العيش في العالم اليوم ليس تجربة بريئة على الإطلاق، فلا يوجد بالغ بريء، وكلنا مسؤولون عن هذه القضايا والمآسي، وينبغي أن يفهم كل فرد منا هويته ومن أين حصلنا على هذه الهوية بوصفنا أفرادا حداثيين؟ وكيف يؤثر ذلك فينا وفي العالم الذي نسكنه؟
دفعت مثل هذه الأسئلة الكبرى الأكاديمي والمؤلف الكندي (من أصل فلسطيني) وائل حلاق لإعادة التفكير في عمق ما يرى أنه تواطؤ أكاديمي حديث مع مختلف أشكال الرأسمالية والاستعمار والقوة.
ومن خلال كتابه “قصور الاستشراق.. منهج في نقد العلم الحداثي” سعى حلاق (أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة كولومبيا) لتعميق النقد الموجه للاستشراق، وذلك ضمن سعيه للبحث في جذور الاستشراق التي تسكن بنية “المعرفة الغربية” في كل تجلياتها من القانون والفلسفة وغيرهما من المجالات التي تجسد هيمنة الغرب وسلطته، وهو ما يسمح للذات الغربية المتسمة بالعلمانية بالتمدد وفق منظور مجاف للأخلاق.
ولطالما كان نقد الاستشراق محط اهتمام أكاديمي منذ إصدار المفكر الأميركي الفلسطيني إدوارد سعيد كتابه الذي يحمل الاسم نفسه عام 1979، إلا أن حلاق يقدم نقدا لنقد سعيد ليكمل حوارية فكرية استمرت لأكثر من 4 عقود.
وفي هذا الصدد، حاورت الجزيرة نت حلاق المفكر بشأن مضامين كتابه الذي صدر بعنوانه الأصلي (Restating Orientalism A Critique of Modern Knowledge) عن مطبعة جامعة كولومبيا العريقة سنة 2018، ليترجم عبر الشبكة العربية للأبحاث والنشر، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا البروفيسور له مؤلفات مهمة عديدة شغلت الساحة الأكاديمية بسبب ما تحمله من جدة وعمق في الطرح، من بين هذه الكتب “الدولة المستحيلة.. الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي”، “ما هي الشريعة”، “تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام”، “نشأة الفقه الإسلامي” ونترككم مع الحوار:
كتاب “قصور الاستشراق.. منهج في نقد العلم الحداثي” صدر عن مطبعة كولومبيا عام 2018
هذا الكتاب يسائل الاستشراق مجددا، لماذا؟ هل لأن ما قدمه إدوارد سعيد عنه لم يكن كافيا؟ أم أن نقد الاستشراق الذي قدمه يتضمن في حد ذاته مشاكل معرفية ومنهجية تستحق النقد؟
أعتقد أن الجواب هو الاثنان معا. الأول يتمثل في البعد الكمي، في حين أن الآخر يجسد البعد النوعي. في الأساس، لم يكن سعيد ليبراليا فقط بحكم إيمانه بصلاح عقل التنوير، في الحقيقة فإنه كان يدين رافضيه. وهذا جزئيا سبب استخفافه، إن لم نقل بسبب ازدرائه للدين والمتدينين.
كان إدوارد سعيد يؤمن بكونية العلمانية، وكان يعتقد أن العقلانية الحديثة مؤشر ومعيار مستنير للمنطق السليم. وهو الأمر الذي أعارضه، وأعتقد أن هذا الطرح ليس أوروبيا في المفهوم فحسب، بل هو نفعي أيضا وموغل في المادية والذرائعية والإبادية، وبالتالي فهو فكر هدام بشكل تام.
كان سعيد يؤمن بكونية العلمانية، وكان يعتقد أن العقلانية الحديثة مؤشر ومعيار مستنير للمنطق السليم. وهو الأمر الذي أعارضه، وأعتقد أن هذا الطرح ليس أوروبيا في المفهوم فحسب، بل هو نفعي أيضا وموغل في المادية والذرائعية والإبادية، وبالتالي فهو فكر هدام بشكل تام، والدليل على ذلك أننا دمرنا بشكل جزئي أو كلي كل شيء لمسناه في القرن ونصف القرن الماضيين، وذلك منذ أن أفرزت الثورة الصناعية (بدأت في القرن 18) ثمارها.
أعتقد أن كثيرين يتفقون على أن القرن العشرين ربما كان أكثر القرون عنفا في التاريخ البشري، حتى أنه تجاوز بعنفه القرن الـ 91 الذي شهد تمدد الاستعمار المدمر في ربوع العالم. وهنا يكفي النظر إلى البيئة وإيكولوجيا الأرض، وكذا تفكك الأنظمة الأسرية والاجتماعية والمجتمعية، والارتفاع التدريجي للأمراض الجسدية والعقلية وغيرها من الأمور.
يقدم سعيد تصورا ضحلا للجدلية التي تجمع بين المعرفة الحديثة والسلطة، ويختصر منطق الإمبراطورية في بعض الأفعال السياسية، حتى أنه يعتقد أن جميع الإمبراطوريات عبر التاريخ تعمل وتهيمن بنفس الطريقة.
علاوة على ذلك، فإن نقده الليبرالي والعلماني أعطى العلوم الإنسانية والاجتماعية مخرجا سهلا، وهو ما جعل دراسات ما بعد الكولونيالية -وهو المجال الذي تم تأسيسه في أعقاب مساهمات سعيد- يتنقل على سطح الأشياء دون سبر الأغوار
إن بنية المنطق الذي يقوم عليه كتاب سعيد المشهور (الاستشراق) هو إلى حد بعيد جزء من المشكلة، فهو يقدم تصورا ضحلا للجدلية التي تجمع بين المعرفة الحديثة والسلطة، ويختصر منطق الإمبراطورية في بعض الأفعال السياسية، حتى أنه يعتقد أن جميع الإمبراطوريات عبر التاريخ تعمل وتهيمن بنفس الطريقة.
علاوة على ذلك، فإن نقد سعيد الليبرالي والعلماني أعطى العلوم الإنسانية والاجتماعية مخرجا سهلا، وهو ما جعل دراسات ما بعد الكولونيالية -وهو المجال الذي تم تأسيسه في أعقاب مساهمات سعيد- يتنقل على سطح الأشياء دون سبر الأغوار، مما يمنح الأكاديميين فرصة جديدة للاستمرار واستنباط الافتراضات القديمة والبالية بطريقة جديدة، ولكن أساسيات النظام تظل على حالها.
لم يستطع سعيد فهم عمق المشكلة، الأمر غير مرتبط بوجود معرفة جيدة (بالمعنى الأخلاقي) أفسدتها السلطة.
معرفتنا، في جوهرها، فاسدة في ماهيتها، لأنها مشتقة من شكل معيوب من العقل والعقل السياسي
في كتابك “قصور الاستشراق..” تحدثت عما أسميته تواطؤ الاستشراق مع السلطة، فكيف برز كنتاج لتشكيلات ثقافية وفكرية محددة لأوروبا الكولونيالية، وفق مسلك متحيز ومنحرف؟
هنا مرة أخرى، على غرار معظم النقاد المعاصرين، لم يستطع سعيد فهم عمق المشكلة، الأمر غير مرتبط بوجود معرفة جيدة (بالمعنى الأخلاقي) أفسدتها السلطة.
هذه النظرة المثالية للمعرفة النقية التي نبيعها لطلابنا في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية هي أسطورة نحتاجها حتى نتمكن من التعايش مع حقيقة أن معرفتنا، في جوهرها، فاسدة في ماهيتها، لأنها مشتقة من شكل معيوب من العقل والتفكير السياسي، الذي يسعى بشكل دؤوب للسيطرة على “المعرفة النقية”، وهو ما يسمى في الواقع بالمعرفة الأكاديمية. ولا يوجد فرق في بنية نظرية المعرفة الحديثة (التي أنتجتها الأوساط الأكاديمية) والعقل السياسي، وكلهما محط تشكيك أخلاقي.
بصيغة أخرى، الاستشراق لا يختلف بأي حال من الأحوال عن أي مجال أو تخصص أكاديمي آخر، وهو أحد الانتقادات الرئيسية التي وجهتها ضد سعيد الذي اعتقد بسذاجة أن مجال الدراسات الإسلامية به بعض المشاكل الخاصة التي تعتبر مجالات أخرى إما بريئة منها أو أقل تأثرا بها.
حتى في كتابه الأخير “الثقافة والامبريالية” (Culture and Imperialism) وسع نقده ليشمل بعض المجالات غير الاستشراقية، لكنه ظل مخلصا بشدة لعقل التنوير إخلاصا بالغا.
يجب علينا تغيير افتراضاتنا ومنطلقاتنا حول المعرفة التي أنتجتها أوروبا، وانتشرت بشكل مهيمن في جميع أنحاء العالم في القرون الثلاثة أو الأربعة الماضية، أي المعرفة التي لا زلنا نتعايش معها.
المعرفة التي أنتجتها أوروبا مرتبطة جوهريا بالاستعمار؛ حيث كانت داعما وفق مقاربة جدلية مع هيمنة الذات والآخر. لا يمكن أن تكون هناك أوروبا حديثة بدون استعمار، لأن أوروبا التي نعرف خادمة لعقلية معينة لم يكن من الممكن تصورها أو تشغيلها في العالم خارج منطق الكولونيالية وقوتها، وهما شيئان مختلفان.
هذه معرفة مرتبطة جوهريا بالاستعمار، حيث كانت داعما وفق مقاربة جدلية مع هيمنة الذات والآخر. لا يمكن أن تكون هناك أوروبا حديثة بدون استعمار، لأن أوروبا التي نعرف خادمة لعقلية معينة لم يكن من الممكن تصورها أو تشغيلها في العالم خارج منطق الكولونيالية وقوتها، وهما شيئان مختلفان.
الاستشراق ليس مجرد شكل منفصل من المعرفة، يستخدم كاستثناء لتشويه العالم والسيطرة عليه حسب تصور إدوارد سعيد، ولكنه مجرد الوجه الأكثر وضوحا لشمولية المعرفة المشكلة من خلال الاهتمام الحصري بالسيطرة على الناس وإخضاعهم
لذلك فإن الاستشراق ليس مجرد شكل منفصل من المعرفة، يستخدم كاستثناء لتشويه العالم والسيطرة عليه حسب تصور إدوارد سعيد، ولكن الاستشراق مجرد الوجه الأكثر وضوحا لشمولية المعرفة المشكلة من خلال الاهتمام الحصري بالسيطرة على الناس وإخضاعهم. إنه أيضا الخطاب الأكثر مباشرة عن الآخر، وبعد الاستشراق تأتي الإنثروبولوجيا في المرتبة الثانية.
ومع ذلك، فإن الهندسة والطب والأعمال التجارية والاقتصاد والقانون والتاريخ، وحتى الفلسفة، معارف استشراقية بقدر الاستشراق نفسه. فالاستشراق مثل السلطة، مبثوث في كل مكان.
قلت إن الاستشراق ليس سوى سلاح آخر استعملته أوروبا في حربها ضد الآخر، لكنها حرب لا تهدف دائما إلى التدمير بل تهدف غالبا لإعادة ترتيب الوجود. هل يمكنك شرح هذه الفكرة أكثر؟
من الواضح أن أشكال التدمير الحديثة ليست متعمدة، على الأقل في بداياتها، وذلك عندما ظهرت في القرنين الـ 17 والـ 18. أعتقد أن التنوير في المجمل كانت له نوايا جيدة في مطلعه، ولكنه على أقل تقدير لا يجسد انعتاقا، خاصة عندما نستمر بمثابرة في طرقنا رغم علمنا الوثيق بأننا نسير على الطريق الخطأ. أصبحنا نعرف منذ أكثر من نصف قرن أن طرقنا في تصور العالم واشتغالنا فيه معيب، ومع ذلك فإننا إلى حد كبير نواصل القيام بنفس الأشياء.
كانت أشكال المعرفة بأوروبا مدمرة لأنها أصرت على اتخاذ وجهة نظر سلبية ومعادية للطبيعة، واستخدامي لمفهوم “الطبيعة” هنا مركب. لم تكن أوروبا راضية عن نفسها أبدا، وكما أؤكد في الكتاب فإن الفكر الأوروبي كان مشبعا بمصفوفة من كراهية الذات.
للإجابة عن سؤالك بشكل مباشر أكثر، كانت أشكال المعرفة في أوروبا مدمرة لأنها أصرت على اتخاذ وجهة نظر سلبية ومعادية للطبيعة، واستخدامي لمفهوم “الطبيعة” هنا مركب. فلم تكن أوروبا راضية عن نفسها أبدا، وكما أؤكد في الكتاب فإن الفكر الأوروبي كان مشبعا بمصفوفة من كراهية الذات.
وهكذا فبقدر ما استاءت أوروبا المسيحية من نفسها وأرادت تغيير طبيعتها، بقدر ما فعلت الشيء نفسه مع المستعمرات، في عملية إنتاج نفس الأنماط المسيحية في أشكال علمانية معادٌ تجميعها. لهذا أصررت في “قصور الاستشراق..” على أن المشروع الفريد للكولونيالية الحديث بدأ في أوروبا وليس في المستعمرات. حيث احتلت أوروبا نفسها قبل أن تحتل الغير.
خصصت في الكتاب فصلا كاملا عن نظرية “المؤلف الهدام” لما تحمله من أدوار ومهام مختلفة، فهل تقصد به الذي يقوم بالممارسة النقدية المطلوبة؟
نظرية المؤلف الهدام لها وظائف عديدة، وتلعب أدوارا مختلفة في سياقات مختلفة. ومع ذلك، فإنها تهدف عموما إلى تحدي مفاهيمنا ونظرياتنا حول ما تعنيه الدراسة في الأوساط الأكاديمية وما تجسد من منتج معرفي في ذروته.
أنا أذهب إلى أن المؤلف الهدام نوع نادر من ناحية انتسابه ومكانه المتسمين بنوع من السلبية. فنظام المعرفة الخاص بالحداثة مبني على لاهوت سياسي لا يسمح للمؤلف الهدام بالظهور بسهولة، وهو السبب وراء كون المؤلف هداما، المؤلف الهدام هو الناقض الحقيقي، فهو الشخص الذي ينخرط في النقض (critique) بدل انخراطه في النقد (criticism) فحسب.
في حالة الحداثة، عرفنا مدار 3 أرباع القرن على الأقل أن نظامنا مفلس ومدمر، ومع ذلك لم نتمكن من الاعتراف بإفلاسنا وقبول أننا بحاجة إلى إحداث تغيير نظمي
حسب علمي، منذ نيتشه فإن الأصوات الناقضة نادرة، وذلك وفق المعنى الذي أستخدمه هنا، فالنقض هو ممارسة منهجية وبنيوية خالصة، لا تعنى بمعالجة التفاصيل المندرجة ضمن البنى الكبرى (كثرة الكتابة عن الأمور الصغيرة جدا) وكذا أساسيات النظام.
في حالة الحداثة، عرفنا مدار 3 أرباع القرن على الأقل أن نظامنا مفلس ومدمر، ومع ذلك لم نتمكن من الاعتراف بإفلاسنا وقبول أننا بحاجة إلى إحداث تغيير نظمي. أعتقد أن حالة الإنكار العبثية هذه تفسر الكثير من ردود الفعل العنيفة التي تلقاها الكتاب. يواصل التقليد الأورو أميركي الإيمان بالمفاهيم المؤسسة للحداثة، رغم ما يواجهون من كوارث بيئية واجتماعية ونفسية ناجمة عن مخلفات الحداثة.
الكتاب شهد ردودا متباينة، هناك من رحب به ومن احتج بشدة، فما السبب؟
بشكل عام، تم استقباله بشكل جيد. ومع ذلك، فإن الأصوات الناقدة القليلة وخصوصا اللاذعة منها تنبع دائما من العلماء الممتعضين من تشخيصي لتاريخ أوروبا، وتنويرها، وتشكلاتها النابعة من العقل الأداتي. في الحقيقة أتعاطف إلى حد ما مع هؤلاء النقاد، ومن الصعب على البعض أن يرى العبد يضرم النار في منزل سيده.
أصبحت دراسات ما بعد الكولونيالية المبثوثة في العلوم الإنسانية والاجتماعية محاكاة ساخرة وسطحية لتحليل سعيد، لذا فإن نقضي لعمله إدانة للعلوم الإنسانية والاجتماعية أكثر من كونه هجوما على عمل سعيد نفسه.
كما تعلم لقد مرت 4 عقود على كتاب سعيد وهو ما أفرز لنا من جهة تعامل معين مع الاستشراق وكذا ظهور حقل جديد يعرف بما يسمى “دراسات ما بعد الكولونيالية ” فما تقييمك لهذا الموروث الذي خلفه سعيد؟ وما أهمية دراسات ما بعد الكولونيالية؟
في الواقع لم يكن اهتمامي منصبا حقا على عمل سعيد نفسه، فكتابه نشر منذ أكثر من 40 عاما، لكن السبب وراء أخذي الأمر على محمل الجد مع الأسف هو كون الكتاب يستمر في لعبه دورا طلائعيا يقود ويحتوي بشكل فعال الخطاب الأكاديمي برمته، وأنا هنا لا أعرف أي عمل يتعارض بشكل مباشر ومتعمد مع مقدماته الأساسية وافتراضاته الفلسفية مثل ما حدث مع أطروحة سعيد. بعبارة أخرى، أصبحت دراسات ما بعد الكولونيالية المبثوثة في العلوم الإنسانية والاجتماعية محاكاة ساخرة وسطحية لتحليل سعيد، لذا فإن نقضي لعمله هو إدانة للعلوم الإنسانية والاجتماعية أكثر من كونه هجوما على عمل سعيد نفسه.
ما الذي يمكن استخلاصه من إعادة صوغ الاستشراق وإعادة صوغ الفرد؟ هل يمكن تخليص المعرفة من تحيزاتها؟
المعرفة مسلك لرؤية الأشياء والقيام بها، إنها طريقة للعيش، فهي ليست مجرد نظرية وخطاب تجريدي. وفقا لذلك، فإن التوسل بالمعرفة يقود المرء إلى إنتاج أشياء جيدة كما يمكنه أن ينتج أشياء سيئة. يمكن للمرء أن يحدد الحياة الجيدة، بغية جعل الأمور أفضل لنفسه وللآخرين. بمعنى آخر، مثل المعرفة كمثل السكين الذي يغدو في يد الطاهي الماهر أداة تسمح لإنتاج أطباق شهية، لكن نفس السكين إذا أمسى بيد مجرم يتحول إلى أداة قتل. ومنه فإن حامل السكين هو من يحدد كيفية استخدامه وكذا الغرض منه.
الاستشراق نوع من أنواع المعرفة التي ينطبق عليها نفس التعميم المرتبط بمن يحمله ومن يتحمله. دائما ما يكون حامل المعرفة ذاتا بشرية. وإذا أنشأنا ذاتا أخلاقية مفكرا فيها، فإننا نحصل على ذات لإنتاج أفعال تعكس هذه الصفات والسمات.
لست متأكدا من كون أولئك الذين يحسبون أنفسهم ممن يقاوم الاستشراق وخطابه (مثل سعيد) مؤهلين لرؤية مدى انغماسهم في الخطاب الذي يحاولون تقويضه
لقد راكم الاستشراق الكثير من المعرفة منذ حوالي قرن ونصف القرن. لكن السمة الذاتية للمستشرق المتسم بالإنسانية انحرفت لتتحول لأنماط وجود متسلطة ومتغطرسة، لست متأكدا من كون أولئك الذين يحسبون أنفسهم أنهم ممن يقاوم الاستشراق وخطابه (مثل سعيد) مؤهلين لرؤية مدى انغماسهم في الخطاب الذي يحاولون تقويضه.
إن المطلوب هو إيجاد ذوات استشراقية مختلفة، جيل يمكنه استيعاب ضرورة ما أسميته التواضع المعرفي، وهو التواضع الذي يسمح بالتعلم من الآخرين، وكذا قبول الآخر، ومن ثم دراسة الأشياء بغية إحداث تربية ذاتية أخلاقية، وليس دراسة الأشياء من أجل السيطرة والتحكم.
المصدر : الجزيرة