بيان الحشد.. هل يدفع العراق رسميا للاستعانة بإيران؟

د. هشام الهاشمي*

تعرف السيادة الجوية بأنها حالة الموقف الجوي الذي يسمح بحرية العمل للقوات المسلحة من أجل تحقيق وتنفيذ مهامها القتالية دون تدخل مطلق من الطيران المعادي.

ويتحقق هذا النوع من السيادة في دولة تمتلك الحد الأدنى من قوة الردع التي تخيف طائرات وصواريخ العدو: بحيث تتكون منظومة الدفاع الجوي من الطائرات المتصدية، ووحدات الصواريخ أرض–جو والمدفعية المضادة للطائرات ووحدات الإنذار والسيطرة، التي تتلخص مهامها بالاستطلاع المستمر للمجال الجوي والإنذار المبكر عن العدو القادم جوا، ومنع استطلاع العدو الجوي للأهداف الحيوية والاستراتيجية، وتأمين الدفاع الجوي عن الأهداف الحيوية للدولة والتشكيلات البرية في الميدان في كافة مراحل العمليات، وتدمير أسلحة الهجوم الجوي المعادي على طرق اقترابها.

في الحروب الماضية كان العنصر الأساسي في بناء قوة الردع للعدو هي القوة الشاملة- فرق مدرعات- طائرات حربية- والهدف منها التعامل مع جيش نظامي ومسك أراضٍ، لكن التعاظم والتعزيز يتجه اليوم نحو التزود بالأسلحة التي يمكنها المساس بقدرات الاخر عن بعد من خلال تحسين الدقة وزيادة المدى وإدخال مناطق مكتظة سكانيا داخل حلقة التهديد.. إن سباق التزود والتسلح هذا والذي لم يسبق له مثيل في حلقات التهديد القريبة والمتاخمة حدوديا وكذلك في الحلقات البعيدة، يعكس تطلع فصائل “محور المقاومة” إلى تغيير ميزان الردع العسكري بواسطة تحسين قدرة إطلاق الصواريخ على إسرائيل ومناطق الاكتظاظ التهديد الاستراتيجي فيها.

إن فجوات القوة بين الدفاعات الجوية العراقية وسلاح الجو الإسرائيلي جعلت العراق وقواته الدفاعية الطرف الضعيف، وتاليا قد يكون بيان أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، اعلانا لـ”جهاد الدفع”، أو حق المظلوم بالمقاومة وصد العدوان، بيان صريح في اتهام التواطؤ الأمريكي الإسرائيلي بعمليات جوية بطائرات مسيرة باستنزاف سلاح فصائل معينة من الحشد الشعبي.

إن جهود سلاح الجو الإسرائيلي المكرسة لاستنزاف المخازن الاستراتيجية للحشد ومصانع تطوير الصواريخ والدروع ومختبرات ومعامل التصنيع العسكري تستند إلى ثلاثة افتراضات أساسية من وجهة نظر النواة القيادية المؤسسة لهيئة الحشد:

١- نقطة ضعف هيئة الحشد الشعبي تكمن في عدم قدرتها على الرد المباشر على عدوان سلاح الجو الإسرائيلي، وأيضا عدم قدرتها على الصمود في معركة جوية متواصلة غير متكافئة.

٢- إن العدوان الجوي الإسرائيلي هو لزعزعة الثقة بقوة وقدرات الحشد الشعبي على التصدي لملف حماية امن واستقرار العراق، وهذا سيؤدي إلى ممارسة الجماهير ضغطا على الكادر القيادي والسياسي الساند للحشد الشعبي على تغيير خطابهم وسلوكهم كمجموعة من محاور المقاومة.

٣- إن استهداف مخازن سلاح الحشد الشعبي يشكل نقطة ضعف أخرى لقوات الحشد بسبب الحساسية المتعلقة بالتعويضات المالية والضحايا والاصابات البشرية، وكذلك بسبب وجودها في أحياء مكتظة بالسكان.

وعلى الرغم من تعاظم قدرات نحو ٢٠ بالمئة من فصائل الحشد الشعبي العقائدية في قتال الشوارع والحرب الهجينة والمناورة البرية واشتباك القوات التقليدية، في جميع المواجهات مع وحدات داعش القتالية، إلا أنها منعت من تطوير قدراتها الجوية والدفاعية بعيدة المدى لأسباب كثيرة، وبالتالي فهي لا تمتلك القدرة على الصمود في صراع استنزاف، وهي تعلم ان هناك فجوات واضحة بينها وبين القدرات الإسرائيلية في القدرات “العسكرية التقليدية والتكنولوجية وسيتطلع الطرف البعيد إلى جر الحرب نحو اختبار الصمود واختبار طول النفس وبالاستناد إلى العيوب والنواقص في منظومات سلاح الجو والدفاعات الجوية” .

كل ذلك يجعل هيئة الحشد الشعبي تطالب بالتزود بأسلحة صاروخية ارض- ارض بعيدة المدى من نوع فاتح ١١٠ وذو الفقار وصواريخ سكود الروسية المطورة بعيدة المدى.

وإلى جانب ذلك، تعززت النظرية القائلة بأنه وبواسطة السلاح الباليستي يمكن وبسهولة نسبية تحقيق ضربة قاسية وخطيرة في الوسائل العدوانية الخاصة بالجيش الإسرائيلي.

وفي البيان إشارة إلى ميل الفصائل المستهدفة الى اتباع تكتيك القتال غير المتناسب، وأحد الأدوات الردعية لتحقيق ذلك الرد، وفي إطار غياب القدرة الدفاعية والهجومية الجوية على تحقيق الردع، فأن هيئة الحشد قد تلجأ الى:

١- المسالك الدبلوماسية عبر وزارة الخارجية العراقية ورفع الأدلة الى مجلس الامن بمعونة روسيا والصين والاتحاد الأوربي والمنضمات الدولية، لمنع تكرار العدوان من جديد.

٢- رفع وسائل الضغط الشعبي والسياسي والإعلامي على حكومة عادل عبد المهدي لكي تضغط على حليفتها الولايات المتحدة لتفسير ما تضمنه هذا البيان والأدلة التي الملحقة به.

٣- عند تكرار الاعتداء، فان فصائل من الحشد او مجاميع خاصة، تنتظر الفتوى لاستهداف مصالح الولايات المتحدة ومعسكراتها في العراق، وهذا هو المساس المقصود والموجه للجبهة الخلفية لإسرائيل وامريكا سواء بواسطة العمليات العشوائية وحرب العصابات أو بواسطة الصواريخ قصيرة المدى وما شابهها من الأسلحة وهي كثيرة لدى تلك المجاميع الخاصة وأصبحت اكثر دقة واشد نكاية.

٤- إن عدم التناسب بين إسرائيل وقوات الحشد الشعبي من حيث القوة والقدرات الحربية ليس بالمسألة الجديدة، إذ أن فصائل من الحشد الشعبي قد اضطرت لبلورة نظرية أمنية تواجه الفارق العسكري الكبير في الكم والقيود الجغرافية التي تمنع من ردع إسرائيل، بسبب ان حكومات لبنان والأردن وسوريا تمنع استهداف إسرائيل من أراضيها وتعده عملا إرهابيا. إن قيادة الفصائل المستهدفة من قبل الحشد متيقنة من عدم قدرتها على مواجهة قدرات سلاح الجو للجيش الإسرائيلي في حرب “الاذرع البعيدة”، ولا يمكنهم القتال البري المباشر مع إسرائيل واقتحام حدودها لتدمير منصاتها العدوانية.

5- كل ذلك قد يدفع المجامع المقاومة في الحشد الشعبي الى التوجه الخاص بالتركيز على المصالح الامريكية وحلفائها المدنيين وغير المدنيين في العراق، ويعتمدون على يقينهم التام بأن هذه هي نقطة الضعف لدى إسرائيل، ولو في هذه المرحلة لإيقاف عدوان اسرائيل، إن وجهة النظر هذه قد تجسدت من خلال بيان المهندس.

مرت منظومة الدفاع الجوية بعمليات إنهاك وتدمير كامل:

 ١٧/١/١٩٩١عملية عاصفة الصحراء، لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي وانتهت.

المعارك التي أطلق عليها العراق أم المعارك في ٢٨/٢/١٩٩١بوقف إطلاق النار وتحرير دولة الكويت بعد ٣ ايام من بدء الهجوم البري الذي بدأ بعد ٤٥ يوما من القصف الجوي والبحري المكثف شاركت فيه 2000 طائرة قامت بـ١١٠ آلاف طلعة جوية دمرت فيه بنية الدفاعات الجوية العراقية بشكل كامل.

١٦/١٢/١٩٩٨ عملية ثعلب الصحراء، وهي عملية محدودة بغرض إسقاط النظام السابق، وشاركت فيها قوات من الولايات المتحدة وبريطانيا، واعتمدت على القصف الجوي والبحري وصواريخ كروز بشكل رئيسي، توقفت بعد ثلاثة أيام في ١٩/٢/١٩٩٨، ٦٥٠ عملية قصف من السفن والقواعد الجوية في الخليج وتركيا وضربات ب٤٠٠ صاروخ موجه ذكي، وأيضا دمرت منظومة الدفاع الجوي العراقي بشكل كامل للمرة الثانية.

١٩9٩-٢٠٠٢ حرب الاستنزاف والانهاك، بين القوة الجوية التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا، والدفاع الجوي العراقي، حيث تم توجيه آلاف الضربات والمناوشات إلى أهداف قواعد جوية والرادارات وأسلحة الدفاع الجوي العراقية لغرض تحييدها تمهيدا لغزو العراق. وأعلنت القيادة العسكرية العراقية في حينها عن مكافأة مالية ضخمة لمن يسقط طائرة أميركية ١٠٠ مليون دينار عراقي، حيث تمت إصابة عدة طائرات للتحالف شوهدت وهي تحترق، وأعلنت القيادة العسكرية الأميركية عن مصير مجهول لطائرتي شبح أميركيتين على الأقل في نفس القترة.

٢٠٠٣ عملية حرية العراق لإسقاط رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، وأدت إلى احتلال العراق وشاركت فيها قوات أميركية وبريطانيا بشكل رئيسي، إضافة إلى قوات من ١٠ دول أخرى، وانتهت بشكل رسمي في ٢ أيار ٢٠٠٣، عندما أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش من على متن حاملة الطائرات الأميركية ابراهام لنكولن إعلانه الشهير المهمة أنجزت!

هذه استنزفت كل قدرات الدفاعات الجوية بالتدمير والسرقات المتعمدة من قبل تجار السلاح وتعمد غض الطرف من قوات الاحتلال.

منظومة الدفاع الجوي العراقي بعد ٢٠١١:

الولايات المتحدة غادرت العراق وهو لا يمتلك ما يمكن الاعتماد عليه لتأمين مجاله الجوي، وأوضحت التقارير للمفتش العام الخاص بإعادة إعمار العراق عام ٢٠١٢ ان كل ما تشتمل عليه منظومة الدفاع الجوي للعراق هي منظومتا مسح راداري وثلاثة رادارات تحكم بالمجال الجوي فضلا عن راجمات مقاومة طائرات ترجع لعهد صدام.

منظومة الدفاع الجوي العراقي بعد عام ٢٠١٥:

بحسب خلية الخبراء التكتيكية؛ العراق يمتلك محطات لرادار TPS77 العملاق الامريكي الذي يبلغ مدى كشفه للأهداف الجوية 400 كم وبارتفاع 30كم ومدى هذا الرادارات يغطي اجزاء من دول الجوار، بالإضافة الى رادارات سينتينل AN-MPQ 64 المتنقلة يصل مداها 75 كم بدرجة كشف 360 درجة.

ومن ناحية الحماية تتوفر لدى الدفاع الجوي منظومات بانتسير الروسية بنسخة خاصة (جانوس) برادار ايسا يصل مدى كشفه 80 كم بأعداد جيدة موزعة على القواعد والمعسكرات والمطارات والمنشأت الهامة قادرة على استهداف الاهداف الجوية بنطاق 20 كم هذه المنظومة الاحدث في العالم من فئتها قادرة على القتل الصامت والمقاومة في بيئة التشويش وسجلت نجاحات باستهداف صواريخ جوالة في سوريا. وكذلك هناك منظومات افنجرز ومدفعية مضادة وصواريخ مانباد كتفية.

وبحسب تحليلي فان منظومة الدفاع الجوي العراقي لا تزال غير كفوءة في مواجهة أي عدوان من قبل السلاح الجوي الإسرائيلي بسبب عدم نية المجهز الروسي والامريكي تزويد أية دولة في المنطقة بسلاح يردع قوة وقدرات السلاح الإسرائيلي، وهذا قد يدفع بالبرلمان العراقي الى تشريع الاستعانة بقدرات الدفاع الجوي الإيرانية لحماية معسكرات الحشد الشعبي من أي عدوان محتمل في المرحلة القادمة.

*كاتب وباحث مختص بالشؤون الأمنية والجماعات المسلحة، باحث زائر ومشارك في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ومراكز الدراسات الاستراتيجية العراقية والعربية، وهو مؤلف كتاب “عالم داعش” والمقال عن صحيفة “العالم الجديد” العراقية الأليكترونية