أريحا – في أخفض نقطة على وجه الأرض وفي ثالث أقدم مدن العالم، وتحديدا بمدينة أريحا على الحدود الأردنية الفلسطينية قرب البحر الميت يقع قصر هشام، وفيه أكبر أرضية فسيفسائية متصلة، كل ذلك دفع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لتدرجه -ضمن 4 مواقع فلسطينية- في قائمة التراث الخاصة بها خلال جلسة للجنة التراث في العالم الإسلامي قبل أسبوع.
سمي القصر على اسم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وبني عام 743 ميلادي في نهاية عهده، وأكمل بناءه نجله الوليد الثاني، فيما كان يعرف بأحد قصور “بادية الشام”، وكان قصرا شتويا للخليفة بفعل اعتدال حرارة منطقة أريحا والأغوار الفلسطينية في الشتاء، وكان القصر مبنيا من طابقين: الأول فيه غرف خدمات وحراسة، والطابق الآخر كان يعيش فيه الخليفة.
أكبر أرضية فسيفساء
في القصر العديد من المرافق المهمة، مثل منطقة النافورة، ومسجدين، وقاعة الاستقبال، أو ما كان يعرف بالحمام الكبير، والذي يحوي أكبر أرضية فسيفسائية متصلة في العالم، بمساحة 847 مترا مربعا، من خلال رسم 38 سجادة من عشرات أنواع الحجارة في فلسطين وبألوان مختلفة.
عندما زرنا بقايا القصر كانت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تجري أعمال ترميم للسجادة الفسيفسائية، وتضع مجسما حديديا كبيرا لحماية المنطقة وإعادة الترميم، وستقوم بإعادة افتتاح القصر أمام الجمهور خلال أشهر.
رافق الجزيرة نت مدير عام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في منطقة أريحا والأغوار إياد حمدان، وعرض صورا لهذه اللوحات الفسيفسائية الموجودة، والتي شكلت أرضية قاعة الاستقبال المميزة لهذا القصر، والتي وصفها بأنها أكبر أرضية فسيفسائية متصلة في العالم.
صورة لأرضية الحياة والتي رسمت بالحجارة الفسيفسائية في قاعة الاستقبال بقصر هشام
قال حمدان للجزيرة نت إنه في الزاوية الشمالية الغربية من صالة الاستقبال وضعت سجادة شجرة الحياة، وهي عبارة عن لوحة أرضية فسيفسائية موضوعة في غرفة الديوان، وتجسد شجرة برتقال على يسارها أسد يفترس غزالا، وعلى يمينها غزالان يعيشان بسلام، فيما وصفه حمدان بأنه يمثل الحياة بخيرها وشرها.
صورة لإحدى الأرضيات الفسيفسائية التي رسمت في قاعة الاستقبال وتسمى “شجرة الحياة”
زلزال هدم القصر
لم يُسكن القصر طويلا بفعل زلزال ضرب فلسطين عام 749 ميلادي، وهدّمت العديد من المعالم التاريخية فيها، واستخدمت مرافق القصر لمدة لم تتجاوز 6 سنوات بفعل تهدمه، وفق حمدان، ومعظم ما يتم مشاهدته اليوم هو بقايا الأعمدة والطابق الثاني، خاصة تيجان الأعمدة الكورنثية (نمط الأعمدة المزخرفة) التي تميزت بها الفترة الأموية.
وضعت اليوم نجمة حجرية في منتصف القصر، والتي كانت عبارة عن نافذة لإحدى غرف الطابق الثاني، ولكن بفعل تهدم القصر اختلطت الحجارة مع بعضها، وأعيد بناء النجمة خلال أعمال الترميم والحفريات التي تمت في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل خبراء الآثار الفلسطينيين.
صورة النجمة التي يعرف بها قصر هشام والتي وضعت في منتصف القصر وكانت عبارة عن نافذة في إحدى غرف القصر
كان يتم تزويد القصر بالماء من العيون الطبيعية القريبة، مثل عين السلطان، وكانت تمتد القنوات وصولا إلى بركة لتجميع المياه قرب قاعة الاستقبال، لخدمة الحمامات الموجودة فيه، عدا أن عين السلطان هي من المناطق التي سُكنت في بدايات التاريخ، وتعتبر هي والمنطقة المحيطة في أريحا الفلسطينية من أقدم 3 مدن في العالم، بحسب حمدان.
خشب لبناني وحجارة فلسطينية
أنشأ الفلسطينيون مجسما يحاكي صالة الاستقبال، ووضعوا لافتات تعرّف بكل زاوية فيه وما كان يحتويه من النافورة، والمسجدين، وقاعة الاستقبال التي شاهدنا فيها محرابا حجريا.
صور من داخل متحف أقيم بجانب قصر هشام يحكي عن القطع الحجرية والخشبية التي استخدمت في بناء القصر وتزيينه
كما أقيم متحف صغير بجانب بقايا القصر يشرح الحجارة المستخدمة في بناء القصر وأنواعها وأماكن وجودها، وكذلك هناك قطعة خشب الأرز اللبناني الذي استخدم في الفترة الإسلامية المبكرة كخشب عطري ثمين للزينة المنحوتة، والتي وجدت في المكان.
كما استُخدمت في القصر منحوتات الجبص على شكل نباتات أو حيوانات، وكان يتم تلوين هذه الزخارف الجبصية بالألوان الزاهية.
كما توجد في المتحف بقايا قطع نقدية تميزت بها فترة الخليفة عبد الملك بن مروان (والد الخليفة هشام بن عبد الملك) بعد قيامه بتغييرات في ما يتعلق بصك النقد، من خلال عدم السماح للتصاوير البشرية، والاستعاضة عنها بكلمة التوحيد واسم الخليفة وتاريخ صك العملة.
أُدرج قصر هشام حديثا في قائمة التراث الإسلامي، ويقول مدير عام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية إياد حمدان للجزيرة نت إن هناك مساعي حثيثة لإدراج الموقع في قائمة التراث العالمي، لما يحويه من أرضية فسيفسائية مميزة، ولمكان إقامته في أخفض نقطة في الأرض، وكذلك ما تبقى من آثاره القديمة التي تعتبر إرثا عالميا إنسانيا مهما يجب الحفاظ عليه.