يعتبر «لو شون» (25 سبتمبر 1881 – 19 أكتوبر 1936) أهم أديب صيني في القرن العشرين، وهو يسمى «أبو الأدب الصيني» و«عميد الأدب الصيني الحديث» وقصته «يوميات مجنون» هي أول قصة صينية تكتب بأسلوب الأدب الغربي، حيث ينتقد بطل القصة المجنون التراث الذي جعل من المجتمع وحشاً يفترس الأفراد، ويهاجم نظام الأسر والأعراف القديمة التي تضطهد الناس، وتقيد حرياتهم.
أصدر «بيت الحكمة» مختارات قصصية للو شون بعنوان: «يوميات مجنون» من إعداد ومراجعة وتقديم د. أحمد السعيد، وتضم المختارات 18 قصة قصيرة منها «الدواء» و«أوبرا القرية» و«قصة آكيو الحقيقية» إضافة إلى مقدمة كتبها لوشون، مستعرضاً لمحة من حياته ومؤلفاته، التي كتبها بلغة محكمة، اعتمد فيها راوياً وحيداً، خلافاً لتقاليد السرد الصيني، الذي يتبنى تعدد الرواة، وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من 50 لغة، وصار هو الكاتب الأكثر تأثيراً وشهرة في العالم.
ينتقد لو شون في الكثير من أعماله نفاق مثقفي الطبقة الأرستقراطية، ويبدي تعاطفاً مع الطبقات الدنيا من المجتمع، وأسهم خلال عشرينيات وثلاثينات القرن العشرين بفعالية في السجال الأدبي الفكري الصيني، ويعد الأب الروحي لمجموعة من الكتاب الشباب آنذاك، واقترب من الأفكار الماركسية، لكنه رفض الانتماء إليها، وشجع على الكفاح من أجل الاستقلال، والديمقراطية والعدل والحرية، وجعل الناس في ذلك الوقت تتفجر لديهم طاقة روحية جديدة، قادتهم إلى اكتشاف الصين وتغييرها.
يقول د. أحمد السعيد إن الصين ارتقت بروح لو شون، صارت لها روح جديدة للتوازن، وأفق للرؤية، وبوصفه الروح العظيمة للأمة الصينية فقد استخدم أدبه وممارسته وتطبيقه للثقافة، ليظهر أن المثقفين الصينيين الذين يمتلكون معرفة حديثة، يعارضون تقاليد النظام الإقطاعي، والاضطهاد الداخلي والخارجي، ويكافحون من أجل تحرير الإنسان، ومن أجل المسار التاريخي لتحرير الأمة الصينية، وبهذا ترك إرثاً فكرياً غنياً، سيظل له سحره ودوره الثقافي إلى الأبد.
حضور
رغم وفاته في عام 1936 ما زال لو شون يمتلك حضوراً قوياً في الصين اليوم، وأعماله من الكتب الضرورية المحفوظة في المكتبات، ولم تتوقف مراكز الأبحاث عن دراسة أعماله، واختير الكثير من كتاباته ضمن مناهج التعليم الصيني في المرحلتين الثانوية والجامعية. لم يؤثر لو شون في الأوساط الأدبية في المجتمع الصيني المعاصر فحسب، بل في المجتمع بأسره، فكلماته صارت من الثوابت التي يستشهد بها المثقفون، وتشكل جزءاً مهماً من نظام المأثورات الصينية، وخلال الكثير من التغيرات التي حدثت طوال مئة عام، فإن
لو شون لم يعد اسماً لشخص أو لكاتب راحل فقط، بل غدا مرادفاً روحياً وتقليدياً للنقد والمقاومة واليقظة والتنوير.
يكشف الكتاب أنه على مدى القرن الماضي اتبع الأدباء الصينيون التقليد الأدبي، الذي أوجده لو شون، واتخذوا الشعار الذي رفعه: «كشف بقايا المجتمع القديم وحث الناس على الوعي وعلاجهم بأقصى ما يمكن» كرسالة للأدب، ولم يدخروا جهداً في تأليف أعمال إبداعية، تعكس الواقع المعقد لمسيرة تقدم الصين الحديثة، وتتأمل بعمق في الشخصية الوطنية.