نشر موقع “ميدل إست آي” البريطاني تقريرا عن النشاط الثقافي العربي في العاصمة الألمانية برلين، واصفا هذه المدينة بأنها أصبحت عاصمة الثقافة العربية في أوروبا.
واستعرض التقرير الذي كتبه الصحفي الألماني مات يونيكومب من برلين المكتبات والأندية التي أقامها العرب في برلين وكذلك المدارس التي تدرس اللغة العربية والفعاليات المسرحية والموسيقية والغنائية بالمدينة.
وقال الكاتب إن الإيجارات الرخيصة للمساكن والمباني، والانفتاح على الإبداع، التي جذبت الفنانين والموسيقيين والكتاب والمفكرين الدوليين إلى برلين لعقود من الزمن، جذبت أيضا عشرات الآلاف من الأشخاص من العالم العربي، وبينهم اللاجئون الذين تم توطينهم في الأصل في مدن ألمانية أخرى، ولكنهم وبسبب الرغبة في ممارسة الأنشطة الثقافية، شقوا طريقهم إلى العاصمة.
من باريس إلى برلين
ونسب الموقع البريطاني إلى الكاتب المسرحي السوري لواء يازجي قوله في وقت سابق من هذا العام إن العاصمة الفرنسية باريس كانت تقليديا القبلة التي يتجه إليها السوريون، لكن الآن فإن جيل الشباب يتجه إلى برلين.
وأضاف أن هذا النشاط خضع للتحليل في أطروحات ومؤتمرات وأفلام وثائقية في برلين وخارجها. ونقل عن عالم الاجتماع المصري الأسترالي عمرو علي أن العديد من الوافدين الجدد إلى ألمانيا، يجلبون معهم حبهم للموسيقى والأدب، وفي النهاية يقيمون الفعاليات أو المبادرات الخاصة بهم، من بينها إنشاء معهد الموسيقى العربية، وهو مدرسة موسيقى تدرس الآلات الشرق أوسطية مثل العود والدربكة، بالإضافة إلى نظرية الموسيقى العربية والغناء الكورالي.
وقد كرّس عمرو علي مقالا له في 2019 للحاجة إلى تشكيل هيئة للمنفى العربي في برلين اسما لشيء كان يختمر لسنوات.
وعرض يونيكومب أمثلة على الأنشطة العربية في برلين، مثل المكتبة العربية التي افتتحها الفلسطيني الأصل فادي عبد النور، المصمم المتخصص في الفنون التشكيلية والمؤسس المشارك لمهرجان الفيلم العربي في برلين، الفيلم “Al Film” ومديره الفني بين عامي 2009 و2019، ومؤسس “خان الجنوب”، وهي مكتبة فريدة من نوعها في برلين للأدب العربي المختار بعناية، مع اثنين من أصدقائه في فبراير/شباط 2020.
وأوضح أن “خان الجنوب” تضم 3500 كتاب من جميع أنحاء العالم العربي، معظمها مصدرها بيروت أو القاهرة، ويتم شحنها عن طريق الموزعين أو تُسلم يدويا من قبل الأصدقاء بعد سفرهم إلى الخارج. وهناك كتب في الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والكلاسيكيات والروايات الحديثة والتجريبية – روح الأدب العربي.
ويقول عبد النور إن قاعدة عملاء المتجر تضم حاليا عدة مئات من الأشخاص وهي آخذة في الازدياد، وحوالي 30% من الزوار يرتادون المتجر بانتظام من خلال الكلمات الشفهية أو قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة به باللغة العربية فقط. ومعظم العملاء لم يولدوا في ألمانيا، لكنهم من العرب الذين أعيد توطينهم في برلين في العقد الماضي، وخاصة منذ عام 2015.
وأضاف عبد النور -للكاتب- أن اللاجئين العرب يتمتعون في برلين بدعم مؤسسي أكبر مما قد يمكن الحصول عليه، على سبيل المثال، في لندن أو نيويورك، بغض النظر عن أجندتهم أو نواياهم أو عنصريتهم، “هنا توجد حكومة مؤيدة للفنون والعلوم الاجتماعية”.
مقاهي العاصمة الألمانية
وهناك مقهى البرلين (ALBerlin)، بمنطقة كروزبيرغ (Kreuzberg) العصرية بالمدينة لمؤسسها، محمد جبالي، وهو فلسطيني من حيفا انتقل إلى برلين قبل 3 سنوات، عندما حصلت زوجته على مكان أكاديمي في جامعة محلية، وبدأ نشاطه في المدينة بتأسيس مبادرة موسيقية استقطبت موسيقيين عربا لحضور حفلات موسيقية.
وفي برلين، يختلط الشباب السوري مع التونسيين، ويلتقي المصريون الفلسطينيين، وهناك دروس اللغة العربية للأطفال، معظمهم من أبناء الجيل السابق.
وتقول ميرفت عدوان -وهي سورية شاركت في إنشاء أول مدرسة عربية خاصة في برلين، “كالامون”- “إن برلين تشهد ازدهارا سكانيا عربيا منذ عام 2007، لذلك يشهد من يتحدثون اللغة العربية زيادة كبيرة بالمدينة، خاصة منذ عام 2015”.
وتضيف ميرفت “في الماضي، كانت اللغة العربية تستخدم في العادة للمسجد والطوائف الدينية، لم تحاول السلطات أن تفعل الكثير للمجتمع العربي هنا، ولهذا السبب بدأ المتحدثون باللغة العربية في تنظيم الفعاليات لأنفسهم”.
كما قام 3 من النشطاء والموسيقيين من سوريا والأردن بتأسيس “بيناتنا” (Baynatna)، وهي مكتبة باللغة العربية ومركز ثقافي، في عام 2016.
أدى هذا الانفجار في النشاط إلى إنشاء ما يمكن القول إنه المشهد الثقافي باللغة العربية الأكثر حيوية في أوروبا. ولكن في حين أن هذا المشهد أصبح أكثر حيوية من أي وقت مضى، فإنه تتويج لحركة استمرت عقودا من جذورها في المطاعم المحلية وقاعات طلاب الجامعات التي كانت مخفية سابقا عن الأنظار العامة.
وقد لاحظ الألمان ذلك. ففي يوليو/تموز الماضي، قامت الوزيرة الفدرالية السابقة للخضر رينات كوناست بزيارة مكتبة “خان الجنوب” لإظهار دعمها، وحضرها صحفيون محليون.
أنشطة عابرة
وفيما يتعلق بالمتحدثين باللغة العربية في برلين، فإن سلطات المدينة لا تنشر إحصائيات مفصلة، لكن عددهم قد يتجاوز 150 ألفا، وهناك ما لا يقل عن 40 ألف برليني يحملون الجنسية السورية، وهم أكبر فئة عربية “الثالثة بعد المواطنين الأتراك والبولنديين”.
ويقول الكاتب إنه وفي اللحظة الراهنة، في مدينة مليئة بالوافدين الجدد الذين يجلبون القضايا والموسيقى والخطاب الذي ينتشر عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لن يدوم ذلك إلى الأبد. ففي غضون 5 أو 10 أو 20 عاما، سيتحدث أطفال هؤلاء النشطاء والكتاب والموسيقيين والأكاديميين المقيمين في برلين اللغة الألمانية بطلاقة، وقد يكونون مهتمين بموسيقى الهيب هوب أو التكنو أكثر من اهتمامهم بأحدث موسيقى مصرية.
ويضيف أن هذا سبب إضافي، وفقا لعالم الاجتماع عمرو علي، لإرساء جذور طويلة الأمد. ويقول أيضا “تميل الأنشطة في الوقت الحالي إلى أن تكون عابرة للغاية”.
ويذكر يونيكومب أنه ومن الموسيقى الإلكترونية إلى الفن المرئي، كانت برلين في طليعة الثقافة الحديثة منذ عقود. وقد حرص الموسيقيون ومروجو النوادي والقراء والكتاب والناشطون من العالم العربي على أن تمتد هذه الفنون إلى ركنهم الخاص من المدينة.
ومع مرور الوقت، سيستمر افتتاح المزيد من المكتبات، ومدارس الموسيقى واللغات، مما يعزز المشهد الذي كان موجودا بشكل ما منذ وصول الموجة الأولى من الفلسطينيين إلى برلين في السبعينيات.