عبرت إبداعاتهم عن مأساة بلدهم.. مبدعون سوريون ذاقوا طعم الحرية في ألمانيا

مضى اليوم 6 أعوام على أكبر موجة هجرة جماعية منذ الحرب العالمية الثانية؛ ففي عام 2015 ركب ملايين السوريين البحر مخاطرين بحياتهم متجهين إلى البلدان الأوروبية هربا من بطش اعتقل حرياتهم لأزيد من 4 عقود.

كان من بين هؤلاء عشرات الفنانين والأدباء الذين أمضوا معظم حياتهم يعملون في الظلام مكبلي الريش والأقلام خوفا من أقبية السجون، فلما وصلوا إلى تلك البلدان وذاقوا طعم الحرية وخبروا معنى الأمان، جادوا بأصدق الأعمال الفنية، معبرين عن قضايا وآمال شعبهم الذي مر بأكبر مأساة معاصرة. وفي هذا التقرير نسلط الضوء على المشهد الفني الذي صنعه ويصنعه السوريون في ألمانيا منذ سنوات وإلى اليوم.

مسرح الاغتراب
يبدو المسرح السوري اليوم في ألمانيا أكثر نضجا وحيوية عما كان عليه في بداية ظهوره مع وصول أولى جماعات اللاجئين إلى البلاد في عام 2015، ويمكن أن نعزو ذلك إلى تشكل العديد من الفرق المسرحية السورية المنظمة والمنتجة في السنوات الأخيرة كفرقة “الحدود” و”المنفى” و”تنوين” وغيرها من الفرق الجادة.

وكما هي أسماء تلك الفرق كانت مسرحياتهم، حيث سيطرت موضوعات الهجرة واللجوء كثيمات رئيسية على معظم أعمالهم، والتي سرعان ما أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الفني في ألمانيا.

وتبرز مسرحية “غرق” للمسرحي السوري الفلسطيني علاء الدين العالم بوصفها واحدة من أهم تلك الأعمال، إذ تطرح أسئلة التيه واللجوء السوري الكبير من عدة زوايا تسمح للمتلقي بالتعرف على مختلف جوانب ذلك التيه.

الفنان التشكيلي السوري زهران عقيل في أحد المعارض التشكيلية في ألمانيا (الجزيرة)
يقول علاء الدين للجزيرة نت “الإنسان كان منذ فجر التاريخ مهاجرا لكنه في العصر الحديث تحوّل ليصبح لاجئا، فلقد انتفت صفة الهجرة لتحل محلها صفة اللجوء، أي أننا انتقلنا من مستوى فكري إلى آخر، وكان هذا الانتقال هو السؤال الأساسي لمسرحية غرق”.

ولأن عائلة العالم هجرت مرتين، مرة من فلسطين ومرة أخرى من سوريا، يقول علاء “عائلتي الفلسطينية هُجرت من فلسطين وانتقلت إلى سوريا، أما عائلتي السورية فهُجرت من سوريا وانتقلت إلى أوروبا، ولذلك فهما تكوينان، أحدهما سوري مغترب والآخر فلسطيني دائم الاغتراب والنفي، أشترك به مع أبناء شعبي الذي اعتاد على التهجير وعلى المقاومة بمفهومها العالمي”.

ويمكن تلخيص المشهد المسرحي السوري في ألمانيا من وجهة نظر محمد قازان -ممثل مسرحي ولاجئ سوري في ألمانيا- في حديثه للجزيرة نت، بأن “المسرح هو طريقة لتقول شيئا للمجتمع بأصدق ما يمكن، ولأننا لاجئون ولأن على المجتمع الألماني أن يعرف تماما ما يعنيه اللجوء بالنسبة لنا فإن مسرحياتنا تتخذ هذا الطابع وتركز على تلك القضية”.

الحرية والريشة لا يفرقهما إلا الموت
في بلاد آلبرشت دوور وكارل ولثر وكاسبر فريدريش يثبت الفن التشكيلي السوري قيمته الكبرى، المتمثلة في قدرة مبدعيه على الحضور والتأثير ولفت أنظار المجتمع الألماني للوحاتٍ “تعكس قضايا الإنسان السوري المعذب والشجاع، الذي عايش الموت ولكنه ما زال تواقا للحياة، حياة يجاهد من أجلها كل يوم لتكون حرة وكريمة”، كما قال رضا الميهوب، فنان ولاجئ سوري في ألمانيا.

لوحة زيتية للفنان زهران عقيل (الجزيرة)
أما الفنان التشكيلي السوري المقيم في ألمانيا زهران عقيل فيرى أن للانتقال من بيئة المحظور إلى بيئة حرية التعبير أكبر أثر على جودة الفن السوري؛ ويقول للجزيرة نت “كانت ممارسة الفن في سوريا مقيدة سياسيا، أما في ألمانيا فبتنا نستطيع التعبير بحرية أكبر، لم يعد ذهن الفنان مشغولا بما هو محظور وممنوع، لذلك فقد صار ينتج فنا أكثر تميزا ودقة”.

أقام عقيل العديد من المعارض الفنية، ومن وجهة نظره يعود الفضل في نجاح الفن التشكيلي السوري إلى المتلقي الألماني الذي “تفاعل تفاعلا مُرْضِيا مع أعمالنا، كما مد لنا -نحن الفنانين السوريين- يد العون، فقد كان للجمهور الألماني منذ البداية حضور ملموس وواضح”.

لوحة زيتية أخرى للفنان زهران عقيل (الجزيرة)
ويرى عقيل وغيره من الفنانين السوريين أن الفن التشكيلي سيصبح بمرور الوقت أكثر فاعلية في ألمانيا، ومرد ذلك إلى محاكاة الكثير من الفنانين الفن العالمي واستعمالهم تكنيكات حديثة ستطور مهاراتهم وترفع من قيمة فنهم.

بصمة واضحة
استقطبت الفعاليات الأدبية الأدباء والشعراء السوريين، واحتفت بآدابهم تحت رعاية رسمية من الحكومة الألمانية، إذ شهد مهرجان كولونيا الأدبي -وهو واحد من أضخم المهرجانات الأدبية في أوروبا كلها- مشاركة سورية فعالة في العديد من نسخه، كما حضر الأدب السوري في مهرجان الأدب العالمي في برلين لمرات عديدة.

الكاتبة السورية المقيمة في ألمانيا نجاة عبد الصمد (الجزيرة)
وترى الأديبة والطبيبة السورية المقيمة في ألمانيا نجاة عبد الصمد أن موجة اللجوء السوري، التي لا يمكن وصفها بأقل من مأساة، قد أحدثت فارقا في المشهد الفني والأدبي في ألمانيا، حيث “بدأ السوريون خلال السنوات القليلة الماضية يصنعون بصمة واضحة في شتى المجالات الإبداعية. ولا يمكن الحكم على جميع ما أنتجوه بالمكتمل، فالزمن وحده كفيل بغربلة هذا النتاج. لكن المهم هنا في ألمانيا أن المنبر كان متاحا”.

وترى نجاة عبد الصمد أن “بذور الفن السوري حتى الآن غنية وقيمة وقادرة على أن تغني الثقافة السورية والألمانية وقد يتاح لها أن تدخل في مصاف العالمية”

وصدر للأديبة نجاة 7 كتب ما بين التأليف والترجمة، و3 مرويات هي على الترتيب “غورنيكات” (سوريا/ 2013)، و”في حنان الحرب” (2015)، و”منازل الأوطان” (2018)، والتي تقول عنها “لقد كُتبت هذه المرويات على وقع الدم السوري ودم قلمي معه، بألم وأسفِ كُلّ من نجا من الحرب على ضحاياها ودمائهم”.

ويضاف للأديبة نجاة عبد الصمد العديد من الشعراء والروائيين الذين كتبوا في ألمانيا نصوصاً قيمة كحسين بن حمزة بديوان “أتحدث عن الزرقة لا عن البحر” والروائية خلود شواف برواية “لمار”.