بصمت، وبعيدا عن بغداد، مدينتها التي ولدت وعاشت بها، والتي طالما تمنت ان تموت وتدفن تحت ترابها، رحلت في أرمينيا، بصمت وبدون ضجيج التصفيق الذي كانت تسمعه بعد تمثيلها لأية مسرحية، الممثلة المبدعة آزدوهي صوموئيل، عن 81 عاما، دون ان يودعها جمهورها المسرحي الذي منحته جل حياتها من خلال العشرات من الاعمال المسرحية.
آزدوهي، او”آزو” كما تُلقب أختصارا لاسمها، تفرغت تماما للفن المسرحي، لهذا لقبت بـ “قدسية المسرح العراقي”، أو”راهبة المسرح العراقي”، حتى انها قالت عن نفسها: “اعتقد ان الله خلقني وخلق الرهبنة في داخلي، مسيرة حياتي جرت هكذا”.
ولدت الفنانة آزدوهي صومائيل ببغداد عام 1942، وهي اول خريجة لمعهد الفنون الجميلة، قسم الفنون المسرحية ببغداد عام 1962، وخلال دراستها مثلت في العديد من الأعمال المسرحية المهمة، منها: (الثري النبيل) لمولير ومن إخراج جعفر علي، ومسرحية (عطيل) لشكسبير إخراج جاسم العبودي و(اوديب ملكا) لسوفوكليس إخراج جعفر السعدي. و(فيما وراء الأفق) لأونيل إخراج بهنام ميخائيل.
لكن رحلتها الفنية كانت قد بدأت مبكرا وقبل دراستها للفن المسرحي، وبالتحديد منذ عام عام 1955، حيث انتمت لفرقة المسرح الفني الحديث،حيث تعد افضل الفرق المسرحية في العراق، التي اسسها كل من: يوسف العاني وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وابراهيم جلال، وكرائدة مسرحية، مثلت الى جانب الرائدات، زينب وناهدة الرماح وسليمة خضير، في وقت كان يعد فيه صعود المرأة على خشبة المسرح محرم اجتماعيا، وكان هناك شحة في عدد الممثلات بحيث كان بعض الممثلين من الرجال يؤدون ادوار نسائية.
ومنذ وقت مبكر من حياتها الفنية أسند إليها دور في مسرحية من فصل واحد، في مسرحية (ست دراهم) من تأليف الفنان يوسف العاني ، وكان هذا الحدث مهما لها ولبدايتها الفنية، حيث لعبت ادوار مهمة في مسرحيات قدمتها فرقة المسرح الفني الحديث على مسرح بغداد، منها: آني امك يا شاكر، أهلا بالحياة، فوانيس، صور جديدة، المفتاح، الخرابة، تموز يقرع الناقوس. الا ان دورها(تماضر) البنت البغدادية التي يغرر بها في مسرحية (النخلة والجيران) التي اعدها واخرجها الفنان قاسم محمد، عن رواية بنفس الاسم للكاتب غائب طعمة فرمان، وقدمتها فرقة المسرح الفني الحديث على مسرح بغداد عام 1969، يبقى واحدا من اهم الادوار التي لعبتها وبقي في ذاكرة الجمهور، وكانت قد مثلت في هذه المسرحية الى جانب كبار الفنانين العراقيين، امثال: يوسف العاني، خليل شوقي، فاضل خليل، مقداد عبد الرضا، زينب، ناهدة الرماح، سليمة خضير، وعبد الجبار عباس، بل ان هذه المسرحية ستبقى واحدة من العلامات البارزة في تاريخ المسرح العراقي.
كما مثلت آزدوهي اعمال لأبرز المخرجين العراقيين، اساتذة المسرح العراقي، أمثال: جعفر السعدي وابراهيم جلال وجاسم العبودي وقاسم محمد وبهنام ميخائيل وبدري حسون فريد ومحسن العزاوي وجعفر علي وعبد الواحد طه وصلاح القصب وغيرهم.
تم تعيين آزدوهي، بعد تخرجها من معهد الفنون الجميلة معلمة في مدارس بغداد، ثم سرعان ما اعتقلت وطردت من التعليم بعد انقلاب 8 شباط 1963، واضطرت خلال الفترة من عام 1963 حتى عام 1965 للعمل في صالون حلاقة نسائي، ثم اعيدت الى التعليم وتم نقلها الى محافظة الرمادي(الانبار حاليا)، وطلبت من الفنان يوسف العاني لاستخام نفوذه والتوسط لنقلها الى بغداد، لكن هذا لم يحدث فترتكت فرقة المسرح الفني الحديث، كما تركت التعليم لتعمل في الفرقة القومية للتمثيل التابعة لمؤسسة (مصلحة سابقا) السينما والمسرح ومثلت في العشرات من المسرحيات، منها: جزيرة افروديت، ابن ماجد، الروح الطيبة، لغة الامهات، ثورة الموتى،محطات السنين، المزيفون، حفلة الماس، والعاصفة عام 2006، ويعتقد انها كانت آخر أعمالها المسرحية.
عاشت آزادوهي وسط عائلة اخيها الكبير الذي طالما عبرت عن امتنانها لمساندته لها دائما وتحمد الله على مستوى معيشتها وأكدت مرارا عدم حاجتها لدعم مادي فهي كانت تعيش على راتبها التقاعدي شهريا ولم تطلب سواء من الحكومة او نقابة الفنانين او اية مؤسسة اخرى اي دعم مالي فقد كانت تعتز كثيرا بمكابرتها على مثل هذه الامور.
مقداد عبد الرضا: فنانة مجتهدة ومبدعة
الفنان االمبدع مقداد عبد الرضا، الذي عاصر الفنانة آزدوهي صومائيل، حيث كان من ابرز اعضاء فرقة المسرح الفني الحديث، ومثل في مسرحية (النخلة والجيران)، ابدى حزنه العميق لرحيلها، وقال لشبكة رووداو الاعلامية اليوم السبت (25 شباط 2023) “لقد خسر المسرح العراقي الفنانة المبدعة آزدوهي صومائيل، فقد كانت ممثلة متميزة كما انها منحت كل حياتها للمسرح العراقي”، مضيفا: “كانت تأتي الى مسرح بغداد، خلال عروض مسرحية(النخلة والجيران) منذ وقت مبكر وتنزوي وحيدة لتراجع دورها، وبالرغم من انه لم يعرف عنها متحمسة للعلاقات الاجتماعية، حيث كانت تخرج باستمرار مع شقيقها الاكبر سنا منها، والذي تعيش معه، الا اني شاهدت لها صور وهي تحضر مناسبة اجتماعية في بيت الفنانة ناهدة الرماح”.
ويضيف الفنان مقداد عبد الرضا قائلا: “كان آخر عمل مسرحي جمعنا، آزدوهؤ وأنا، هي مسرحية (حفلة الماس) تأليف الشاعر خزعل الماجدي وأخراج الاستاذ صلاح القصب ، وكان عملا جريئا ومناهضا للحروب التي خاضها العراق في وقت كان طرح مثل هذه الافكار يشكل خطرا كبيرا علينا، حيث كنا قد خرجنا توا من القصف الجوي والصاروخي عام 1991″، منبها الى ان “الفنانة آزدوهي ابدعت واجتهدت كثيرا، اى جانب بقية فريق التمثيل، من اجل المسرحية التي عملنا باخلاص لنجاحها”.
عواطف نعيم: أزادوهي صاموئيل الفنانة الصامتة
الكاتبة والمخرجة والناقدة الاكاديمية عواطف نعيم، قالت لشبكة رووداو الاعلامية اليوم السبت:”تُعد الفنانة الكبيرة ازادوهي صاموئيل واحدة من الرعيل الأول من الفنانات العراقيات اللواتي شاركن في تأسيس حركة مسرحية عراقية متميزة مع رجالات المسرح العراقي الكبار، وهي أول طالبة تتخرج من معهد الفنون الجميلة وتكون بذلك قد فتحت الباب على سعته لغيرها من الشابات كي يخترن الدراسة في معهد الفنون الجميلة دون وجل او تردد”، منبهة الى ان “آزدوهي كانت من الفنانات اللواتي يعملن ويبدعن داخل فضاء الخشبة بصمت وانتماء يصل حد التصوف، فهي عاشقة لهذا الفضاء الساحر الذي من خلاله تلج عوالم ما كان لها ان تصلها لولا سحر المسرح وحضوره الإسر، الصمت والابتسامة الدافئة هو ما يميز هذه المرأة التي إرتضت ان يكون المسرح الرفيق والحبيب الذي ترتبط معه بوثاق لا ينفصم”.
واضافت الفنانة المسرحية عواطف نعيم قائلة: “كانت آزدوهي حين تعمل في المسرح تفكر وتجتهد كي تقدم التجربة كما تحلم بها، لا تفكر بالحذر بل تفكر بالابداع والمغايرة تحقيقا للدهشة والتجديد لذا فهي حين تعمل تمتلك حضورا قويا وهيمنة متفردة، وحين تراها على خشبة المسرح وهي تتنقل بين كاركترات (شخصيات) متنوعة وحالات نفسية مركبة لا يمكن أن تتصور ان تلك المرأة الخجولة والصامتة هي ذاتها التي كان حضورها الصوتي والجسدي يموج في فضاء الخشبة”، مشيرة الى ان “من يتحرك وينجز ينحت أسمه في الذاكرة والوجدان وآزادوهي صاموئيل الفنانة الواعية ذات الفكر النّير وضعت بصمتها وخطت إسمها بحروف من الزهو والفخر على خارطة المشهد المسرحي العراقي والعربي فخلّدها وأدام ذكرها ما قدمت وما إجتهدت في إنجازه ، من يترك أثره الإبداعي لا تغفله ذاكرة الوطن فطوبى لها في أبداعها وطوبى لها فيما أشاعته من محبة وحضور”.
ماركنيتا نادر: لم يتذكروها في عزلتها
وعبرت الفنانة المسرحية المبدعة ماركنيتا نادر، التي أعتزلت الفن مبكرا بعد رحيل زوجها الفنان الكبير صاحب نعمة عام 2005، عن:” حزنها لرحيل الفنانة آزدوهي صموئيل بعيدا عن وطنها ومدينتها بغداد، وعن اهلها واصدقائها وجمهورها الذي احبها واحب ادوارها على المسرح العراقي”.
وتحدثت ماركنيتا، عن الحياة الاجتماعية للفنانة الرحلة آزدوهي صومائيل، قائلة لشبكة رووداو الاعلامية اليوم السبت، لم:” يعرف عن الفنانة الراحلة آزدوهي انها كانت تتمتع بعلاقات اجتماعية نشيطة، بل منذ شبابها عرفت بانعزالها وانها كانت تذهب الى الفرقة القومية للتمثيل عندما يكون عندها تدريبات او عروض مسرحية او تتابع بعض العروض، وانا اعرفها باعتبارها فنانة مسرحية من جهة وكونها صديقة عائلتي من جهة ثانية، واتذكر آخر مرة قامت بزيارتي لتعزيتي برحيل زوجي الفنان صاحب نعمة عام 2005″، مشيرة الى ان “الفنانة آزدوهي: صارت تبتعد تدريجيا عن الحياة الثقافية والفنية، حيث كانت نادرا ما نشاهدها في العروض المسرحية او في النشاطات الثقافية التي يقيمها اتحاد الادباء والكتاب العراقيين، التي كانت تحرص على حضورها، وكنت اواصل الاتصال بها هاتفيا للسؤال عنها لكنها لم تكن ترد على اتصالاتي حتى عرفت انها اصيبت بمرض وارسلت قبل خمس سنوات حسب اعتقادي، الى ارمينيا عند بعض اقاربها للعلاج هناك، ومن ثم علمت اليوم بوفاتها”.
وعبرت ماركو عن استغرابها “من كل هذه الكتابات التي ازدحمت بها صفحات التواصل الاجتماعي عن الراحلة آزدوهي، فهناك الكثير ممن لا يعرفونها وكتبوا عنها، او نعي نقابة الفنانين لها”، متسائلة: “اين كانت نقابة الفنانين او اصدقائها عندما عاشت الفنانة آزدوهي عزلتها في بغداد، هل سال عنها احد؟، هل دعمها أحد؟ هل حاولت نقابة الفنانين مساعدتها لتلقي العلاج بدلا من ان تترك بلدها؟ ولماذا هذا الاهتمام بالفنانين والمبدعين بعد رحيلهم؟”، مقترحة “عقد ندوة استذكارية لاعمال الفنانة الراحلة بدلا من كل هذا الضجيج غير الصادق”.