علي عبدالأمير عجام
يحتفل موسيقيو العالم في أكثر من محفل وبلد، بالذكرى الخمسين لحدث بارز في القرن العشرين مثّله “معرض وودستوك للموسيقى والفن”، المعروف بـ “مهرجان وودستوك” الذي أقيم تحت عنوان “3 أيام من السلام والموسيقى” في مزرعة ألبان بالقرب من قرية “وايت ليك” في بلدة بيثل في نيويورك، من 15 – 18 آب/أغسطس 1969.
واشتق اسم المهرجان من بلدة وودستوك والتي تبعد 100 كم عن مزرعة الألبان التي شهدت الحدث الحقيقي وفيه تم تقديم 32 عرضا موسيقيا وغنائيا أمام 400 ألف متفرج، وصنّفته مجلة “رولينغ ستون” الموسيقية الشهيرة ضمن قائمة 50 حدثاً غيّرت تاريخ موسيقى الروك آند رول.
من بين الموسيقيين الذي أحيوا الحدث، كان هناك جيمي هندريكس ورافي شانكار وجوان بيز وجون سيباستيان وجانيس جوبلين و”ذا هو” وسانتانا وغيرهم.
الحدث تم تصويره في الفيلم الوثائقي الناجح “وودستوك” والذي صدر في العام 1970، بعد سنة من المهرجان، مصحوباً بموسيقى المهرجان من ضمنها أغنية “وودستوك” لجوني ميتشل، والتي أحيت المهرجان. حقق الوثائقي نجاحاً كبيراً وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي.
مشهد عام لمهرجان “وود ستوك” الأميركي وفي الإطار فرقة موسيقية غربية ببغداد
بعد نحو شهر أو أكثر، تجمّع أكثر من عشر فرق موسيقية “غربية” في مهرجان تواصل لنحو يومين في مقر نقابة الموسيقيين العراقيين في ساحة الأندلس، ضمن محاكاة ذكية للحدث الأصلي، وتصاعدت خلاله أغنيات فرق “إيغلز”، فرقة “شيراك”، وفرقة “13 ونصف” بقيادة إلهام المدفعي، وغيرها من فرق المحترفين والهواة.
عن الحدث يكتب كريكور غريبيك “قررنا في جمعية الموسيقيين العراقيين الكائنة في ساحة الأندلس آنذاك/ اللجنة الفنية العاملة لعازفي الفرق الموسيقيةالغربية العراقيين، وكوني رئيس اللجنة، ورئيس فرقة ايغلز “النسور” العراقية، والفنان المرحوم رياض كلدر، سكرتير جمعية الموسيقيين العراقيين، ورئيس فرقة “تندر” الموسيقية الغربية، بالمساهمة في إقامة مهرجان للفرق الموسيقية الغربية العراقيين على غرار الوود ستوك في حديقة الجمعية، وتم الإعلان، وكان الدعوة مجاناً للجميع، ولمدة يومين، فامتلأت الحديقة بجمهور غفير من المستمعين والمشاهدين، ومنهم من تسلقوا الجدران، للاستمتاع باداء الجيد والمتميز للفرق المشاركة، وكما اتذكر كانوا من ضمن الجمهور، موسيقيون من بعض الدول العربية، أبهرهم الاداء الممتاز للفرق الموسيقية المشاركة، ولا يفوتني التذكير باسماء الفرق المشاركة، وهم الاخ الفنان الهام المدفعي ” فرقة ١٣/٥” والأخ الفنان المرحوم رياض كلدر “فرقة تندر” والأخ الفنان آرمين “فرقة ٩٩٪، والأخ الفنان هرانت “فرقة شيراك” وكذلك فرقة كنار، وأنا، اخوكم الفنان كريكور (كوكو)” فرقة ايكلز/النسور العراقية، وكما ساهموا في إنجاح المهرجان عدد من الأخوة الفنانين، اعتذر بنسيان اسمائهم واسماء الفرق الموسيقية الذي كانوا يمثلونها”.
ولأن المهرجان الأصلي هو “أيام السلام والموسيقى”، فقد استثمر فنانو الموسيقى الغربية العراقيون أجواء الفرح الشعبي والانفتاح التي أثارها في بغداد والعراق عموماً، اتفاق 11 آذار 1970 للسلام مع الكرد، لتنظيم نسخة أكبر من “وود ستوك” عراقي ففي نهار الجمعة الذي تلا الاتفاق انتشرت الفرق الموسيقية الغربية على طول الحدائق في منطقة “صدر القناة”، ضمن عرض موسيقي جاء مع الانفتاح المكاني (ضفاف القناة وحدائقها وبساتينها الخضراء) تطبيقاً جميلاً للنسخة الأصلية من المهرجان الأميركي.
وإلى جانب الفرق الموسيقية الغربية المبادرة للحدث، كانت هناك عروض الموسيقى الشعبية العربية والكردية والتعبيرات الراقصة العفوية الجميلة.
كان الحدث العراقي النادر ذاك ترجمة عفوية لمعنى الانفتاح الثقافي في العراق على العالم واحداثه الانسانية البارزة. المعنى الذي ستفتقده البلاد شيئا فشيئا مع دخول السلطة مرحلة التوحش والانقضاض على السلم المجتمعي شيئا فشيئاً وصولاً الى مرحلة الحطام.