عبدالزهرة محمد الهنداوي*
منذ سبعينيات القرن الماضي، لم يشهد العراق استحداث أي محافظات جديدة، ليبقى العدد كما هو ١٨ محافظة، عدم الاستحداث هذا بالتأكيد، رافقه زيادات سكانية هائلة ، اذ تضاعف سكان العراق ثلاث مرات خلال الأربعة عقود الماضية ، ففي عام ١٩٧٧ ، حيث شهدت البلاد اجراء التعداد السكاني ، بلغ عدد السكان ١٢ مليوناً و٥٠٠ الف نسمة ، فيما نتحدث اليوم عن عدد تجاوز الـ(٣٨) مليون إنسان ، ولكن رغم ذلك ، لم تتوسع المحافظات او يزداد عددها ، لتبقى مراكز المدن مختنقة ، وإداراتها غير قادرة على تلبية متطلبات السكان الحياتية ، فيما نجد ان الوضع مختلف تماما في الدول المجاورة ، فهناك توسع كبير في عدد محافظاتها ، فهذه تركيا مثلا ، الى وقت قريب ، كان عدد المحافظات فيها ٣٠ محافظة ، فأصبحت الان ٨١ محافظة ، اكبرها استطنبول بتعداد سكاني وصل الى ١٥ مليون وأصغرها بايبورت بـ(٩٧) الف نسمة ، والحال ذاته ينسحب على المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية ولبنان وإيران وسواها ..
فلماذا لم يشهد العراق توسعا او زيادة في عدد محافظاته على مدى السنين الطوال ؟ هل المشكلة في الأنظمة والقوانين السائدة ، أم ثمة رفض لمبدأ التوسع هذا ؟ ..
قطعاً توجد أسباب كثيرة ، من أهمها ، عدم وجود توافق ، بين ادارات الأقضية والنواحي التي يُراد لها ان تكون ضمن الحدود الادارية للمحافظة المستحدثة ، فكل أدارة قضاء او ناحية ، تجد ان قضاءها او ناحيتها ، هو الأهم ، وينبغي ان تحمل المحافظة الجديدة اسمه ، او ان يكون هو مركزها الإداري والحضري ، وسبب اخر ، هو التنازع بين هذه الجهات على تحديد الحدود الادارية للمحافظة ، ولهذه الأسباب ، لم تكن عملية الاستحداث سهلة ، لاسيما في ظل غياب وحدة وقوة القرار الإداري ، بسبب سوء المزاج السياسي ..
المشكلة اننا ازاء وضع مختلف ، والواقع التنموي في البلاد يعاني الكثير من الإخفاقات ، وبالتالي اعتقد ان السير باتجاه ، استحداث محافظات جديدة من شأنه ان يسهم في معالجة الخلل الهيكلي في البنية التنموية ، وحتى السياسية أيضا ، لاستحداث محافظات جديدة من خلال رفع مستوى القضاء الى مستوى محافظة ،الذي تتوافر فيه الشروط والمعايير المطلوبة ، التي من بينها ، النشاط الاقتصادي السائد وعدد السكان والإمكانات والمزايا النسبية من حيث توفر الصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمساحات الزراعية الواسعة ومشاريع الري والبزل والسدود والخزانات والمواقع الأثرية والبنى التحتية وخطوط السكك الحديد وشبكات الطرق والخدمات العامة والمراكز الحضرية ، وغير ذلك ، وهي في نهاية المطاف، معايير مهمة وذات جدوى اقتصادية عالية ، لاننا في مثل هذه الحالة ، سننجح في تحقيق التنمية المكانية ، لان موازنة المحافظة افضل من موازنة القضاء ، كما ان ، استحداث محافظات جديدة من شأنه ان يخفف عن المحافظات الموجودة والتي تعاني من مشاكل وإرباكات كثيرة ، وفي الجانب السياسي ،فإن عملية الاستحداث الجديدة للمحافظات ، سيزيد من عدد الدوائر الانتخابية ، وبالتالي فان التمثيل النيابي سيكون عادلا ، أما من يتحدث عن عدم وجود غطاء قانوني لعملية الاستحداث ، فاعتقد ، ان المادة ٤|١١ من قانون المحافظات رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨ المعدل ، التي نصت على ” المصادقة بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس على اجراء التغييرات الادارية على الأقضية والنواحي والقرى ، بالدمج والاستحداث ….”، تبدو صريحة وواضحة ، وتصلح ان تكون غطاءً قانونيا ، لعملية الاستحداث المطلوبة ، وحتى لو افترضنا ان هذه المادة غير موجودة ، فينبغي ان تكون هناك إجراءات حكومية باتجاء إحداث التغييرات الإدارية ، فاليوم لدينا زيادات كبيرة في عدد السكان ، يقابله وجود عدد من الأقضية المستحقة ان يُرفع مستواها الى مستوى محافظة.
*صحافي وكاتب والناطق الرسمي لوزارة التخطيط العراقية والمقال عن صحيفة “الصباح” البغدادية.