أرسلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية للإنتخابات المبكرة التي جرت في 10/10 الى المحكمة الاتحادية في 1 / 11 للمصادقة عليها. تباينت ردود فعل القوى السياسية بين مرحب كالتيار الصدري وبقية القوى الفائزة وبين رافض من قوى معترضة على تلك النتائج والتي توعدت باللجوء الى المحكمة الاتحادية وسط مظاهر اعتصام امام بوابة المنطقة الخضراء مع تهديد بين حين وآخر بدخول المنطقة المحصنة.
التيار الصدري ونشوة الفوز
اكدت المفوضية فوز التيار الصدري بنحو 74 مقعدا، والتي تمثل ما يقارب أربعون بالمائة من عدد المقاعد الشيعية و22 بالمائة من مجموع مقاعد مجلس النواب، مما جعل للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر يبلغون نشوة الانتصار. جاء الفوز جراء عمل محترف وممنهج تم الاشراف والتخطيط له بعناية وسابق عزم وتصميم وبلغته ماكنة التيار الانتخابية بحرفية عالية وفهم عميق للعملية الانتخابية وقواعدها.
هذا الفوز اللافت دفع التيار الصدري لإعلان نيته تشكيل حكومة أغلبية، اذ غرد مقتدى الصدر في 31 تشرين الاول 2021 قائلا ” أنني أرى أن أول ما ينبغي فعله مستقبلا للوطن هو حكومة أغلبية وطنية فيكون في البرلمان جهتان، جهة الموالاة إن جاز التعبير وهي التي تشكل الحكومة وتأخذ على عاتقها الإصلاحات… وجهة معارضة، وسيكونون لنا أخوة في الوطن وسيكون توافقهم استشارة ملزمة لنا ولن نهمشهم”.
كان الصدر يعول على حلفائه من الأحزاب التي دخلوا معه في مفاوضات معمقة قبيل الانتخابات، بينها الحزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة، مسعود بارزاني، وتحالف تقدم برئاسة، محمد الحلبوسي، لكنه فوجئ بمطالبته من قبل هذه الأحزاب ضرورة توصله الى تفاهمات مع القوى الأخرى داخل البيت الشيعي قبل الدخول في أي تحالفات جدية لتشكيل الأغلبية الوطنية.
الصدر من جانبه أعلن نيته محاورة الكتل المنضوية داخل الاطار التنسيقي ودعاهم الى زيارة النجف والاجتماع في بيت ابيه المرجع الراحل محمد محمد صادق الصدر لكن قيادات الاطار ابلغته رغبتها بلقاء تمهيدي مع وفد من التيار قبل تلبية دعوته مما دفعه لزيارة بغداد بنفسه ولقاء تلك القيادات في منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري يوم 2 كانون الاول الجاري، لكنه خرج من الاجتماع دون التوصل الى أي اتفاق يذكر، ناشرا تغريدة مقتضبة مكتوبة بخط اليد تقول “لا شرقية، ولا غربية، حكومة اغلبية وطنية”.
كان من المفترض ان تبادل قيادات الاطار التنسيقي زيارة الصدر بزيارة مماثلة الى النجف الاشرف في غضون أسبوع، لكنها شرعت بحراك آخر يوازي حراك الصدر وسنأتي على ذكره لاحقا. مما دفع التيار الى الإستغراق بنشوة الفوز بإنتظار مصادقة النتائج النهائية للانتخابات وماسينتهي اليه حراك الاطار التنسيقي. في ذات الوقت استمر تجميد حراك الهيئة السياسية للتيار ووقف اتصالاته بالقوى السياسية للتباحث حول تشكيل الأغلبية التي يطالب بها الصدر.
الماكنة الإعلامية للتيار الصدري طالها السكون هي الأخرى مكتفية بما ينشره زعيمها من تغريدات بين حين وآخر والتي تراجعت بشكل ملحوظ اذ أطلق نحو 19 تغريدة بين العاشر من تشرين الاول حتى نهايته، مقابل نحو 9 تغريدات خلال شهر تشرين الثاني، في حين لم يغرد سوى مرة واحدة فقط خلال شهر كانون الاول الجاري بعيد لقاء منزل العامري.
حالة السكون الصدري استثمرها الاطار التنسيقي لتبني استراتيجية مغايرة تهدف الى الدفع نحو مزيد من تأخير الحسم وسط حراك دؤوب على مختلف المستويات لتشكيل تحالف جديد مع القوى السياسية لإجبار الصدر للجلوس على مائدة مفاوضات الاطار.
الاطار يتحرك في جميع الاتجاهات
ما أن اجتازت القوى السياسية داخل الاطار التنسيقي مرحلة الصدمة بنتائجها المخيبة للآمال المعقودة حتى دخلت مرحلة الحراك السياسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والعودة الى ناصية التحكم بالمشهد السياسي عبر اعتماد استراتيجية الضغط والإنفتاح، كانت أولى خطواتها تنظيم تظاهرات غاضبة اعقبتها اعتصامات حاشدة امام بوابة المنطقة الخضراء مازالت مستمرة حتى اليوم تطالب بإعادة العد والفرز اليدوي والتهديد بإجتياح المنطقة الخضراء، في ذات الوقت الإعلان عن اللجوء الى المحكمة الاتحادية لقطع الطريق على المصادقة والضغط على المحكمة لإلغاء الانتخابات برمتها.
على صعيد متصل حرصت هذه القوى على إبقاء الاطار التنسيقي موحدا والحيلولة دون انسحاب أي كتلة، فضلا على دعوة الفائزين المستقلين للانضمام للاطار وحضور اجتماعاته. الى ذلك ساهمت بدفع كتل وشخصيات سنية متنافسة مع تحالف تقدم لتأسيس وتقوية تحالف جديد لينافس تحالف تقدم على المناصب العليا في مقدمتها رئاسة البرلمان. تحالفا تقدم والعزم اجتمعا مرتين واصدرا بيانا بتاريخ 14 من الشهر الجاري أعلن عن ” تشكيل وفد تفاوضي موحد يضم تحالفي تقدم والعزم، للتفاوض مع بقية الشركاء” وبذلك قطعت الطريق امام رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي للانضمام للصدر لوحده بل وعدم التحالف مع أي مشروع آخر دون التفاهم مع قوى التحالف الجديد.
من المقرر ان يزور أربيل والسليمانية في القريب العاجل وفد رفيع المستوى من الاطار بهدف التشاور والتباحث مع القوى السياسية الكوردية، وقد سبق وأن التقى وفد الحزب الديموقراطي الكوردستاني بقيادة، هوشيار زيباري، تحالف الفتح بقيادة، هادي العامري، في بغداد يوم 14 من الشهر الجاري واصدر تحالف الفتح بيانا نقل عن زيباري قوله “موقفنا واضح لحد الان، ولن نكون مع اي طرف دون اخر ولدينا مشتركات يجب ان نتعاون جميعا من اجلها…..أنتم حلفائنا وتربطنا علاقات جهادية وسياسية وحكومية منذ عشرات السنين، ولدينا تفاهمات مع باقي القوى السياسية، ونحن نعمل مع الجميع لحلحلة التوترات والمشاكل في الوضع السياسي الحالي”.
بات من الواضح ان الاطار التنسيقي نجح حتى اللحظة في منع تحالف الكورد والسنة مع التيار الصدري لتشكيل تحالف يفضي الى تشكيل حكومة الأغلبية.
هل يتكرر سيناريو عام 2010 ؟!
القوى السياسية داخل الاطار ازدادت ثقة بعد اجتيازها المرحلة الحرجة وباتت تتصرف على أنها هي من ترسم ملامح الخارطة السياسية القادمة، تاركة الجميع يترقب خطواتها والتي باتت تأتي متأنية وسط عدم وجود توقيتات دستورية حاكمة مما يمنحها متسع من الوقت لحين المصادقة على النتائج النهائية.
ثمة أوجه تشابه بين ما يقوم به الاطار التنسيقي وما قام به إئتلاف دولة القانون بعد انتخابات 7 اذار عام 2010، اذ ان دولة القانون تحركت على المحكمة الاتحادية مطالبة بتفسير الكتلة الأكبر ان كانت تمثل الفائز الأول بالإنتخابات أم تلك التي تتشكل داخل اول جلسة للبرلمان الجديد، وقد حصلت على مبتغاها في 25 اذار 2010. كما طعنت بنتائج الانتخابات مطالبة إعادة العد والفرز اليدوي وتمكنت من الزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بذلك، حيث جرت إعادة العد والفرز لمحافظة بغداد وتعطيل إعلان النتائج حتى نهاية شهر أيار 2010، أي مايقارب الشهرين، حيث صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات مطلع حزيران 2010، عندها وافقت دولة القانون لتبدأ حراكها في تشكيل الكتلة الأكبر، وأول طرف حاورته كان إئتلاف العراقية ( الفائز في الانتخابات ) واستمرت مفاوضاتهما قرابة الثلاثة اشهر لتنتهي من دون اتفاق ! في ذات الوقت حرص زعيم دولة القانون نوري المالكي على التفاوض مع القوى الكوردية والذي تمخض عن اتفاق ثنائي مع زعيم الحزب الديموقراطي سمي باتفاقية أربيل في الثامن من آب 2010. في ذات الوقت بدأت دولة القانون بمحاورة الكتل الشيعية لتشكيل تحالف شيعي كبير والاتفاق مع الائتلاف الوطني الموحد لترشيحه كرئيس لمجلس الوزراء لدورة ثانية في 2 تشرين الاول 2010. وبذلك نجحت دولة القانون وزعيمها نوري المالكي في قطع الطريق على القائمة العراقية لتشكيل أي تحالف مع الكتل السياسية وكذلك التمكن من جذب منافسين وتشكيل تحالف يضمن الكتلة الأكبر وبالتالي ترشيحه لدورة ثانية.
من هنا يتضح تشابه طبيعة ونمط حراك الاطار التنسيقي مع حراك دولة القانون عام 2010، فالاطار هنا طالب بإعادة العد والفرز اليدوي كما لجأ الى المحكمة الاتحادية للطعن في الانتخابات ومنعها من المصادقة بالرغم من مرور اكثر من 3 أسابيع على ارسال النتائج النهائية. وبدأ بالتفاوض مع الفائز الأكبر (الكتلة الصدرية) والان يمارس ضغطا على تحالف العزم للانضمام الى الاطار التنسيقي ومنع القوى الأخرى من التحالف مع الكتلة الصدرية.
المفارقة اللافتة هنا أن جمود وصمت التيار الصدري يماثل تماما موقف القائمة العراقية وعدم تصديها لحسم تحديد وتسمية الكتلة الأكبر او حتى التحرك لتشكيل تحالف ساند ومؤثر بالرغم من وجود التحالف الوطني الذي فاز بـ71 مقعد والتحالف الكوردستاني الفائز بـ43 مقعد، وجمع اكثر من 200 مقعد وبالتالي تشكيل الحكومة.
الى ذلك غرد القيادي في التيار الصدري جليل النوري في 12 تشرين الاول 2010 قائلا “الصدر ليس علاوي”. ما يعني ان المقارنة حاضرة في اذهان التيار الصدري، وان كانوا يعتقدون بان التيار الصدري ليس القائمة العراقية.
لعبة السيناريوهات الأخيرة
اذا كانت مفاوضات عام 2010 بوصلة لما سيحصل في الأيام القادمة، فأن مصادقة المحكمة الاتحادية لن تكون بعيدة المنال وقد تحدث بعد فترة وجيزة وسوف تتحرك القوى السياسية للجلوس على طاولة الحوار للاتفاق على سيناريو معين لعبور المرحلة.
الاحداث والتصريحات السياسية في الأسبوعين المنصرمين تشير الى أن التيار الصدري لن يتمكن من بلوغ مسعاه في تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية برئاسة الكتلة الصدرية اذا لم يشرك معه مجموعة من الأحزاب الشيعية وتغيير موقف الكورد والسنة من عدم المشاركة معه من دون التوافق مع القوى الشيعية الأخرى.
البديل المتوقع سيضع الجميع أمام عدة سيناريوهات تتمثل بما يلي:
– السيناريو الأول ان يذهب الصدر الى المعارضة وبذلك تصبح الحكومة حكومة اغلبية وطنية مع معارضة قوية من الصدريين والكتل المستقلة يقدر قوامها بنحو 120 نائب.
– السيناريو الثاني تشكيل حكومة توافقية كلية يشارك فيها الجميع وهذا مستبعد حتى اللحظة لحين موافقة الصدر على ذلك.
– السيناريو الثالث ان يتفق الصدر مع جزء من الاطار الشيعي (سواء مع دولة القانون او تحالف الفتح) مع اختيار رئيس وزراء توافقي.
– السيناريو الرابع حكومة توافقية سباعية (التيار والفتح ودولة القانون، تقدم والعزم، الديموقراطي والاتحاد) مع ذهاب الكتل الصغيرة والمستقلين الى المعارضة واختيار رئيس وزراء توافقي.
– السيناريو الخامس حكومة شبه توافقية تضم التيار والفتح وأجزاء من الكورد والسنة مع اختيار رئيس وزراء توافقي.
– السيناريو السادس استمرار الحال على ما هو عليه، أي الانسداد السياسي كما جرى في بلدان أخرى مثل بلجيكا ولبنان.
بطبيعة الحال فأن فشل وصول القوى السياسية الى أي اتفاق يعكس احد تلك السيناريوهات فان السيناريو الأسوء والأقرب يتمثل بتوقف وشلل العملية السياسية ودخول مرحلة الفراغ الدستوري، ومعها سنكون أمام كل الاحتمالات غير المتوقعة ومن بينها الانقلاب السياسي او الاقتتال الداخلي بين المجاميع المسلحة من كل الاطياف وانهيار الاقتصاد وسط عودة التظاهرات الشعبية ضد الطبقة السياسية الحاكمة ناهيك عن عودة الإرهاب.