مرّ نحو أسبوعين على عرض المسلسل الكوري “لعبة الحبار” (Squid Game) على منصة نتفليكس (Netflix) العالمية، أصبح خلالهما ظاهرة عالمية.
فلأول مرة يصبح مسلسل كوري الأعلى مشاهدة في كل من الولايات المتحدة وإنجلترا وكثير من البلاد في شتى أنحاء العالم، والأهم أن هذا النجاح غير المعقول لم يحقق عبر حملات دعاية واسعة قامت بها المنصة، بل إن المنصة أهملت المسلسل إلى حد كبير.
وحقق المسلسل كل هذا الانتشار بالسمعة الطيبة التي جناها بين المشاهدين، والدعاية التي قاموا بها بأنفسهم بصورة مباشرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليصل حتى إلى الشرق الأوسط ويتصدر قائمة المشاهدات في العديد من البلاد العربية، فكيف بدأت هذه الأسطورة الحية؟
لعبة أطفال للكبار
تدور أحداث مسلسل “لعبة الحبار” في كوريا الجنوبية، حيث تبدأ القصة برجل متوسط العمر، غارق في الديون، ويعيش تحت خط الفقر مع والدته، بعدما فقد عمله في إحدى الشركات الكبيرة نتيجة للتقلبات الاقتصادية الدائمة الحدوث في كوريا، وينفصل نتيجة ذلك عن زوجته وابنته.
يقضي أيامه البائسة في محاولة الحصول على أي مبلغ من النقود ليقامر به علّه يحقق الثراء السريع الذي ينقذ عائلته، ولكن بدلا من ذلك لا يقابل سوى المشاكل والدائنين، وبالمصادفة يتعرف على رجل يلعب معه لعبة أطفال لكن على مبلغ كبير من المال، ثم يدعوه إلى ما يمكن أن يعدّه فرصة العمر، وتضغط عليه ظروفه القاسية حتى يقبل هذه المغامرة التي تقلب حياته رأسا على عقب.
يجد بطل مسلسل “لعبة الحبار” نفسه أحد أبطال لعبة عملاقة غامضة، حيث يصبح آخر أفراد مجموعة من البائسين المدينين الذين قد يقبلون القيام بأي شيء فقط من أجل الفوز في هذه اللعبة المميتة، والحصول على ما يكفي من المال لإنهاء مشاكلهم، ويصبح عليه خوض العديد من المغامرات المرعبة لينجو بحياته ومستقبله.
الفقر الكوري يحقق النجاح
منذ عامين تقريبا فاجأ الفيلم الكوري “طفيلي” (Parasite) العالم بفوزه بجائزة السعفة الذهبية ثم أوسكار أفضل فيلم وأفضل سيناريو فضلا عن عدد من الجوائز الأخرى.
وضع هذا الفيلم السينما الكورية في قمة عالم الترفيه، فلم تعد “الثقافة الكورية” أو “الكيه بوب” فقط رائجة في المسلسلات التلفزيونية أو الأغاني، بل دلفت إلى محراب السينما.
امتلك فيلم “طفيلي” العديد من المزايا التي أهّلته لهذا النجاح، فقد قدم قصة مثيرة للغاية، وفي الوقت ذاته بسيطة يسهل استيعابها من المشاهد العادي؛ حبكة تناولت الفروق الطبقية الهائلة في المجتمع الكوري، التي تنطبق على أي مجتمع تقريبا، مع مشاهد إثارة دموية باستخدام مونتاج مبدع، جعل حتى محبّي أفلام الإثارة ينفعلون معه.
ويبدو أن خلطة المخرج بونج جون هو ما زالت تميمة النجاح، فقد استغلها تقريبا مسلسل “لعبة الحبار” بالتفصيل، فقدم القصة المثيرة التي تركز بصورة أساسية على مشاكل الطبقات الفقيرة في كوريا والعالم، مع مشاهد دموية كثيرة لمحبيها، فدخل إلى قلوب المشاهدين في كل مكان تقريبا.
مشاكل فنية
ولكن البناء الناجح لم ينقذ المسلسل من المشاكل الفنية العديدة التي حفل بها، وكان أولها التطويل الشديد حتى يكمل المسلسل عددا كافيا من الحلقات التي بلغت 9، فالحلقة الثانية على سبيل المثال يمكن اختصارها بالكامل في 10 دقائق توضح السبب الذي جعل اللاعبين يعودون مرة أخرى للعبة، لكنها استغرقت نحو ساعة كاملة من اللف في دوائر حول المضمون نفسه، كذلك الحلقة الأخيرة إذ لم تقدم فقط خاتمة اللعبة، بل انشغل أغلبها تقريبا بما بعد الخاتمة، وذلك قتل الإثارة، وجعلها مجرد تحصيل حاصل، أو محاولة لفتح المجال لموسم ثان.
وفي محاولة إبهار المشاهدين، حاول صناع لعبة الحبار تقديم عدد من الالتواءات في الحبكة أو المفاجآت التي يطلق عليها بلغة الدراما “البلوت تويست” لكنها كانت متوقعة للغاية، والأسوأ أنها رخيصة بشكل يجعلها كوميدية، تشبه ما تم تقديمه في الأفلام العربية القديمة، بخاصة في الحلقة النهائية.
في النهاية، مسلسل لعبة الحبار حقق بالفعل النجاح الباهر، ربما لأنه استطاع استخدام صيغة أثبتت نجاحها من قبل، أو لأنه داعب ببراعة أحلام الملايين من الذين يرزحون تحت قلق الخوف من الغد، سواء من الطبقات الوسطى أو الفقيرة، ويحلمون بالثراء السريع، ولعبة قد تحل مشاكلهم وتغير مستقبلهم مثل ما شاهدوه، ويتماهون مع الأبطال ومحاولاتهم الخرقاء للبقاء على قيد الحياة، والفوز بكل شيء في آن واحد.
سيبقى عملا قد يحقق نجاحا كبيرا، وشعبية جارفة، لكنه سيُنسى سريعا كما حدث مع أعمال أخرى تناولت الموضوع ذاته من قبل مثل “مباريات الجوع” (Hunger Games)، سيبقى فقط حتى يأتي العمل القادم على نتفليكس الذي يحقق النجاح الساطع ويصبح رقم (1) في عدد المشاهدات، إذ أصبح هذا التقييم الرقمي يشبه الشهب التي تبهر الأنظار في اللحظات الأخيرة قبل اختفائها إلى الأبد.