لغز الطائرات المسيرة.. هل تقصفنا إسرائيل؟!

مشرق عباس*

الصواريخ التي ارعبت بغداد مساء الاثنين وهي تنفجر عشوائياً في كل الاتجاهات منطلقة من مخازن في معسكر “الصقر” جنوب المدينة، تشبه تلك التي انطلقت بالطريقة نفسها خلال انفجار معسكر “الشهداء” في آمرلي شمال بغداد قبل أسابيع، والروايات حول الحادثتين تبدو متطابقة ايضاً، حتى في تناقضها مع بعضها، فيما كان سيناريو تعرض المعسكرين اللذين يضمان كما يبدو مخازن أسلحة “الحشد الشعبي” إلى قصف اسرائيلي بطائرة مسيرة، يبرز بقوة حتى عندما تعلن السلطات الرسمية عن أسباب ذاتية لتلك التفجيرات.
وعلى رغم أنه ليس هناك إعلانات رسمية عراقية أو أميركية أو إسرائيلية تؤكد القصف الإسرائيلي داخل الأراضي العراقية، فإن عمليات تفجير غريبة داخل معسكرات لفصائل مسلحة عراقية كانت تواترت ودعمت هذا الاحتمال، وبدأت من قصف ما زال مجهول المصدر قبل نحو عام استهدف تجمعاً لعناصر “الحشد” قرب الحدود السورية، وتم الحديث حينها عن طائرات أميركية نفذت العملية قبل أن ينفي الجانب الأميركي صلته بالحادث، وهو الأمر الذي تكرر في معسكر آمرلي الذي كان الإعلان الأولي حوله من قيادات “الحشد الشعبي” عن تعرضه إلى قصف أميركي، قبل أن يتم سحب هذا الإعلان والحديث عن قصف بطائرة مسيرة إسرائيلية، إلى أن أكدت لجنة تحقيق شكلت حول الموضوع بأن الحادث نجم عن “حريق لوقود صلب نتيجة خلل داخلي”.

بالطبع يمكن الإشارة إلى عشرات من الانفجارات داخل أكداس عتاد تابعة للحشد الشعبي حدثت خلال العامين الماضيين في مناطق متفرقة من العراق وبعضها داخل مناطق سكنية، نتجت عن سوء خزن أو حرائق مجهولة، وامتدت بعض تلك الحوادث لتشمل مخازن لقوات البيشمركة الكردية للأسباب نفسها، وطرحت حولها سناريوهات عديدة لم يكن من بينها السناريو الإسرائيلي، ما يدعم التفسير بأن قلة خبرة هذه الفصائل تبرر سوء خزنها للأسلحة.

نظرية القصف الإسرائيلي كانت طرحت في بعض وسائل الإعلام العراقية، والإيرانية، وحتى الإسرائيلية، بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر الأميركي – الإيراني في الخليج العربي، ولم تكن ترتبط بأية معلومات رسمية مؤكدة، ودارت على مستوى تحليلي في الغالب حول إطلاق واشنطن يد تل ابيب في قصف مواقع عراقية يشك بأنها تضم صواريخ بالستية إيرانية نقلت إلى مناطق متفرقة من العراق، ومن الممكن أن تستخدم في ضرب إسرائيل في حال اندلع نزاع عسكري إيراني – أميركي.

الصمت الحكومي العراقي حول الموضوع بالنفي أو التأكيد كان بدوره فتح باب التأويلات، والموقف الحكومي محرج للغاية في التعاطي مع التفجيرات المتكررة، فمن جهة فإن الاعتراف بوجود صواريخ بالستية إيرانية في العراق قد يعد خرقاً عراقياً لقرارات مجلس الأمن الدولي حول مديات الصواريخ، والذي مازال سارياً، ومن جهة أخرى فإن الاعتراف باستخدام “الحشد الشعبي” لمعسكرات حكومية لخزن أسلحة بطريقة سيئة تعرض حياة المدنيين للخطر يجعل الدولة شريكاً في تلك الحوادث، فيما أن القبول بسيناريو القصف الأميركي أو الإسرائيلي للمعسكرات يغير معادلات ما يمكن وصفه بـ”التوازن الهش” الذي يحاول العراق تثبيته بشق الأنفس من أجل الحفاظ على العلاقة مع واشنطن وطهران في آن واحد.

وإلى حين انكشاف حقيقة واضحة حول هذه الأحداث، فإن تعرض العراق أو في الأقل معسكرات الحشد داخل أراضيه إلى قصف إسرائيلي لن يكون تفسيراً مستبعداً، خصوصاً في حال استمرت الأدوار الخارجية التي ما زالت بعض فصائل الحشد الشعبي تحاول لعبها، والتهديدات التي تستمر في إطلاقها، والتأكيدات المتصاعدة حول نيتها الاشتراك لصالح إيران في أي تصعيد عسكري في المنطقة.

وفي كل الأحوال، فإن السيطرة على مخازن الأسلحة العراقية خصوصاً الثقيلة منها وخزنها برعاية وحدات الجيش العراقي المدربة على التعامل مع هذه الأسلحة، قد تكون الخطوة الاولى التي يجب ان تتبناها الحكومة العراقية بالتزامن مع تحديد دقيق لمستوى التسليح المسموح به لكل الوحدات الأمنية، ومعروف أن الدول تحدد مستويات مختلفة للتسليح حتى داخل جيوشها الرسمية وتفصل الأسلحة وتنظم عمليات تخزينها، فكيف والأمر في معسكر “الصقر” بحسب الاعلانات الرسمية يتعلق بوحدات من “الشرطة الاتحادية” تتجحفل معها وحدات من “الحشد الشعبي”!

 

*صحافي وكاتب عراقي والمقال عن “الحياة”