بنى مدينة المتوكلية والمئذنة الملوية في العراق.. الخلفية المتوكل قتله قادة جنده

شهد عهد الخليفة المتوكل بن المعتصم بن الرشيد، عاشر الخلفاء العباسيين، بداية دور ضعف الخلافة العباسية، الذي انتهى بسقوطها على أيدي المغول.

واتسمت حقبة المتوكل بتوترات انتهت بمقتله على يد عسكره في 11 ديسمبر/كانون الأول عام 861 م، ليكون أول خلفية عباسي يموت اغتيالا، وذلك تسبب في صدمة كبيرة لأهالي بغداد، وكان نقطة تحوّل فتحت الباب لمزيد من الصراعات.

نشأته
ولد المتوكل عام 206هـ، وهو أبو الفضل جعفر بن المعتصم بن هارون الرشيد، ينتمي إلى الأسرة العباسية، أما أمه فكانت “أم ولد” خوارزمية الأصل اسمها شجاع، حسب أستاذة التاريخ الإسلامي الدكتورة وفاء عدنان حميد.

وتشير في حديثها مع الجزيرة نت إلى أن المتوكل لم يستطع نيل ثقة أخيه الخليفة الواثق، وبلغ الأمر بالواثق أن عيّن رجلين من حاشيته يراقبانه ويسجلان أخباره، وكانا يتعاملان معه بجفاء ويضيّقان عليه في صرف الأعطيات.

وتضيف الدكتورة وفاء أن المتوكل لم يكن يحظى في عهد الواثق بأي أهمية، حتى إن الواثق كان يرغب في إزاحته عن ولاية العهد وتولية ابنه مكانه إلا أنه كان صغيرا، وتوفي الواثق عام 232هـ وتولى المتوكل الحكم في اليوم نفسه.

الجوادي: الناس استبشروا خيرا بتولي المتوكل الخلافة
تشاور ومبايعة
وعن ظروف بيعته، يقول أستاذ تاريخ الدولة العباسية الدكتور موفق سالم الجوادي “لما توفي الواثق لم يكن قد عيّن وليا للعهد من بعده، فدفع ذلك الوزير عبد الملك بن الزيات وقادة الجند إلى الاجتماع والتشاور في من يتولى الخلافة، وكان محمد بن الواثق على قائمة الأسماء المطروحة لتولي المنصب لكنهم عدلوا عنه لصغر سنّه، وضعف شخصيته”.

ويبيّن للجزيرة نت أن المجتمعين اعتقدوا أن الإتيان بشخصية تتمتع ببعض القوة والنفوذ سيغلق باب الصراع، ومن ثم سيحافظ على ما حازوه من نفوذ ومصالح ومكاسب، غير أنهم لم يحسبوا حساب القوة والحنكة السياسية التي يتمتع بها المتوكل على الله.

ويلفت الجوادي إلى أن الناس استبشروا خيرا ببيعته إذ كانوا يعتقدون أن كل خليفة جديد لا بد من أن يأتي بما هو جديد ونافع لمصالحهم.

ويرى أستاذ تاريخ الدولة العباسية أن قرارات المتوكل تعكس طبيعة سياسته، فقد عايش الحقبة الزمنية التي هيمن فيها قادة الجند الأتراك على مقاليد الأمور كافة في الدولة، وربما قاسى جراء ذلك، لهذا أضمر في نفسه سياسة تنتهي في مصبّاتها النهائية إلى التخلص من نفوذ قادة الجند، واستعادة الهيبة والنفوذ والمكانة التي ينبغي أن يتمتع بها الخليفة.

وأوضح الجوادي أن المتوكل حاول كسب ودّ العامة، إذ أدرك أن الانقلاب الذي يسعى إلى تحقيقه يحتاج إلى دعم العامة ومساندتهم له، كما سعى إلى البحث عن عاصمة جديدة يكون فيها بعيدا عن قبضة قادة الجند، ثم عمد إلى الولوج في باب المواجهة المباشرة مع قادة الجند، وذلك بسلسلة إجراءات معقدة ومتداخلة؛ فشرع في ضرب قادة الجند ببعضهم.

ممدوح يعزو سبب ضعف الخلافة الأموية إلى عدة عوامل منها الصراعات الداخلية – الجزيرة نتممدوح: المتوكل حاول تحقيق الاستقرار السياسي إلا أن طمع قادته العسكريين أدى إلى مقتله
إنجازات واضطرابات
ويتحدث أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور عامر ممدوح عن منجزات مهمة قدمها المتوكل في سنوات حكمه، لا سيما حين أخفق في نقل مقر الخلافة إلى دمشق، فعندما عاد إلى العراق لم ينزل بسامراء ذاتها، وإنما توجه إلى شمالها في منطقة تعرف بالماحوزة، قرب قضاء الدور حاليا، فبنى مدينة سماها “المتوكلية”، كما بنى فيها عددا من القصور، أهمها قصر اللؤلؤة والقصر الهاروني والقصر الجعفري وقصر الجوسق، وأمر أصحابه ببناء قصورهم فيها وأجرى لها نهرا يسقي ما حوله، فصارت أكبر من سامراء.

ويضيف للجزيرة نت أن المتوكل عمد إلى كسب الجمهور والرعية بمجموعة إجراءات في مقدمتها إنهاء حالة الجدل المذهبي والفكري الذي دخلت به الدولة والأمة في صراع طويل نال فيه العلماء وتلاميذهم كثيرا من الأذى بسبب الخلاف على قضايا فرعية.

ويشير إلى أن المتوكل حاول تحقيق الاستقرار السياسي في عهده الذي شهد اضطرابات متعددة في جميع أنحاء الدولة إلا أن أقواها كان في أرمينيا وأذربيجان، وكان حكمه بداية الدخول في مرحلة الضعف وتزعزع السلطة، وقد تشبّه بجدّه الخليفة هارون الرشيد في ولايته للعهد إذ جعلها لأبنائه الثلاثة: المنتصر والمعتز والمؤيد.

وذهب ممدوح إلى أن جامع سامراء الكبير الذي يتسع لـ100 ألف مصلي أحد أبرز آثار المتوكل، فبناء المسجد بهذا الحجم والتميز الفريد في عمارته يؤكدان أنه كان يراد به أن يكون نموذجا للتقدم الحضاري الإسلامي، والناظر إلى الملوية لوحدها يجد أنها حققت غايات بنائها المستمرة بإبهار كل من رآها إلى يومنا هذا.

عمد الخليفة المتوكل إلى كسب الجمهور والرعية من خلال إجراءات عديدة – مواقع التواصلالخليفة المتوكل عمد إلى كسب الجمهور والرعية بمجموعة إجراءات أهمها إنهاء الجدل المذهبي
خلاف واغتيال
وعن ملابسات مقتل الخليفة المتوكل، تقول الدكتورة وفاء إن الخليفة المتوكل فشل في تحجيم نفوذ قادة جنده الأتراك، الذين جاء بهم المعتصم.

وتضيف أن الأتراك شعروا بأن المتوكل يعدّ خطة للإيقاع بهم فحددوا موعدا وهجموا عليه وقتلوه، وقد رمى وزيره الفتح بن خاقان بنفسه عليه لإنقاذه فقتلوا وزيره أيضا، واتهموا الفتح بأنه من قتل الخليفة المتوكل، وعدّ المؤرخون مقتل الخليفة المتوكل نهاية العصر العباسي الأول.

وتبيّن أن الخلاف الذي حدث بين المتوكل وابنه المنتصر فتح المجال للأتراك كثيرا، فأخذوا يتكتلون ويتداولون الرأي في ما بينهم في كيفية التخلص من المتوكل، حتى جذبوا المنتصر ابن الخليفة المتوكل وتعاون معهم على قتل أبيه.

من جانبه، يشير الجوادي إلى أن اغتيال المتوكل ترك تداعيات تاريخية خطيرة، بات الخلفاء بعدها ألعوبة بيد قادة الجند ينصّبون من أرادوا ويعزلون من أرادوا مع إهانتهم والتطاول عليهم.