قيس حسن*
لحظة نهاية الحرب لم تكن أقل قسوة من الحرب نفسها، هل يعقل ذلك؟ أحزان الخاتمة كانت أكثر كثافة وفظاظة من كل ما جرى خلال الحرب، فالوجوه الباسمة لم تسد وحدها مشهد الثامن من آب، بل كان هناك الذين فقدوا أحبتهم في الحرب، وقد غطت عيونهم سحابة معتمة ، وحين تذكروا وجدوا في احضانهم رماد الحرب، اضطررت لحبس مشاعر الفرح أمامهم احتراما لآلامهم.
كانوا عقبة أمام نشوتي، وكلما ظهرت فرحتي بسلامة اشقائي وأقاربي وأصدقائي، كلما عادت الى الاختفاء وأنا أرى عيون القتلى وهي تحدق بي، وتأخذني الى حيث لا أريد، الى صراع يعتمل في نفسي بين مشهدين متناقضين تماما، مشهد من بقي حيا ونجا، ومشهد من قتل أو فقد دون أي أثر، ومع الوقت لم أعد أشعر بطعم الفرح الذي تذوقته قبل قليل، وكأن دهرا طويلا قد مضى عليه، لقد نسيته تماما، وحل بدله شيء آخر، هو لعنة الاسئلة وصوتها المدوي في ذهني، اختلطت المشاعر على نحو مفاجئ، كنت أخاف ان ألوث فرح الناس الابيض بشيء من سوادي. لماذا جرت كل هذه الأهوال؟ لماذا سُحقت ملايين الناس في أتون حرب لم نجد لها معنى، أو مغزى، أو مبررا؟
سيقول آلاف اليتامى أن آباءهم قتلوا في الحرب لكنهم لن يستطيعوا ابدا ان يعرفوا لماذا قتلوا؟ ولأي هدف سفكت دماؤهم؟
*كاتب وصحافي عراقي والمقطع من كتابه ” تحت سماء الشيطان“