الإحصاءات الرسمية تغيب عن رصد القطع الأثرية المهربة خارج البلاد، إذ نهبت الآثار العراقية على وقع الاحتلال الأميركي عام 2003، وكانت العاصمة بغداد والموصل (شمال) من أكثر المدن تضرراً من نهب الآثار.
ولا يزال نزيف تهريب الآثار هادرا في العراق، رغم نجاح البلد الجريح في استرداد 17 ألف قطعة أثرية مؤخرا.
في 29 يوليو/تموز الماضي، حطت طائرة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مطار بغداد قادمة من الولايات المتحدة، وعلى متنها 17 ألف قطعة أثرية مستردة من واشنطن.
وقالت السلطات العراقية آنذاك إن الآثار المستردة بينها قطعة أثرية يعود تاريخها إلى 4 آلاف عام، وجرى تهريبها خارج البلاد في خضم الفوضى الأمنية التي رافقت الاحتلال الأميركي عام 2003.
واعتبر وزير الثقافة حسن ناظم، في مؤتمر بمطار بغداد آنذاك، أن استعادة القطع الأثرية “أكبر عملية استرداد لآثار العراق”.
غياب الإحصاءات
وتغيب الأرقام الرسمية عن رصد نزف الآثار العراقية المهربة خارج البلاد، لا سيما في ظل حالة الفوضى الأمنية واستمرار العصابات في عمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار.
وفي تصريح للأناضول، يقول المتحدث باسم وزارة الثقافة أحمد العلياوي “العراق استعاد آلاف القطع الأثرية منذ عام 2003، ولا يزال يواصل العمل لاستعادة ما تبقى من الآثار المهربة”.
ويضيف العلياوي “هناك تعاون مع الدول التي هربت إليها الآثار (لم يسمها) من أجل استعادتها خلال الفترة المقبلة”.
ويوضح “العراق لا يملك إحصائية دقيقة بشأن عدد القطع الأثرية المهربة إلى الخارج، والتي كان وراء معظمها عصابات التهريب (..) القوات الأمنية تكثف وجودها قرب المناطق الأثرية للحد من عمليات التنقيب غير المشروع”.
أصابع الاتهام
على وقع الاحتلال الأميركي، تعرضت الآثار العراقية لعملية نهب ممنهجة طالت المتاحف والمواقع الأثرية.
وقد فقد العراق أكثر من 15 ألف قطعة أثرية من متحف بغداد وحده، تعود إلى حضارات مختلفة بدءاً من السومرية قبل 4 آلاف عام ومرورا بالبابلية والآشورية وصولا إلى الحضارة الإسلامية.
ومن بين القطع المفقودة التي وافقت الولايات المتحدة على إعادتها لوح أثري مصنوع من الطين مكتوب عليه باللغة المسمارية جزء من “ملحمة جلجامش” السومرية التي تُعد أحد أقدم الأعمال الأدبية للبشرية.
ويتهم محمد العبيدي أستاذ تاريخ الفن والآثار في الجامعة المستنصرية ببغداد (حكومية) القوات الأميركية بـ “الاستيلاء على مئات القطع الأثرية”.
ويضيف للأناضول “هناك تنسيق رباعي بين وزارتي الثقافة والخارجية من جانب، ومنظمة اليونسكو والشرطة الدولية (الإنتربول) من جانب آخر لاستعادة جميع الآثار المهربة”.
ويقول أيضا “الحروب التي تعرض لها العراق، فضلاً عن الاقتتال الداخلي، جميعها عوامل أسفرت عن هشاشة الوضع الأمني الذي سمح بعمليات التهريب المكثفة”.
وبين العبيدي أن تنظيم الدولة الإسلامية عند سيطرته على المحافظات العراقية عام 2014 أقدم على تهريب آثار تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات.
ويوضح “القانون الدولي يلزم الدول بإعادة الآثار المسروقة إلى بلدانها الأصلية خلال مدة أقصاها 3 سنوات من تاريخ رفع دعوى قضائية بهذا الشأن”.
ورغم ذلك لا يزال أمام العراق مهمة شاقة لتعقب آثاره في المزادات والأسواق السوداء، وخوض عشرات النزاعات القضائية لاستردادها، لكن بغداد تعول على تفاهمات مع حكومات البلدان التي هربت إليها القطع الأثرية.
ويقول عضو لجنة الثقافة بمجلس النواب بشار الكيكي “العراق اتفق مع العديد من الدول من أجل استعادة آلاف القطع الأثرية خلال الأشهر القليلة المقبلة”.
ويضيف للأناضول “وزارة الخارجية فاتحت جميع البلدان حول العالم من أجل إبلاغها باحتمال وجود قطع أثرية تعود ملكيتها إلى العراق على أراضيها”.
ويوضح “العاصمة بغداد ومدينة الموصل بمحافظة نينوى (شمال) من أكثر المدن التي شهدت تهريباً للآثار خلال السنوات الماضية”.
وقد حطم تنظيم الدولة تماثيل ومجسمات أثرية في متحف الموصل بمحافظة نينوى (شمال) كما نهب القطع النفيسة من المتحف وهربها إلى الخارج.
وجرف التنظيم مواقع أثرية مهمة، بينها مدينة النمرود (30 كلم جنوب الموصل) والتي يعود تاريخها للقرن 13 قبل الميلاد، وتعد أحد أهم المواقع الأثرية بالعراق والشرق الأوسط.
و”النمرود” هي التسمية المحلية بالعربية لمدينة كالخو (كالح) الآشورية التي بنيت على نهر دجلة على يد الملك الآشوري “شلمنصر الأول” وكانت عاصمة الحكم خلال الإمبراطورية الآشورية الوسيطة.
استرداد الآثار
وكان القضاء الأميركي أمر في يوليو/تمّوز 2017 شركة هوبي لوبي بأن تعيد إلى العراق آلاف القطع الأثرية التي تعود إلى حقبة بلاد ما بين النهرين، وجرى تصديرها إلى الولايات المتّحدة بشكل غير قانوني، في كنوز أثرية تضمّ خصوصاً ألواحاً مسمارية أخرى وأختاماً قديمة.
يشار إلى أن آلاف القطع الأثرية العراقية تعرضت للنهب وفقد أثرها، كما يعاني العراق من نبش الآثار من قبل عصابات منظمة تتاجر بها وتقوم بتهريبها خارج البلاد، مستفيدة من تراخي السلطات جراء الأوضاع الأمنية غير المستقرة.
ويعمل العراق منذ سنوات طويلة على استعادة آثاره المنهوبة بملاحقة المهربين ومزادات بيع الآثار حول العالم.