سعد سلوم*
أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة التابع إلى وزارة الخزانة الأميركيّة في 18 تمّوز/يوليو، عن فرض عقوبات جديدة على 4 مواطنين عراقيّين، من بينهم ريان الكلداني (من الأقلّيّة المسيحيّة) ووعد القدو (من الأقلّيّة الشبكيّة)، وهما زعيما فصيلين مسلّحين ذات نفوذ في سهل نينوى، لتورّطهم في انتهاكات لحقوق الإنسان، حسب بيان الوزارة.
في سياق متّصل، أعلنت الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة رفضها وجود أيّ فصيل مسيحيّ مسلّح، فيما أكّدت دعمها قرار الحكومة العراقيّة القاضي بإعادة هيكلة عمل الحشد الشعبيّ وتنظيمه، والذي أصدره رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في 1 تمّوز/يوليو 2019، وتضمّن القرار الصادر عن رئيس الوزراء العراقيّ 10 نقاط تنصّ على ضرورة إنهاء المظاهر المسلّحة، وارتباط الحشد رسميّاً بالقائد العامّ للقوّات المسلّحة.
وفي بيان صادر عن بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة في العراق والعالم الكاردينال مار لويس روفائيل الأوّل ساكو، اطّلع “المونيتور” على نسخة منه، دعم لقرار الحكومة العراقيّة، إذ عدّه “خطوة مهمّة في الاتّجاه الصحيح، ومن شأنه أن يحصر السلاح في يد الدولة، ممّا يرصِّن مؤسّساتها، ويرسّخ الوعي الوطنيّ عند العراقيّين على الهويّة الوطنيّة الواحدة”.
وقد أعلن البيان أنّ الكنيسة تعلن رفضها القاطع لوجود أيّ حركة مسلّحة تحمل صفة مسيحيّة خاصّة، بل على العكس، “نشجّع أبناء المكوّن المسيحيّ على الانخراط في الأجهزة الأمنيّة الرسميّة في الجيش العراقيّ والشرطة الاتّحاديّة، ومن هم في إقليم كردستان العراق في قوّات البيشمركة”، لافتاً إلى أنّ الكنيسة تحترم قرار الأفراد الشخصيّ في الانتماء إلى الحشد الشعبيّ أو العمل السياسيّ، ولكن ليس تشكيل فصيل مسيحيّ، لأنّ الفصائل المسلّحة باسم المسيحيّة تتعارض مع روحانيّة الدين المسيحيّ الذي يدعو إلى المحبّة والتسامح والغفران والسلام.
وبما أنّ صدور البيان قد تزامن مع إعلان الخزانة الأميركيّة فرض عقوبات على قائد “كتائب بابليّون” المسيحيّة ريان الكلداني، فقد كان الردّ عنيفاً من قبل الأخير، وتضمّن إثارة اتّهامات عن الزعيم الدينيّ المسيحيّ الكاردينال ساكو. على صعيد ذي صلة، أكّد القياديّ في “كتائب بابليّون” ظافر لويس في بيان صدر عنه في 24 تمّوز/يوليو، أنّ أحد رجال الدين المسيحيّين أصبح دمية في يد إسرائيل وأميركا (في إشارة إلى الكاردينال ساكو)، وهدّد بخروج تظاهرات أمام السفارة البابويّة.
في حين رأى الكاردينال ساكو أنّ هذه “اتّهامات رخيصة”، وأضاف في حديث إلى “المونيتور”: “إنّني لم أذهب إلى إسرائيل طوال حياتي، وفي عام 2014، عندما زار البابا فرنسيس الأردن ثمّ زار فلسطين وإسرائيل، لم أرافقه احتراماً للشعب الفلسطينيّ، أمّا عن العلاقة مع واشنطن، فإنّني لم أشترك حتّى في مؤتمر الحرّيّة الدينيّة الذي أقيم في العاصمة الأميركيّة قبل أيّام، على الرغم من دعوتي للمشاركة فيه”. والإشارة الأخيرة من الكردينال ساكو تتعلّق بمؤتمر وزارة الخارجيّة الأميركيّة لتعزيز الحرّيّات الدينيّة الذي عقد بين 16 و18 تمّوز/يوليو الجاري، وحضرته أكثر من ألف شخصيّة من حول العالم، بمشاركة عدد من الكهنة ورجال الدين المسيحيّين، لم يكن من بينهم الكاردينال ساكو. ويبدو واضحاً ميل البيان الصادر عن القياديّ في “كتائب بابليّون” تصوير موقف الكردينال ساكو على أنّه حملة معادية للحشد الشعبيّ واصطفاف “مع الأبواق المسعورة التي تحاول النيل من الإرادة العراقيّة المدافعة عن البلاد”، حسب نصّ البيان، في محاولة لجرّ موقف الزعيم المسيحيّ إلى مربّع الصراع الأميركيّ-الإيرانيّ، في شأن وجود فصائل مسلّحة تدعمها إيران في مقابل معارضة أميركيّة واضحة لها وتستهدفها بالعقوبات.
في هذا السياق، سرّبت “كتائب بابليّون” إلى وسائل الإعلام العراقيّة ما وصف بأنّه “رسالة موجّهة من بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة في العراق والعالم الكاردينال ساكو إلى نائب الرئيس الأميركيّ مايك بنس”، تتضمّن شكراً إلى حكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة على دعمها للنازحين ومساعدتهم على العودة إلى ديارهم، في محاولة لإعطاء دليل على صحّة مزاعم “كتائب بابليّون” في شأن علاقة الكاردينال بالجهات الأميركيّة.
وسرعان ما ردّت البطريركيّة الكلدانيّة الكاثوليكيّة على هذه المزاعم، في بيان نشر على موقعها، جاء فيه أنّها “تعلن للرأي العامّ أنّ الكاردينال مار لويس ساكو لم يبعث أيّ رسالة إلى نائب الرئيس الأميركيّ مايك بنس وأنّ الأنباء في شأن ذلك عارية من الصحّة”. وأضاف البيان: “إنّ ما يقوم به أعضاء في حركة “كتائب بابليّون” من تلفيق للأكاذيب وتهجّم على مقام البطريرك مار لويس روفائيل الأوّل ساكو ما هو إلّا أعمال لا ترتقي إلى الحدّ الأدنى من الأخلاق والشعور بالمسؤوليّة واحترام المؤسّسة الدينيّة”. وأوضح البيان أنّ البطريرك لو أراد “مخاطبة أيّ جهة خارجيّة أو مسؤول دوليّ فتكون باللغة الإنكليزيّة وليس باللغة العربيّة”، في استنكار لكون الوثيقة المسرّبة باللغة العربيّة.
في سياق النزاع الحاليّ، دبّج الكلدانيّ رسالة مطوّلة من 6 صفحات، تضمّنت حواراً سجاليّاً غاضباً من 9 نقاط موجّهة إلى الكاردينال ساكو. وكشفت الرسالة التي حصل “المونيتور” على نسخة منها، عن التوتّر الذي يشوب العلاقة بين الأمين العامّ لحركة “كتائب بابليّون” ريان الكلداني والكاردينال ساكو. وتضمّنت الرسالة التي حرّرت تحت عنوان “كتاب مفتوح إلى البطريرك لويس ساكو إلى والد الرعيّة الكلدانيّة وراعيه الموقّر”، الإشارة إلى مختلف جوانب الصراع مع تركيز على الجانب السياسيّ، من خلال نقد “كتائب بابليّون” دعم ساكو جهة سياسيّة مسيحيّة دون أخرى، مطالباً أن “يكون رأس الكنيسة غير منحاز إلى جهة دون أخرى” وأن يخلع الجلباب الكنسيّ إذا أراد العمل في السياسة، مع الإشارة إلى تمثيل “كتائب بابليّون” أكبر كتلة مسيحيّة في البرلمان.
تضمّنت النقطة التاسعة تأكيداً على وجوب حصر تمثيل المسيحيّين أمام الحكومة والبرلمان بالنوّاب فحسب، وفي ذلك إشارة إلى سيطرة “كتائب بابليّون” على مقعدين من مقاعد كوتا المسيحيّين في مجلس النوّاب العراقيّ، والرغبة في تحييد نفوذ الكاردينال ساكو وأنشطته التي تمثّل منافسة للتيّارات السياسيّة المسيحيّة في تمثيل مختلف المسيحيّين أمام الجهات الرسميّة.
*أكاديمي وخبير في شؤون التنوع الديني في العراق وهو استاذ مساعد في كلية العلوم السياسية الجامعة المستنصرية في بغداد ومن مؤسسي المجلس العراقي لحوار الأديان وقد حاز على جائزة ستيفانوس للحريات الدينية لعام 2018 ومن ابرز مؤلفاته اقليات العراق ما بعد داعش 2017 الايزيديون في العراق 2016 الوحدة في التنوع 2015 المسيحيون في العراق 2014 والاقليات في العراق 2013. والمقال عن موقع “المونيتور”.