من منا لم يحب شخصية الجوكر بعد أن اقتربنا أكثر من نفسيته وحياته الخاصة في الفيلم الذي قام بدوره جواكين فينيكس في دور آرثر فليك، لماذا كرهنا باتمان رجل الخير وأحببنا الجوكر الشخصية الفاسدة المحبة للشر، ومن منا لم يكره شخصية كرولا بفيلم “101 كلب” وأحبها بعد مشاهدة الفيلم الجديد (CruellA) الذي يأخذنا في رحلة جديدة داخل عالمها وحياتها.
كيف تتحول مشاعرنا تجاه هذه الشخصيات الشريرة التي من المفترض أن نُكِن لها مشاعر الكراهية وليس الحب والشفقة. من العوامل التي تجذبنا للأشرار كسرهم للقوانين ورفض ما يمليه عليهم المجتمع، يضعون قواعدهم الخاصة ولا يهتمون بآراء الآخرين وهذا شيء بداخلنا جميعا.
هناك العديد من العوامل الأخرى التي ربما تجعلنا نقع في حب شخصيات غير متزنة نفسيا محبة للانتقام يمكن أن تقتل، تسرق، تعذب أو تفعل أي شيء يخطر ببالها.
خلفية مأساوية
أولى مراحل إيقاعنا بفخ حب الشخصيات الشريرة هي وضعنا في حياتها منذ البداية وإظهار الجانب المأساوي به، على سبيل المثال في فيلم (Cruella) بدأ الفيلم بقصة حياتها منذ الطفولة، حيث ولدت بشخصية غريبة الأطوار وشعر نصفه أبيض ونصفه أسود، ونعيش معها أولى لحظاتها العصيبة مع والدتها والفقر، حتى يصبح مصيرها الشارع وتنضم لطفلين من أطفال الشوارع ليكوّنوا فريقا للسرقة، النتيجة سيئة ولكن من منا لن يتعاطف مع طفلة تُترك وحيدة في الشوارع بعد وفاة والدتها.
أولى مراحل إيقاعنا بفخ حب الشخصيات الشريرة هي وضعنا في حياتها منذ البداية (مواقع التواصل)
إظهار الجانب الطيب
الخطوة الثانية هو إظهار جانب طيب من شخصيتهم حتى لا نكرههم، ونشعر أن بداخلهم ما زال هناك، ولو حتى جزء بسيط من مشاعر الرحمة، في فيلم الجوكر يظهر في مشهد بعد قتله البشع لزميله المتنمر في العمل الذي رأيناه بالفعل وهو يسيء لآرثر ويتسبب في فصله من العمل، وتحضّرنا نفسيا بنسبة لا بأس بها لاستقبال هذا الانتقام، لكن ربما تصدمنا برودة مشاعر آرثر، وهنا يحين الوقت لأن نغفر له تصرفه الوحشي، فيظهر في نهاية المشهد وهو يقبل زميله الآخر قصير القامة ليطمئنه أنه لن يؤذيه ثم بكل لطف يساعده في فتح مقبض الباب.
تبرير أفعالهم
الخطوة الثالثة والأهم على الإطلاق هي إعطاء الشخصية دافعا لأفعالها الشريرة، لن نغفر للشخصية أفعالها حتى نفهم لماذا يقتلون بهذه الوحشية، ولماذا يسعون للانتقام دائما دون التفكير في عواقب الأمور، في فيلم الجوكر توصلنا إلى العديد من النقاط في حياته التي جعلته بهذا الشر، مثل التنمر الذي لاقاه من زملائه في العمل، أو السخرية من مرضه والاستهزاء به، أو حتى الاعتداء عليه دون سبب، ومحاولاته الكثيرة للنجاح في مجال الكوميديا واستهزاء المذيع به أمام الآلاف من الناس، لقد رأينا آرثر يحاول مرارا وتكرارا أن يكون شخصا طيبا ولطيفا ولكن كل الأسباب كانت تدفعه باتجاه الانتقام.
المرض النفسي
ولكن هل يكفي أن يمر الشخص بحياة عصيبة ليصبح شريرا بكل معنى الكلمة؟ ربما في هذه المرحلة يساورنا الشك أن هذا التعاطف لم يكن في محله ولا يوجد سبب كاف لأن يصبح الشخص قاتلا عديم الرحمة، حتى وإن كانت حياته مليئة بالصعاب، الآن هو الوقت المناسب لإظهار سبب آخر يدفع الشخصية للاستسلام للشر، سبب قهري يعيد لنا مشاعر التعاطف، مثل المرض النفسي، نحن هنا في مرحلة عصيبة كيف نحكم على شخص يعاني من مرض نفسي، أي أنه غير مسؤول بشكل كامل عن أفعاله.
إظهار جانب طيب من الشخصية الشريرة عامل أساسي لتلقى تعاطف الجمهور (مواقع التواصل)
حس الفكاهة
بعد أن تعرفنا على الشخصية بكل جوانبها ووصلنا لمرحلة التعاطف التام، يمكن أن نشعر بالملل، لذلك حان الوقت لوضع بعض المرح على الشخصية، فمن يحب الشخصيات العبوسة الحزينة طوال الوقت، المشاهد الدرامية ليست كافية أبدا، نحتاج بعض الفكاهة والقدرة على السخرية حتى ولو كانت من نوع الكوميديا السوداء لتنشط عقولنا لتتفاعل أكثر مع الشخصية، حيث أظهرت الدراسات أن السخرية تعزز حل المشكلات بشكل إبداعي، يبدو أن السخرية تجعل العقل نشيطا أكثر مما تفعله المواقف العادية.
وجد العلماء الذين راقبوا النشاط الكهربائي لأدمغة الأشخاص الخاضعين للاختبار التعرض لتصريحات أو مواقف ساخرة أن العقول يجب أن تعمل بجدية أكبر لفهم السخرية. مما يعني أن السخرية تحفز التفكير المعقد وتقلل من الآثار السلبية للغضب.
قوة الشخصية والبرود العاطفي
بعد أن نمر بكل هذه المراحل مع الشخصية من ماض سيئ ومن دوافع لأفعالها ولمس الشخصية الطيبة بهم، نحن الآن مستعدون أن نتقبل أي فعل من هذه الشخصيات بكل حب بل وتشجيع أيضا وسعادة لما وصلوا له ونشعر بفرحة الانتقام ولذتها معهم، ربما نقف حتى لنصفق للجوكر بعد أن قتل الأشخاص المتنمرين في المترو، أو نبكي فرحا عندما تنتقم كرولا من الشخصية التي كانت السبب في فقدانها كل شيء في حياتها، الآن ستضحك مع الشخصية بعد أن تحرق مكانا وستشعر بالبرود العاطفي تجاه الشخصيات المقتولة بكل عنف وستشعر بأنهم يستحقون ما وصلوا له.
كل الألعاب النفسية يدرسها صانعو الأفلام ويطبقونها على أفلامهم فلا مجال للصدف هنا.