فرهاد علاء الدين*
اشتدت وتيرة النقاش والجدل في الاوساط العراقية بعد اصدار بيان من قبل المرجع الديني اية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري يوم ٢٣-٨-٢٠١٩ جاء فيه: “على رجالنا الغيارى في القوّات المسلّحة مواصلة الدفاع الشريف والمشروع عن بيضة الإسلام، وحرمات البلد وكرامته تجاه أيّ تعدٍ على أرضه أو سمائه أو مقرّات قوّاته الباسلة، فخياركم الوحيد ـ يا أبنائي ـ هو المقاومة والدفاع، ومواجهة العدوّ الذي بات ذليلاً منكسراً بالدرجة التي لم يستطع فيها طاغيته (ترامب) في الأمس من دخول أرضكم بشكله المعلن”.
وهذه الدعوة الى القتال اخلتفت بشأنها النخب بين مؤيد ومستنكر، لأن البيان يحث على محاربة الأميركان في العراق وليس في اماكن اخرى، بل وانه قد يحول العراق الى ساحة لهذا الصراع.
يتكهن المراقبون بعدم وجود تأثير كبير للبيان المذكور بحد ذاته على القرار العراقي كون المقلدين للسيد الحائري قلة قليلة وليس له الثقل السياسي الذي كان يتمتع به عندما كان التيار الصدري مقلدا له، كما ان تأثيره ليس بمقدار تأثير المراجع الاخرى وخصوصا عندما التزم السيد السيستاني الصمت في خطبة الجمعة التي تلت انفجار مخازن العتاد والصواريخ.
ان الصراع الدائر بين ايران والولايات المتحدة هو صراع اكبر من حجم وثقل العراق. واشنطن تريد تحجيم النفوذ الايراني المتشعب في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وشمال افريقيا وافغانستان و دول اخرى، فأميركا تخشى تنامي النفوذ الايراني وتريد تحديده بشتى الطرق، كما ان الغرب يخشى تنامي العقول الايرانية العاملة على البرنامج النووي والتقدم الذي حققته ايران في تطوير التكنلوجيا النووية لتصبح قريبة من تصنيع الاسلحة النووية والصواريخ الحاملة لها وهذا يقلق الغرب واسرائيل وهم عازمون على منع ايران باي شكل كان.
وبدورها تريد ايران ان تخرج من طوق الغرب وترسم سياسة التوسع لكي تصبح القوة الاساسية والعظمى في المنطقة، كما يريد الايرانيون ان يتحرروا من القيود الاقتصادية المفروضة عليهم بين الحين والاخر.
لذا ليس من المصلحة العراقية العليا ان تصبح جزءا من هذا الصراع الدائر او ان يكون لاعبا اساسيا فيه، وهذا يعني ان الدخول في الصراع والاصطفاف مع طرف ضد الاخر قد يكون انتحارا للدولة والشعب العراقي. فاذا اختار العراق الاصطفاف مع ايران، فسيكون بإمكان الولايات المتحدة خنق العراق اقتصاديا حيث ان جميع مبيعات النفط العراقية تدخل الصندوق الدولي المحمي من قبل واشنطن، كما ان التعاملات العراقية كلها بالدولار ويعتمد العراق على النفوذ الأميركي في حماية امواله وحماية مصالحه الدولية، كما ان العراق بحاجة الى أميركا للحصول علي القروض والمنح من المؤسسات المالية العالمية، بمعنى اخر، ان العراق من دون الحماية الأميركية يصبح ضعيفا اقتصاديا وعسكريا يعتمد العراق على اميركا للغطاء الجوي في معاركه ضد داعش و حمايته من اطماع الدول القريبة والبعيدة. اما اذا اختار العراق الاصطفاف مع اميركا ضد ايران، فان العراق سيخسر حليفا ستراتيجيا مهما ساعده في الحرب ضد داعش، كما ان اواصر العلاقات الثقافية والدينية والمذهبية بين اكثرية الشعب العراقي والايراني عميقة وليس من السهل الاستغناء عنها، وكما لايران نفوذ سياسي قوي حيث لديها علاقات قوية مع اكثرية القوى السياسية المتنفذة وبامكانها قلب بعض الموازين وحتى تغيير الحكم لو لعبت على هذا الوتر وان استقرار العراق يأتي من استقرار علاقته مع ايران.
ان وجود العراق مهم لكلا الطرفين حيث ان الأميركان يخسرون الكثير اذا ما اصطف العراق مع ايران، إذ ان دائرة الصراع تصبح اكبر بكثير والعراق دولة كبيرة في الجانب النفطي وليس من مصلحة واشنطن الاستراتيجية خسارة العراق كحليف لها، كما ان العراق يعتبر المنفذ والمتنفس لايران واقتصادها الضعيف من جراء الحصار المفروض عليها، ولدى ايران تبادل تجاري كبير مع العراق يصل الى ١٥ مليار دولار والعراق هو الدولة الوحيدة التي تتعامل مع ايران بشكل مباشر بدون ضغوطات من الاميركان، وهذا التبادل التجاري يساعد ايران ان تقف على قدمها بالرغم من الحصار القوي. هذه الاسباب وغيرها تجعل العراق مهم لهما وكل منهما يحاول ألا يضغط على العراق لكي يذهب للاخر وهذا ما يجب ان تفهمه النخب العراقية.
ان البعض من المعارضين العراقيين للأميركان لا يهتمون او لا يفكرون بعواقب الاصطفاف مع ايران، لان الوضع لديهم قائم على الجانب الفقهي والعقائدي وليس مهما تحقيق الجانب المادي والمنطقي، وبالنسبة لهم هذه الحرب مصيرية وغير ذلك لا يهم، متناسين ان الخلاف القائم بين ايران وأميركا ليس خلافا عقائديا او مذهبيا، وانما خلاف مصالح ستراتيجية واقتصادية وعسكرية ومبني على مد النفوذ لا اكثر. والبعض المناهض من العراقيين لايران ونفوذها في العراق يتناسى بان العلاقات الايرانية العراقية تشمل الجانب العقائدي والمذهبي وهذا يهم كثيرا في القرار السياسي.
العراق في وضعه الحالي ليس بامكانه أن يصبح طرفا وهذا ما ادركته المرجعية العليا في النجف والرئاسات الثلاث والحكومة، أذ فضل هؤلاء جميعا ان يكون “العراق اولا” في سياستهم المتبعة وعليهم ان يستمروا بهذه السياسة لان الشعب العراقي بكامل مكوناته لا يتحمل المزيد من الحروب والمآسي والدمار التي شهدها خلال الأعوام الخمسين الماضية، وليس عليهم ان يعيشوا حالة الحرب لعقود اخرى.
بإمكان العراق ان يكون فاعلا ويكثف محاولاته لجلب اطراف الخلاف الى طاولة الحوار والعمل على تجنيب نفسه والمنطقة المزيد من الدمار وهذا ما يجب ان يعمل عليه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء كفريق عمل واحد.. يجمعون رؤساء دول المنطقة في مؤتمر او قمة عاجلة تشارك فيها الامم المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة لكي تتم مناقشة الوضع الراهن والخروج بحلول تجنب المنطقة دمار الحرب القادمة لا سمح اللة
*رئيس المجلس الاستشاري العراقي