جسّدت لوحات فنية تشكيلية خطتها أنامل 40 فنانا وفنانة من روسيا، محطات ممتدة لأكثر من 7 عقود من معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتي بدأت بالنكبة عام 1948، ولا تزال فصولها مستمرة.
وفي معرض فني افتتحته “مؤسسة رواسي للثقافة والفنون” في غزة، بعنوان “فلسطين في عيون روسيا”، تلاصقت نحو 40 لوحة فنية تشكيلية لفنانين روس مساندين للقضية الفلسطينية، طغت على لوحاتهم الألوان الداكنة، وملامح الوجوه العابسة الحزينة، التي تعكس صنوفا مختلفة من المعاناة الفلسطينية.
ورغم عمق المأساة التي أظهرتها هذه اللوحات، فإن الأمل بغد مشرق بدا في بضع لوحات، أراد أصحابها أن يعبّروا من خلالها عن إرادة الفلسطيني، ورفضه الاستسلام، وحملت بشريات بالنصر والتمكين.
لوحات برسم الألم والأمل
وبرزت من بين اللوحات، لوحة للفنانة ناديجدا كافكازوفا تصور فيها راعيا فلسطينيا مسنا، يرتدي اللباس الفلسطيني التقليدي، الذي كان يميز الرجال ما قبل النكبة، بينما كان يجلس وبيده صحيفة، ومن حوله ماشيته ترعى في منطقة طبيعية، عكست حياة البساطة والأمان.
وعلى النقيض من هذه اللوحة، جاورتها لوحة تعكس ما آلت إليه حياة الشعب الفلسطيني بعد الاحتلال، تخيلت فيها الفنانة نتاليا شورنينا، امرأة فلسطينية تحضن طفلها، وفي الخلفية أعمدة دخان أسود تتصاعد، وحمامات بيضاء تتطاير، وكأنها أرادت أن تصور الجرائم التي لم تتوقف دولة الاحتلال عن ارتكابها بحق الفلسطينيين على مدار العقود الماضية.
برزت المرأة كرمز مهم في لوحات الفنانين الروس للتعريف بالقضية الفلسطينية-رائد موسى-الجزيرة نتالمرأة برزت كرمز مهم في لوحات الفنانين الروس للتعريف بالقضية الفلسطينية
وبدا لافتا أن الفنانين الروس استخدموا المرأة كرمز للشعب الفلسطيني في لوحاتهم الفنية، وفي إحدى اللوحات للفنانة إيرينا كوتشيرجينا، ظهرت امرأة فلسطينية باللباس التقليدي، وقد ملأ الحزن عينيها، ومن خلفها مسجد قبة الصخرة، في إشارة منها إلى ما تتعرض له مدينة القدس المحتلة من عمليات تهويد وتهجير لسكانها الفلسطينيين، واعتداءات إسرائيلية على المقدسات.
ووسط حجم الألم المنبعث من لوحات الفنانين الروس، أخذت الفنانة فيرا فيليبوفا منحى آخر في لوحتها التي أرادت من خلالها أن تجسد الإرادة الفلسطينية، وتبشر الفلسطينيين بالنصر، عندما جسدت فارسا ملثما بالكوفية الفلسطينية ويمتطي فرسه، ويلوح بيده بالعلم الفلسطيني، وهو يدخل إحدى بوابات القدس.
وكانت غزة حاضرة في عدد من اللوحات، وبرزت من بينها لوحة تنبض وجعا وألما، للفنانة الروسية مارينا البلعاوي (وهي زوجة رئيس جمعية الصداقة والتعاون بين شعوب تشوفاشيا وفلسطين بسام البلعاوي)، رسمت فيها شابا من ضحايا “مسيرات العودة وكسر الحصار”، فقد ساقه برصاص قوات الاحتلال، ويتكئ على عكازين، فيما يحتضن طفله الصغير ما تبقى من ساقه.
لوحة للفنانة الروسية ناديجدا كانكازوفا تظهر الحياة الفلسطينية قبل النكبة -رائد موسى-الجزيرة نتلوحة للفنانة الروسية ناديجدا كانكازوفا تظهر الحياة الفلسطينية قبل النكبة
مناصرون لفلسطين
وتزامن معرض “فلسطين في عيون روسيا”، الذي عرضت فيه لوحات لفنانين روس وصلت مؤسسة رواسي عن طريق الإنترنت، وتم طباعتها في غزة، مع معرض مماثل في روسيا عرضت فيه لوحات لفنانين فلسطينيين.
وأظهر الفنانون الروس من خلال لوحاتهم الفنية، التي عكست جوانب مختلفة من الحياة الفلسطينية وجوانبها المتعلقة بالتراث وحق العودة والمقاومة والأسرى والقدس، وعيا كبيرا بتفاصيل القضية الفلسطينية.
وقال الفنان الروسي ميدخات شاكيروف، نائب رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية التشوفاشية، صاحب مبادرة “أنا أرسم فلسطين”، في كلمة من روسيا عبر تقنية الفيديوكونفرانس “نفتخر بافتتاح أول معرض مشترك، نحن متضامنون مع شعبكم، ونريد أن تستعيدوا مدنكم وقراكم وأراضيكم، نريد أن يعم السلام على أرض فلسطين، وأن يتمتع الشعب الفلسطيني بحريته على أرضه ويزرع الزيتون”.
وقال رئيس اللجنة الثقافية في الجمعية الفنان ميدخات شاكيروف “ما دامت فلسطين محتلة، وشعبها مضطهد ومهان، فإنني أؤكد مجددا، بأنني فلسطيني، حتى ينال هذا الشعب حريته، ويستعيد وطنه”.
لوحة للفنانة نتاليا شورنينا تظهر امرأة فلسطينية تحتضن طفلها وتعكس من خلالها عنف الاحتلال ضد الفلسطينيين -رائد موسى-الجزيرة نتلوحة للفنانة نتاليا شورنينا تظهر امرأة فلسطينية تحتضن طفلها وتعكس من خلالها عنف الاحتلال ضد الفلسطينيين
كسر الحصار الثقافي
وقال المدير التنفيذي لمؤسسة رواسي محمد الحسني -للجزيرة نت- إن المعرض يتزامن مع “اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني”، ويعكس رسائل فنية تضامنية من فنانين روس مع الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض منذ 7 عقود وأكثر لصنوف شتى من العذاب والقهر تحت نير الاحتلال.
وحرصت رواسي، بحسب الحسني، على تحقيق كسر رمزي للحصار المضروب على غزة منذ 15 عاما، وطاولت قيوده كل مناحي الحياة بما فيها الفن، فكانت فكرة طباعة لوحات فنية لفنانين فلسطينيين وعرضها في روسيا، لإطلاع العالم على أوجه المعاناة الفلسطينية.
وأكد الحسني أهمية التبادل الثقافي والفني، باعتباره جبهة نضالية تكشف زيف الاحتلال، وتسهم في نشر الرواية الفلسطينية في الخارج وزيادة دوائر المتعاطفين والمساندين للشعب الفلسطيني.