توصل فريق علمي أسترالي إلى اكتشاف بكتيريا تستخدم الهيدروجين كمصدر للطاقة منذ مليار سنة تقريبا، وتعيش في منطقة القطب الجنوبي، وبذلك تكون تلك البكتيريا قد سبقت الإنسان الذي بدأ مؤخرا فقط بالتفكير في استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة.
ورد ذلك في تقرير نشره موقع “ذا كونفرزيسشن” (The Conversation) حول الدراسة التي نشرتها مؤخرا دورية “بروسيدنغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس” الأميركية (بناس) (The Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS))، لباحثين من جامعة موناش (Monash University)، في أستراليا.
وبحسب التقرير فإن أسلوب الحياة البسيط المعتمد على الهيدروجين لبكتيريا التربة في القطب الجنوبي، يعيد تعريف فهمنا للحياة على الأرض، كما أنه يجلب رؤى جديدة في البحث عن حياة خارج كوكب الأرض.
ويأتي هذا الاكتشاف بعد دراسة نشرتها دورية نيتشر (Nature) في عام 2017، حيث اكتشف باحثون من جامعة “نيو ساوت ويلز” الأسترالية لأول مرة بكتيريا تعيش فقط على الهواء في منطقة القطب الجنوبي.
تربة صحراوية
في الدراسة الحديثة درس الباحثون 451 نوعا مختلفا من البكتيريا من التربة المتجمدة في شرق القارة القطبية الجنوبية ووجدوا أن معظمها يعيش باستخدام الهيدروجين من الهواء كوقود. ومن خلال التحليل الجيني، وجدوا أن هذه البكتيريا قد تباعدت عن أبناء عمومتها في قارات أخرى منذ ما يقرب من مليار سنة.
جاءت هذه الكائنات الدقيقة المذهلة من تربة صحراوية خالية من الجليد شمال النهر الجليدي ماكاي غلاسير (Mackay Glacier) في شرق القارة القطبية الجنوبية، حيث يزدهر القليل من النباتات أو الحيوانات في هذه البيئة التي يوجد بها القليل من المياه المتاحة، ودرجات الحرارة أقل من الصفر، والشتاء القطبي شديد.
وعلى الرغم من تلك الظروف القاسية، تزدهر الكائنات الحية الدقيقة، ويمكن في هذه التربة العثور على مئات الأنواع البكتيرية وملايين الخلايا في غرام واحد من التربة، مما يجعل النظام البيئي فريدا ومتنوعا.
أكثر من ربع بكتيريا التربة في أنتاركتيكا تخلق إنزيما يسمى روبيسكو
إنزيم روبيسكو
ووفقا لمؤلف الدراسة فقد اكتشف الباحثون أن أكثر من ربع بكتيريا التربة في أنتاركتيكا تخلق إنزيما يسمى “روبيسكو” (RuBisCO) وهو إنزيم يلعب دورا في الخطوة الأولى الرئيسية في تثبيت الكربون، وهي عملية تعنى بتحويل ثاني أكسيد الكربون في هواء الغلاف الجوي إلى جزيئات عالية المحتوى من الطاقة مثل الغلوكوز.
وبالتالي فإن ذلك يتيح للنباتات استخدام ضوء الشمس لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحويله إلى كتلة حيوية، وهي العملية التي تولد معظم الكربون العضوي على الأرض.
وقد وجد الباحثون أن أكثر من 99% من البكتيريا المحتوية على “روبيسكو” غير قادرة على التقاط ضوء الشمس. بدلاً من ذلك، تقوم البكتيريا بإجراء عملية تسمى التخليق الكيميائي، والتي تتم بواسطة تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كتلة حيوية، باستخدام مركبات غير عضوية مثل غازات الهيدروجين والميثان وأول أكسيد الكربون.
يمكن لما يقارب من 1% من بكتيريا التربة في القطب الجنوبي استخدام الميثان
العيش على الهواء
وقد تساءل الباحثون من أين تجد البكتيريا هذه المركبات الغنية بالطاقة؟ صدق أو لا تصدق، المصدر الأكثر موثوقية هو الهواء، حيث يحتوي الهواء على مستويات عالية من النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون، ولكنه يحتوي أيضا على كميات ضئيلة من مصادر الطاقة مثل الهيدروجين والميثان وأول أكسيد الكربون.
إن البكتيريا موجودة فقط في الهواء بتركيزات منخفضة جدا، ولكن هناك الكثير من الهواء الذي يوفر إمدادا غير محدود تقريبا من هذه الجزيئات للكائنات التي يمكنها استخدامها.
ويمكن لما يقارب من 1% من بكتيريا التربة في القطب الجنوبي استخدام الميثان، ويمكن لحوالي 30% استخدام أول أكسيد الكربون. والأمر الأكثر أهمية هو أن بحثهم يشير إلى أن 90% من بكتيريا التربة في القطب الجنوبي قد تزيل الهيدروجين من الهواء. وتكتسب البكتيريا الطاقة من الهيدروجين والميثان والكربون من خلال دمجها مع الأكسجين في عملية كيميائية تشبه نوعا بطيئا من الاحتراق.
كما أظهرت تجاربهم أن البكتيريا تستهلك الهيدروجين الجوي حتى في درجات حرارة “-20” درجة مئوية، ويمكنها أن تستهلك ما يكفي لتغطية جميع احتياجاتها من الطاقة.
وعلاوة على ذلك، يمكن للهيدروجين أن يعمل على تشغيل التخليق الكيميائي، والذي قد يوفر ما يكفي من الكربون العضوي للحفاظ على المجتمع البكتيري بأكمله. ويمكن للبكتيريا الأخرى الوصول إلى هذا الكربون عن طريق “أكل” جيرانها الذين يعملون بالطاقة الهيدروجينية أو الرواسب الغنية بالكربون التي تنتجها.
عندما تحرق الهيدروجين، أو عندما تجمع البكتيريا الطاقة منه، فإن المنتج الثانوي الوحيد هو الماء
الماء من الهواء الرقيق
عندما تحرق الهيدروجين، أو عندما تجمع البكتيريا الطاقة منه، فإن المنتج الثانوي الوحيد هو الماء. ويعد صنع الماء مكافأة مهمة لبكتيريا أنتاركتيكا، لأنها تعيش في صحراء شديدة الجفاف، حيث المياه غير متوفرة لأن الجليد المحيط بها يتجمد بشكل دائم تقريبا وأي رطوبة في التربة يمتصها الهواء الجاف البارد بسرعة.
لذا فإن القدرة على توليد الماء من “الهواء الرقيق” قد تفسر كيف تمكنت هذه البكتيريا من الوجود في هذه البيئة لملايين السنين. فمن خلال اعتماد “اقتصاد الهيدروجين”، تلبي هذه البكتيريا احتياجاتها من الطاقة والكتلة الحيوية والترطيب.