علاء الأسواني*
كان ونستون تشرشل رئيسا لوزراء بريطانيا وقد قاد بلاده في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية ودول المحور وفي مايو/أيار 1945 أعلن تشرشل استسلام ألمانيا فتظاهر ملايين البريطانيين في الشوارع احتفالا بالنصر . بعد ذلك بأسابيع قليلة خسر تشرشل الانتخابات وفقد منصبه كرئيس الوزراء وفاز به منافسه كليمنت اتلي زعيم حزب العمال. لماذا رفض الناخبون الإنجليز التصويت لتشرشل برغم النصر العظيم الذى حققه؟ الإجابة أن الإنجليز برغم تقديرهم العميق لتشرشل اقتنعوا أن بريطانيا بعد الحرب تحتاج إلى زعيم جديد بأفكار جديدة. الفرنسيون فعلوا مثل الإنجليز مع بطلهم القومي الجنرال شارل ديجول الذي قاد المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي ثم تولى رئاسة الجمهورية عام 1958 ثم أعيد انتخابه في عام 1965 وفي عام 1969 دعا ديجول إلى الاستفتاء على بعض الإصلاحات التي اقترحها على جهاز الدولة فلم يوافق الفرنسيون على الإصلاحات.
عندئذ اعتبر ديجول أن الفرنسيين لايرغبون في استمراره فقدم استقالته من المنصب. الغربيون يعجبون بالزعيم ويقدرونه، لكنهم يحتفظون بقدرتهم على تقييمه وبحقهم في سحب الثقة منه في الوقت المناسب. التجارب الديكتاتورية التي حدثت في الغرب مثل النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا انتهت بكوارث جعلت الغربيين يرفضون وجود أى ديكتاتور في السلطة بغض النظر عن سياساته. نحن في العالم العربي نقدس الزعيم ونؤلف الأغاني والأهازيج في حبه ونهتف له مؤكدين أننا سنفديه بالروح وبالدم. إننا نعتبر الزعيم فوق المساءلة ونتجاوز عن أخطائه وجرائمه ونعتبر من يطالب الزعيم بالاستقالة خائنا للوطن.
لقد قام صدام حسين بتعذيب وقتل آلاف العراقيين الأبرياء وتسبب بحماقته وغروره في تدمير العراق عندما قرر احتلال الكويت بغير أن يفكر في العواقب. برغم كل ذلك لازال عرب كثيرون يعتبرون صدام حسين بطلا عظيما (!). كان معمر القذافي ديكتاتورا مجرما وأحمق بدد أموال الشعب الليبي في الإنفاق على الإرهابيين وشذاذ الآفاق في كل أنحاء العالم بل إنه قتل آلاف المعارضين الذين كان يسميهم “الكلاب الضالة”، برغم ذلك لازال الكثيرون في العالم العربي يعتبرون القذافي زعيما عظيما. هناك خطاب شهير ألقاه عبد الناصر في الاسكندرية بعد أن قرر السوريون الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضم مصر وسوريا. استعرض ناصر أمام الجماهير ما اعتبره مؤامرة الانفصال التى دبرها الرجعيون ثم قال:
ــ عندما علمت بالانفصال أصدرت أوامري إلى القوات المسلحة بالتحرك فورا إلى سوريا للقضاء على المؤامرة
عندئذ صفقت الجماهير وهتفت للزعيم في حماس جنوني استغرق بضع دقائق
بعد ذلك قال عبد الناصر:
ــ ثم عدت وفكرت. هل يقتل العربي أخاه العربي؟! .. لن أسمح بذلك أبدا. عندئذ أصدرت أوامرى للقوات المسلحة بالعودة إلى القاهرة فورا.
هنا صفقت الجماهير وهتفت لناصر بنفس الحماس. وهكذا فإن عشرات الآلاف من المصريين هتفوا تأييدا لقرار الزعيم ثم هتفوا لإلغاء القرار بنفس الحماس. إنهم ببساطة يقدسون الزعيم لدرجة سوف يهللون معها لأي قرار يتخذه. في يونيو/حزيران 1967 تسبب جمال عبد الناصر في أسوأ هزيمة عرفتها مصر في تاريخها ثم ألقى خطابا عاطفيا أعلن فيه تنحيه عن الحكم، فإذا بملايين المصريين يتظاهرون حتى يبقى في منصبه. الإنجليز أقالوا زعيمهم المنتصر ونحن توسلنا لزعيمنا المهزوم حتى يظل في الحكم. إن تقديس الزعيم ظاهرة منتشرة للأسف في العالم العربي وترجع في رأيي إلى عدة أسباب:
أولا: القمع
الزعماء العرب جميعا يمارسون قمعا رهيبا على معارضيهم، الأمر الذى يجعل المواطن العادى يبتعد تماما عن المجال العام ويحتفظ بآرائه السياسية لنفسه ويتفرغ لكسب العيش وتربية أولاده ثم يتحول في النهاية إلى كائن ذليل جبان ينافق الزعيم خوفا من بطشه.
ثانيا: غسيل الدماغ
الزعيم العربي يسيطر تماما على الإعلام الذى يمارس يوميا عملية غسيل دماغ المواطن، فيحجب عنه الحقائق مما يمنعه من تكوين رأى موضوعي مستقل في الأحداث كما يلح الإعلام على عظمة الزعيم ويتغنى بإنجازاته الجبارة التي أبهرت العالم. كل ذلك بلاشك يؤثر في المواطنين، فيصدقون أكاذيب الإعلام ويقدسون الزعيم ولعلنا نذكر كيف ظل المصريون في يونيو/حزيران 1967 لمدة يومين كاملين يعتقدون أنهم انتصروا على إسرائيل بينما كان جيشهم قد تم تدميره للأسف خلال ساعات معدودة.
ثالثا: الإسلام السياسي
يروج الإسلام السياسي لفكرة الخلافة الإسلامية ويعتبرها من أركان الدين. الخلافة من ناحية التاريخ أكذوبة كبرى لأن الإسلام لم يحدد قط أي نظام للحكم على أن التصور الذى يروج له الشيوخ ويقنعون به الشباب المتحمس يقدم دولة الإسلام على أنها كيان سياسي يضم المسلمين جميعا من كل الدول ويرأسها خليفة واحد تكون بيده مقاليد الأمور جميعا بدءا من قيادة الجيوش إلى تطبيق الشرع ثم يؤكد الشيوخ أن الخروج على هذا الخليفة حرام مهما كان فاسدا وظالما وأن غاية ما يملكه المسلم هو أن ينصح الخليفة بتقوى الله ثم يلزم طاعته بعد ذلك. هذه الصورة الذهنية للخليفة تقترن بالعواطف الدينية فتساعد على تقبل الزعيم المستبد وتقديسه.
إن العرب برغم ثرواتهم الطبيعية الهائلة وبرغم ملايين المتعلمين منهم لازالوا في ذيل الأمم يعيشون عالة على الدول الغربية المنتجة . السبب الأصيل في تخلفنا هو الاستبداد. يستحيل أن نتقدم إلا إذا تخلصنا من الاستبداد واعتبرنا الزعيم مجرد موظف عام تجوز بل تجب محاسبته. فقط عندما نتوقف عن تقديس زعمائنا سوف يبدأ المستقبل.
الديمقراطية هي الحل
*روائي وكاتب مصري والمقال عن “دي دبليو”