علي عبدالأمير عجام*
توني موريسون، المؤلفة الأميركية الحائز ة على أرفع جائزة في بلادها (بوليتزر) كانت قد أضاءت أفراح الحياة الأمريكية السوداء وآلامها من خلال أعمال حيوية بل مذهلة مثل “محبوبة” و”أغنية سليمان” رحلت ليل الاثنين، حسبما أكد ناشرها عن 88 عاماً.
خلال مسيرتها الأدبية التي استمرت ستة عقود، كتبت 11 رواية وخمسة كتب للأطفال ومسرحيتين وأغاني بل وحتى أوبرا. عملت محررة وأستاذة، وموجهة تربوية دؤوب لأجيال من الكتاب الشباب السود، فهي عانت من تجاهل إلى حد كبير ككاتبة حتى عقد السبعينيات من القرن الماضي، لكنها واصلت مسيرتها بعناد وصرامة أدبية عالية لتظفر لاحقاً بأرفع الجوائز والأوسمة: ” نوبل في الأدب” 1993 إلى ميدالية الحرية الرئاسية (من الرئيس باراك أوباما) وصولاً إلى جائزة “بين” جائزة عن عموم إنجازها في الرواية الأمريكية.
وسعّت موريسون “الشريعة الأدبية للأمة الأمريكية، لتكون بمثابة ضميرها من خلال الأوقات العصيبة ورسّخت مكانتها كحارس لتاريخ المهمشين”. من خلال المنعطفات المبتكرة للعبارة الأدبية والتضمين الجميل لصور الشخصيات الأمريكية من أصل أفريقي، وصور الشخصية المحببة، والنظرة التاريخية الحادة والمنعطفات المأساوية، ومن هنا فهي واحدة من أكثر الكتاب نجاحًا وتأثيراً في تاريخ الأدب الأمريكي.
سنواتها المبكرة
وُلد موريسون كلو أرديليا ووفورد في 18 شباط/فبراير 1931، في بلدة فقيرة بالجنوب الأمريكي. كانت الثانية من بين أربعة أطفال لأب هو جورج ووفورد، عامل بناء السفن. شهد كل من والديها العنصرية الجامحة في الجنوب بشكل مباشر: رأى والدها، وهو طفل، إعدام رجلين أسودين، وكان يعاني من انعدام ثقة عميق بالبيض لبقية حياته. خلال فترة الكساد الكبير(1929-)1933: عندما كان عمر موريسون في الثانية من العمر، أشعل مالك عقارعائلتها النار في المنزل لعدم قدرة الأب على دفع الإيجار.
كانت القصص جزءاً لا يتجزأ من الحياة الأسرية. أخبرها والداها قصصاً عن الأشباح والحكايات الشعبية الأفريقية الأمريكية. وكذلك فعلت جدتها أرديلا ويلس، التي عاشت معهم أيضًا. كتبت موريسون عن جدتها: “لقد أخبرتنا بقصص لإبقائنا نعمل في مهام شاقة، وللتخفيف من الكدمات. ولنأخذ عقولنا بعيداً عن الألم ولكسر العالم الكئيب نحو عالم آخر ساحر”.
كانت موريسون قارئة نهمة مبكرًا فالتهمت أعمال جين أوستن وريتشارد رايت ومارك توين وغيرها الكثير. لقد تحولت إلى الكاثوليكية عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها، وانضمت في سن المراهقة إلى فريق المناظرات الأدبية والفكرية في مدرستها. ولكسب شيء من المال، نظفت منازل البيض وعملت سكرتيرة للمكتبة العامة في مكتبة مدينتها العامة.
عندما وصلت موريسون إلى سن الدراسة الجامعية، قررت الالتحاق بجامعة هاوارد، حيث تولى والدها وظيفة أخرى من أجل تحمل الرسوم الجامعية العالية لابنته. هناك، درست العلوم الإنسانية. بعد تخرجها في عام 1953، ذهبت إلى كورنيل، حيث حصلت على درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية وكتبت أطروحتها عن ويليام فولكنر وفيرجينيا وولف.
بدء مهنتها ككاتبة
بعد تخرجها من كورنيل، بدأت موريسون مسيرتها التدريسية، حيث حصلت أولاً على وظيفة في جامعة تكساس الجنوبية، ثم عادت إلى هاوارد، حيث درست الناشط الحقوقي الأسود ستوكلي كارمايكل وألهمته وهناك قابلت هارولد موريسون، المهندس المعماري، قبل أن تتزوجه 1958 لينجبا طفلين (فورد وسليد) قبل الطلاق في عام 1964.
خلال هذه الحقبة، بدأت العمل على روايتها الأولى، “العين الأكثر زرقة”، التي صورت فتاة سوداء مراهقة هي ضحية مهووسة بمعايير الجمال الأبيض (ما انفك هذا يفتك بملايين الفتيات السود)، وتتوسل إلى الله أن تحول عيونها إلى اللون الأزرق “أردت أن أقرأ كتاباً لم يكتبه أحد، لذلك أنني ربما كتبته كي أقرأه”. كانت تأمل في كتابة رواية خالية من “النظرة البيضاء”، حدّ أنها كانت تشعر بالضيق من عمل أكثر الكتاب السود شهرة مثل رالف إليسون وفريدريك دوغلاس التي وقعت أسيرة تلك النظرة.
وقالت في فيلم وثائقي عنها أنتج العام الجاري: “لقد أمضيت حياتي كلها في محاولة للتأكد من أن النظرة البيضاء لم تكن هي المهيمنة في أي من كتبي”.
لاقت رواية “العين الأكثر زرقة” المنشورة في عام 1970 استجابة بسيطة، على الرغم من أن صحيفة “نيويورك تايمز” استعرضتها بشكل إيجابي، واصفة مؤلفتها بأنها “كاتبة ذات قوة كبيرة وحنان غامر”. ولكسب لقمة العيش لنفسها طفليها، عملت موريسون كمحررة في دار “راندوم هاوس” للنشر، وشجعت الكتاب السود كأنجيلا ديفيز على تبني أصواتهم الفريدة والمحددة ثقافياً. وقالت في مقابلة أجريت عام 1994: “الطريقة التي يتحدث بها السود ليست في استخدام القواعد غير القياسية بقدر ما هي التلاعب بالاستعارة”.
في عام 1974 نشرت “الكتاب الأسود”، وهو مختارات عن حياة الأميركيين من أصل أفريقي وتاريخم الذي أثر إلى حد كبير في صورة الأنثروبولوجيا والثقافة السوداء. بعد ذلك بعامين، ناضلت من أجل نشر وتسويق السيرة الذاتية “الأعظم” لمحمد علي كلاي، على خلفية رفضه المثير للجدل للخدمة في حرب فيتنام.
كسب الصدارة في العالم الأدبي
مع احتفاظ موريسون بوظيفة بدوام كامل وتربيتها لطفليها، كانت تكتب كلما سنح لها وقتٌ: في الفجر، أو في منتصف رحلة تنقل. تتذكر انجيلا ديفيز، أن موريسون كانت تخربش فقرات على ورقة كانت تضعها على عجلة القيادة في سيارتها بينما كانت عالقة في حركة المرور. سرقت موريسون وقتَ كتابةٍ كافياً لتتمكن من نشر روايتين أخريين في السبعينيات: سولا (1973)، التي تتبعت فيها حيًا أسودًا في ولاية أوهايو من خلال أعين اثنين من أفضل الأصدقاء، و”أغنية سليمان” (1977)، وهي ملحمة تمتد عقودًا من الزمن وتؤرخ حياة رجل أسود.
هذا الكتاب الأخير، على وجه الخصوص، اخترق جدار الصمت المضروب حول صاحبته، وفاز بجائزة “الجمعية الوطنية لنقاد الكتاب”. أقنعها نجاح الكتاب بأنها يمكن أن تلزم نفسها ككاتبة متفرغة. في عام 1981، بعد إطلاق روايتها الرابعة “طفل القطران”، أصبحت أول امرأة سوداء تظهر على غلاف مجلة “نيوزويك” يعد زورا نيل هيرستون في عام 1954.
نُشر عملها الشهير، Beloved “محبوبة” في عام 1987. وتستند الرواية إلى قصة حقيقية صادفتها موريسون أثناء نشرها “الكتاب الأسود” – لعبد هارب يقتل ابنته الرضيع بعد أن استعبدها البيض. أثارت الرواية ضجة كبيرة، وبقيت ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعًا لمدة 25 أسبوعًا وتمت إضافتها إلى قوائم قراءة الأدب في المدارس على امتداد أنحاء البلاد. كما فازت الرواية بجائزة “بوليتزر” عن أفضل عمل أدبي. وعنها قالت موريسون لصحيفة “نيويورك تايمز” في عام 1994: “شعرت أنني ممثلة لعالم بأسره من النساء اللائي كن صامتات أو اللائي لم يتلقين مطلقًا إنصافا من العالم الأدبي الراسخ”.
بينما أصبحت موريسون على جانب من الاحترام والتقدير، إلا أنها أصبحت خائفة من “أعمالها الحسية” أو ذات المحتوى الجنسي الصريح. لذا مراراً وتكرارا، تمت إزالة كتبها من المناهج الدراسية، كما تم حظر روايتها “الفردوس” في سجون تكساس خشية أن تتسبب في أعمال شغب.
عقد الأوسمة والجوائز
كان عقد التسعينيات من القرن الماضي محتشداً بالجوائز والأوسمة التي حازتها موريسون. تم اختيارها لجائزة نوبل في الأدب في عام 1993، وجائزة “جيفرسون للعلوم الإنسانية” في عام 1996، و”ميدالية المساهمات المتميزة للمؤسسة الوطنية للكتاب” لعام 1996.
كتبت روايتين أخريين “جاز” عام 1992 و”الفردوس” 1997 ومقالات مستفيضة حول الخلافات العرقية المشحونة، كما طوّرت رابطة شهيرة مع النجمة التلفزيونية أوبرا وينفري، التي أضافت بعض روايات موريسون إلى ناديها المؤثر للكتاب، والذي أنتج فيلم “محبوية” Beloved عام 1998. وقالت وينفري “من المستحيل تخيل المشهد الأدبي الأمريكي بدون توني موريسون. إنها ضميرنا، هي رائعتنا، هي حكايتنا”.
إرثُها الدائم
ولكن مع النجاح جاءت أيضا المأساة. اشتعلت النيران في منزل موريسون عام 1993 وتوفيت والدتها بعد أقل من عام.
ظهرت موريسون على غلاف مجلة “تايم” في عام 1998 بعد إطلاق كتاب “الفردوس” وتحدثت في مقال منشور في ذلك العددعن روايتها الجديدة: “العالم في ذلك الوقت لم يكن يتوقع الكثير من فتاة سوداء صغيرة، لكن أبي وأمي فعلا بالتأكيد”.
بعد الألفية الجديدة، أصدرت موريسون أربع روايات أخرى لقيت إشادة كبيرة وظلت تدرس في جامعة برينستون حتى تقاعدها من هذا المنصب في عام 2006. في عام 2008، قدمت أول تأييد رئاسي لها على الإطلاق، دعماً لباراك أوباما، وبعد أربع سنوات، ردّ الرئيس جميلها بمنحها “وسام الحرية” الرئاسي.
قال الرئيس أوباما في الحفل: “أتذكر قراءة “أغنية سليمان” عندما كنت طفلاً ليس فقط لأحاول معرفة كيفية الكتابة، ولكن أيضًا كيف أكون وكيف أفكر. إن نثر توني موريسون يجلب لنا هذا النوع من المثل الأخلاقية والعاطفية التي لم يحاول الوصول إليها سوى القليلُ من الكتاب”.
نالت “وسام الحرية” خلال فترة أخرى من الحزن: فقبل عامين من تقليدها الوسام الرفيع، توفي ابنها سليد بسبب سرطان البنكرياس في سن 45 وكانت موريسون بصدد كتابة روايتها الرئيسية، لكن حزنها جعلها غير قادرة على الكتابة.
بقيت موريسون نشطًة في الحياة العامة حتى عام 2010، حيث علقت على القضايا السياسية، وأجرت الكثير من المقابلات، وواصلت الكتابة باستمرار.
“لقد كتبت – أنا خالية من الألم.”إنه المكان الذي لا يخبرني أحد بما يجب فعله؛ إنه مكانٌ خيالي و أنا بالفعل في أفضل حالاتي. لا شيء أكثر أهمية في العالم أو في جسدي أو في أي مكان عندما أكتب”.
*استعانت هذه الصورة القلمية ببعض ما كتب الثلاثاء بعد رحيل موريسون في مجلة “تايم”، مجلة “نيويوركر” وموقع إذاعة “الراديو الوطني العمومي” الأمريكي.