العلم يكشف عن تفاصيل غير مسبوقة للكيفية التي تبني بها العناكب شباكها

للعناكب قدرة مذهلة على بناء شباك معقدة وجميلة، غير أن الكيفية التي تبنى بها هذه الشباك تعد لغزا محيرا؛ إذ تُظهر العناكب قدرة فائقة على نسج شباك هندسية معقدة وعلى درجة عالية من الجمال أيضا، غير أن هذه الشباك -التي فتنت الخيال البشري لآلاف السنين- كانت لغزا محيرا للعلماء الذين تساءلوا دوما عن الكيفية التي تُبنى بها.

شباك مذهلة
وحديثا، قدمت دراسة بحثية نشرت في دورية “كارنت بيولوجي” (Current Biology) تفسيرا لهذا اللغز؛ إذ قام العلماء بنشر كاميرات الرؤية الليلية واستخدام الذكاء الاصطناعي لدراسة الكيفية التي تتحرك بها أرجل العنكبوت الثماني أثناء بنائها شبكتها العنكبوتية، الأمر الذي مكنهم من الوصول إلى نموذج يمكنه التنبؤ بمراحل بناء الشبكة استنادا إلى وضعية أرجل العنكبوت.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته جامعة “جونز هوبكينز” (Johns Hopkins University) في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تعقيبا على الدراسة؛ فإن عالم الأحياء السلوكية وقائد الدراسة أندرو جوردس يشير إلى أن “شباك العنكبوت مذهلة ومثيرة حقا للإعجاب، لكننا لا نعرف كثيرا عن هذا السلوك الرائع الذي يُمَكِّن أدمغتها الصغيرة من إنجاز هذه الشباك”.

ويضيف جوردس أنهم “قاموا بفهم الحركات الكاملة التي تلزم لبناء هذه الشبكة العنكبوتية، الأمر الذي لم يُوَصَّف من قبل مطلقا بهذه الدقة لأي بنية حيوانية”.

ورغم أن الحيوانات لا تبني بيوتها بالطريقة نفسها التي يبني بها البشر، فإننا لسنا فريدين في قدرتنا على البناء؛ فبعض الثدييات العليا تبني أعشاشا بالمثل كما تفعل طيور كثيرة. ويبني السلطعون بنايات طينية كالمداخن، كما تبني بعض يرقات ذباب البردي واقيات تسكن فيها، غير أن هذه البنايات جميعها ليست معقدة ومتنوعة وجميلة كشباك العنكبوت.

تتبع الحركة
ولمعرفة الحركات التي تمكن العنكبوت من بناء شبكتها، قام العلماء بتتبع 6 من العناكب -كل ليلة- من نوع “أولوبورَس دايفرسَس” (Uloborus Diversus)؛ وهي عنكبوت غير سامة وآكلة للحشرات، ويبلغ طولها بضعة ملليمترات، وتبني هذه العنكبوت -التي تنتشر في الولايات المتحدة والمكسيك- كل ليلة شباكا معقدة للإيقاع بفرائسها.

وسجل الباحثون حركات العناكب أثناء قيامها ببناء شباكها ليلا باستخدام الكاميرات والأضواء التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وسُجلت هذه الحركات من 26 موضعا موزعة على مناطق مختلفة من جسد كل عنكبوت تم تتبعها في كل ليلة.

غير أن بناء خريطة كاملة بالحركات التي تقوم بها العنكبوت يعد أمرا صعبا، وهو ما يؤكده المؤلف الأول للدراسة أبيل كورفر قائلا “حتى وإن تتبعنا الحركة بتسجيل مقطع فيديو لها، فهناك الكثير من الأرجل التي تلزم مراقبتها على مدى فترة طويلة (يعني بذلك أثناء تحليل بيانات الحركة الموجودة في الفيديو المسجل)؛ وهو ما يتطلب العديد من الأفراد”.

ويضيف كورفر “أن تتبع التغيرات التي تحدث في كل إطار (سلسلة الصور المكونة للفيديو) بشكل يدوي يعد أمرا شاقا؛ لذا قمنا بتدريب برنامج تتبع اصطناعي يمكنه اقتفاء مواضع أرجل العنكبوت -خلال الأطر المختلفة (المكونة للفيديو)- حتى نتمكن من توثيق كل حركة وبناء الشبكة الكاملة الخاصة بهذه الحركات”.

حتى وإن اختلف الشكل النهائي للشبكة العنكبوتية من عنكبوت لآخر فإن القواعد المستخدمة في البناء تعد واحدة
مهارات حركية واحدة
وبهذه الطريقة، استطاع الباحثون تسجيل الكيفية التي بُنِيَت بها 21 شبكة عنكبوتية امتدت ساعات طوالا، بما في ذلك الوضعية التي قامت بها أجزاء الجسم المختلفة التي ساعدت العناكب على بناء شباكها المعقدة.

ومن ثم، فإن هذه تعد خطوة أولى نحو معرفة الكيفية التي تعمل بها أدمغة العناكب الصغيرة من أجل تصميم هذه الشبكة المعقدة. واكتشف الباحثون أن عملية بناء الشبكة تلك قد شملت الحركات والمهارات الحركية نفسها في كل العناكب المتتبَّعة، لدرجة أنه من الممكن توقع الجزء الذي سيبنى في الشبكة العنكبوتية بناء على موضع الساق فقط.

ويختم جوردس بأنه “حتى وإن اختلف الشكل النهائي للشبكة العنكبوتية قليلا من عنكبوت لأخرى، فإن القواعد المستخدمة في البناء تعد واحدة؛ مما يعني أن هذه القواعد مشفرة في أدمغتها؛ ولذا فإننا سنهتم في المستقبل بمعرفة الكيفية التي تشفر بها هذه القواعد في الخلايا العصبية”.