فجّرت أسعار الغاز التي تُوصف بـ”الخيالية”، حدّة الانتقادات الموجهة من أوروبا إلى الولايات المتحدة والنرويج، في خضم سعي القارة للحفاظ على إمدادات تعينها على مواجهة أزمة الشتاء المقبل.
ففي كلمة أمام مؤتمر لرجال الأعمال في باريس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن على الدول الأوروبية الانضمام إلى الاقتصادات الآسيوية لمطالبة الولايات المتحدة والنرويج بإبداء صداقة أكبر من خلال بيع الغاز بأسعار منخفضة.
وأضاف أنه “بروح الصداقة العظيمة، سنقول لأصدقائنا الأميركيين والنرويجيين: أنتم رائعون، لأنكم تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة هو أن ندفع أربعة أضعاف السعر الذي تقومون بالبيع به للصناعة لديكم، وهذا ليس المعنى الدقيق للصداقة”.
وتعتزم فرنسا إثارة تلك القضية على طاولة مباحثات مجموعة السبع في اجتماعها المقبل.
ولا تزال أزمة الطاقة تُلقي بظلالها على الأوضاع الداخلية في أوروبا، في خضم مضي روسيا قدماً في إيقاف إمداداتها من الغاز لحين رفع الغرب عقوباته الاقتصادية.
وعلى هذا المنوال مضت ألمانيا، إذ أعرب وزير الاقتصاد روبرت هابيك عن استنكاره لطلب دول “صديقة”، في مقدمها الولايات المتحدة، من بلاده أسعاراً “خيالية” لتوريد الغاز من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية.
وقال هابيك في تصريحات لصحيفة محليّة: “هذه المسألة تجلب بالطبع مشكلات يتعين التحدث بشأنها”، معولاً على المفوضية الأوروبية للتحدث عن هذا الأمر مع تلك الدول.
وطالبت 15 دولة أوروبية بينها فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا، بوضع سقف لأسعار الغاز.
ومن المقرر أن تقدم المفوضية الأوروبية مقترحات في هذا الصدد قبل اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين يومي 11 و12 أكتوبر الجاري.
ومنذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، خفضت موسكو إمدادات الغاز إلى ألمانيا قبل أن توقفها في مطلع سبتمبر، وتمثل تلك الواردات 55 في المئة من إمدادات البلاد قبل النزاع.
ولجأت ألمانيا وفرنسا، كحال “القارة العجوز” بأكملها، بشكل خاص إلى الولايات المتحدة التي زادت صادرات الغاز الطبيعي المسال نحو أوروبا من 28 في المئة إلى 45 في المئة بين عامي 2021 و2022.
وسبق أن أوضح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، صامويل وربيرغ، بحسب “سكاي نيوز عربية”، أنَّ واشنطن “على تواصل مباشر” مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي، لضمان الوصول لإمدادات الطاقة اللازمة، سواء من الولايات المتحدة أو من الدول الأخرى المصدرة للطاقة.
وشدد وربيرغ على أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في عام 2021، وهي في طريقها لتصبح أكبر مصدر إجمالي للغاز الطبيعي المسال هذا العام.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن اتفاقية لإمدادات إضافية هذا العام وزيادة كبيرة حتى عام 2030.
الى ذلك، قال الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة “فيروسي” لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية ومقرها هولندا، سيريل ويدرسهوفن، إنه فيما يتعلق بخطاب ماكرون، فإن القضية الرئيسية هي أن هذا ليس موقفاً واقعياً يتخذه زعيم أوروبي، لكنه بيان داخلي يركز على أوضاع السوق.
وأضاف: “لن ينجح نهج ماكرون، لأن جميع الافتراضات خاطئة، فالولايات المتحدة والنرويج لا تبيعان النفط والغاز مباشرة إلى أوروبا، إنما عبر شركات مستقلة، لذا فهي غير خاضعة لسيطرة الحكومة أو إدارتها”.
وشدد ويدرسهوفن على أن “حديث ماكرون بأنه لا يوجد سوق غاز دولي في الوقت الحالي هو للاستهلاك العام الداخلي بين الاتحاد الأوروبي وفرنسا فقط، فما نراه في الوقت الحاضر هو العمل الوظيفي لسوق الغاز، إذ أن العرض والطلب هو الحاكم، في حين أن القيود الجيوسياسية أو اللوجستية تُشكّل مستويات الأسعار”.
في الوقت نفسه، يرجع جزء من ارتفاع أسعار الغاز إلى استراتيجية متجددة خاطئة تماماً لسنوات في الاتحاد الأوروبي، في حين أن استبدال الغاز بوسائل أخرى مقيد للغاية بواسطة (أوبك +)، ولا يريد الاعتراف بأن هذه الأزمة نتجت عن استراتيجيات الطاقة في الاتحاد الأوروبي والقادة الأميركيين في العقد الماضي ونقص الاستثمارات في هذا القطاع، وفق خبير أسواق النفط والغاز.
وتساءل ويدرسهوفن: “إذا كان بإمكان الولايات المتحدة والنرويج أن يفرضا حداً أقصى لسعر الصادرات، فلماذا يفعلون ذلك؟”، مضيفاً أن “أساسيات السوق الحالية قوية، والمال مطلوب، لذلك من الناحية السياسية فهذا لن يحدث، وفي الوقت نفسه، فإن معظم التجار أو الشركات ليسوا حتى في الولايات المتحدة أو النرويج، لذلك سيشتري العملاء أو التجار شحنة من الغاز، ويضعونها على متن سفينة إلى أوروبا، ثم يقررون أثناء الرحلة شحنها إلى سوق ذات قيمة أعلى”.
“السياسة الأميركية لن تسمح أيضاً بتدخل واشنطن في تحديد الأسعار الخاصة بصادرات الشركات الخاصة”، وفق ما ذكر ويدرسهوفن، الذي لفت إلى أن الشركات الأميركية والنرويجية تعتبر جهات فاعلة في السوق، لذا فإن قضايا العرض والطلب هي من تحدد الأسعار.