتل التجمع العربي الاسيوي استراتيجية مستقبلية ذات طموحات عالية عبر تأسيس شراكة بين الدول العشرة ومن خلال مقررات سياسية واقتصادية وأمنية واستثمارية ماليه تساهم في تعزيز اقتصاديات بلدانها وترفع من وتيرة التعاون والتبادلات التجارية وتنشيط حركة التجارة بينهم بما ينعكس ايجابياً على طبيعة العلاقات الاقتصادية العالمية، وهي التي جاءت تنفيذاً لخطة العمل المشتركة للأعوام (2023_2027) والتي اقرا بالرياض في شهر أيلول 2022 عند اجتماع وزراء خارجية دول الخليج العربي وآسيا الوسطى.
تأتي أهمية المؤتمر انه ينعقد في خضم تحديات كبيرة يشهدها العالم وتعيشها المنطقة العربية الآسيوية وازمات تتعلق بالطاقة المناخ والغذاء العالمي واستمرار المواجهة بين روسيا أوكرانيا، ومحوراً مهماً ودليلاً على الموقع المحوري الإقليمي السعودي الخليجي والدور الفعال في دعم الاقتصاد العربي الإسلامي.
إن قراءتنا لهذا التجمع انه يؤسس لمرحلة مهمةمن التنمية البشرية والتكامل الاقتصادي والتعاون المشترك والحضور العربي الخليجي في منطقة مهمة تحظى باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، كما أن له أبعاد استراتيجية تتعلق بالصيغة الجيوسياسية والتي تمهد لتكتل اقتصادي واسع واتفاق مشترك لدعم جميع القضايا السياسية المشتركة في المحافل الدولية وانه يعبر عن السياسة الحالية والنظرة المستقبلية لدول الخليج العربية بتعزيز حضورها وتأثيرها الدولي الإقليمي من خلال التحالفات والتكتلات السياسية والانفتاح على جميع الدول وشعوبها ودعم التوجه العام لدول مجلس التعاون الخليجي والتي ترى في اتفاقها مع دول آسيا الوسطى انها تمثل علاقة متميزة لما تشهدها هذه الدول من نهضة صناعية وتجارية كبيرة والتي تتوافق والرؤية الميدانية لدول الخليج التي تعلم حقيقة وأهمية هذه الدول فكازاخستان هي الدولة العاشرة في إنتاج النفط عالميا وتركمستان تمثل رابع الدول في احتياط الغاز عالمياً وقيزغستان معروفة بثرواتها المائية ومواردها الطبيعية وانها تغذي نهرين كبيرين في اسيا الوسطى هما( سيحون وجيحون)، أما أوزبكستان فتتمتع بثروة بشرية تبلغ 34 مليون نسمة وتضم مدن تاريخية على طريق الحرير (طشقند وسمرقند خوارزم) والأهم ان طاجيكستان استحوذ على 60% من مصادر المياه النقية في منطقة آسيا الوسطى ففيها الأنهار والبحيرات الجليدية وخزانات المياه الطبيعية والجوفية ويشكل احتياط النفط في كازاخستان وتركمستان المرتبة الثانية بعد الخليج العربي.
ان ما تتمتع به هذه الدول مجتمعة من ثروة طبيعية وموارد اقتصادية وطرق تجارية رئيسية واحتياطي واسع من النفط والغاز إنما يشكل محوراً مهماً في دعم آفاق التعاون والحضور المؤثر الكبير لهذه الدول لإثبات دورها وتحقيق استقلالها الوطني والتحكم باقتصادها الداخلي بعيداً عن المؤثرات الدولية الإقليمية.
وكنا تعلم دول الخليج العربي أهمية دول آسيا الوسطى فإن الأخيرة تدرك جيداً أهمية تحالفها في تكتل إقليمي مهم مع المملكة العربية السعودية والاقطار الخليجية، وهذا ما استمتعنا اليه من دعوة الرئيس التركمستاني إلى انشاء مجلس لوزراء خارجية الدول المجتمعية لدعم تطوير العلاقات وخاصة التبادلات التجارية كما دعى إلى قيام منتدى استثماري في بلده العام المقبل، طلب الرئيس الطاجكستاني بتضافر الجهود من أجل مكافحة تجارة المخدرات وتوسيع مساحات الاستثمارات الخليجية في مجال إنتاج الطاقة وانشاء الطرق والسكك الحديدية وإنشاء صندوق خاص للتنمية في اسيا الوسطى، واثنى الرئيس القيزغستاني على مشروع السكك الحديدية كونه يمثل عمقاً مهماً في توسيع المنظومة الاقتصادية بين هذه البلدان.
جاءت مقررات الملتقى بنا يتناسب الطموحات والأهداف والرؤى الاستراتيجية التي نوقشت في اجتماعات المؤتمر والتي اقرت أهمية تعزيز الحوار الاستراتيجي والسياسي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى، وتعزيز هذه الشراكة نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز التواصل بين الشعوب
وأهمية تضافر كافة الجهود لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم، وأولوية استتباب السلم والأمن الدوليين، من خلال الاحترام المتبادل والتعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية
و استمرار التنسيق السياسي بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومواجهة التحديات، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمداد، والنقل والاتصال، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن المائي، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الطاقة الخضراء والمتجددة، وخلق فرص الأعمال التجارية ودعم فرص الاستثمار وزيادة التبادل التجاري.
يأتي انعقاد القمة الخليجية الآسيوية، في ظل تزايد الاهتمام والتنافس الإقليميين والدوليين بدول وسط آسيا الخمس، نظرا إلى موقعها وأهميتها الجيواستراتيجية، والثروات الطبيعية التي تمتلكها هذه الدول بما يؤهلها لقفزات تنموية كبيرة.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية