بقلم فرانشيسكو فونتيماجي
يعود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المعروف بحبه لفرنسا وللثقافة الفرنسية، الثلاثاء إلى باريس، غير أن استقباله سيكون فاترا هذه المرة وسط الأزمة غير المسبوقة بين البلدين، على خلاف الترحيب الذي لقيه كصديق في حزيران/يونيو.
وقبل بدء يومين من الاجتماعات في إطار منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تستمر حتى الأربعاء، استهل وزير خارجية القوة الأولى في العالم زيارته صباح الثلاثاء بلقاء مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان على أن يستقبله بعد ذلك مستشار للرئيس إيمانويل ماكرون.
والهدف من هذه اللقاءات “تحديد المراحل” من أجل “السماح بعودة الثقة” على ما أوضح الجانب الفرنسي محذرا بأن “الخروج من الأزمة سيستغرق وقتا وسيتطلب أفعالا”.
وتعرب واشنطن من جهتها عن موقف مماثل متعهدة البحث عن “أفعال ملموسة” لإرساء المصالحة.
وسعى الموفد الأميركي الخاص للمناخ وزير الخارجية السابق جون كيري للطمأنة خلال محطة له في باريس، فاعتبر المسألة “حدثا عابرا سنتخطاه قريبا” وأكد مساء الإثنين متحدثا لمحطة “بي إف إم تي في” أن الأمر ليس “خيانة” بل “قلة تواصل”.
واندلعت الأزمة في منتصف أيلول/سبتمبر، حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن قيام تحالف إستراتيجي جديد مع أستراليا والمملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في سياق التصدي للصين الذي يشكل أولى أولوياته.
ومع قيام هذه الشراكة التي أطلق عليها اسم “أوكوس”، فسخت أستراليا عقدا ضخما لشراء غواصات فرنسية، ما أثار غضب باريس وتسبب بأزمة قلما تحدث.
– “خفض حدّة النبرة” –
ولم تهدأ الأزمة قليلا بين البلدين إلا بعد اتصال هاتفي بين بايدن وماكرون في ختام أسبوع من التوتر الشديد. وأقر الرئيس الأميركي بأنه كان بإمكان بلاده التواصل بشكل أفضل مع حليفتها منذ زمن طويل، وباشر الرئيسان “آلية مشاورات معمقة”.
وستشكل زيارة بلينكن الذي سبق أن التقى لودريان في 23 أيلول/سبتمبر في نيويورك بعيدا عن عدسات المصورين، محطة ضمن هذه الآلية، قبل لقاء على انفراد بين ماكرون وبايدن في أواخر تشرين الأول/أكتوبر في أوروبا.
لكن المؤشرات تفيد بأن أجواء من الفتور ستخيم هذه المرة على زيارة بلينكن الذي يتقن اللغة الفرنسية ويعتبر فرنسا “وطنه الثاني” بعدما أمضى فيها سنوات شبابه.
فلم يدرج أي اجتماع بين بلينكن وماكرون على جدول الزيارة، رغم أن الرئيس استقبله في قصر الإليزيه في مطلع الصيف، وتباحث حتى مع مايك بومبيو وزير الخارجية في إدارة دونالد ترامب حين زار باريس ضمن جولة قام بها في أواخر ولاية الرئيس السابق الجمهوري.
أما لودريان، فمن المتوقع أن يحدّ قدر الإمكان من ظهوره مع نظيره الأميركي ولن يعقدا مؤتمرا صحافيا مشتركا، على خلاف لقاءاته السابقة في حزيران/يونيو حين بادر بلينكن بحفاوة قائلا له “أهلا بك في بلادك”.
فالوزير الفرنسي الذي كان يتباهى قبل وقت قصير في أحاديثه الخاصة بعلاقته “الممتازة” مع نظيره الأميركي ويصفها بأنها الأكثر “حيوية وثقة وتحفيزا” في مساره الوزاري، بدل نبرته منذ منتصف أيلول/سبتمبر، فبات يندد بـ”طعنة في الظهر” تذكر بنهج ترامب وبـ”انعدام الثقة”.
ولإثبات أن فرنسا ليست معزولة في موقفها، أجرى لودريان الإثنين محادثات مع وزراء الخارجية الألماني والإسباني والبولندي ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على أن يتباحث الثلاثاء مع نظيريه الإيطالي والهولندي.
وشدد مصدر دبلوماسي فرنسي على أن “هذه الأزمة تطال مصالح جميع الأوروبيين المتعلقة بسير عمل تحالفاتنا ووجود الأوروبيين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
وأعرب مصدر أوروبي قبل فترة قصيرة عن أمله في أن تكون الأزمة حافزا للتوصل إلى نتيجة إيجابية وأن تتيح “توضيحا” بين ضفتي الأطلسي حول طموحات دفاع أوروبي في تكامل مع الحلف الأطلسي، وهو مشروع طرحه ماكرون نفسه.
كذلك يطالب الرئيس الفرنسي بالاعتراف بوضع فرنسا كـ”قوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ” في إطار ما زال يتحتم تحديده.
ورأى الباحث برونو تيرتريه والسفير السابق ميشال دوكلو في مذكرة لمركز مونتينه للدراسات “يبدو من المفيد أن نخفض حدة نبرتنا حول سلوك شركائنا”.
وأوصى الباحثان السلطات الفرنسية بتركيز سياستها في هذه المنطقة أكثر على الهند، إنما كذلك على اليابان.
المصدر: © AFP
1994-2021 Agence France-Presse