تلتقط رواية “لم يكن سوى الطاعون” لحظة عجيبة من تاريخ الاتحاد السوفياتي، استطاعت فيها أجهزة أمن الدولة القضاء على الطاعون الحقيقي في زمن “طاعون الإرهاب الستاليني” القاسي، بعد سلسلة من الاعتقالات والحجر الصحي، في مفارقة تشير إلى أن قمع حرية الفرد قد يكون في لحظة ما لمصلحة المجتمع.
وفي استعراضه لهذه الرواية، أخذ موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي من فم كاتبتها لودميلا أولسكايا أن هذه كانت اللحظة الوحيدة في التاريخ السوفياتي التي تدخلت فيها “مفوضية الشعب للشؤون الداخلية” من أجل مصلحة الشعب، عندما نجحت في احتواء الوباء بسرعة في عام 1939، بعد تجربة معملية مؤسفة، تفشى إثرها وباء الطاعون في موسكو وتسبب في العديد من الوفيات.
وتستحضر الكاتبة في روايتها التي كتبت عام 1988 حادثة مفاجئة وغير معروفة في التاريخ السوفياتي، عندما تمكنت السلطة الستالينية -في إشارة إلى الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين- بفضل أجهزة المخابرات التابعة لها، من كبح وباء الطاعون المرعب في موسكو، و”جعلته موضوعا للتفكير في التفاعل بين قوة الطبيعة وسلطة الدولة التي قد تكون قاسية، ولكن قمعها وراءه خير، قد تفهمه السلطة أحيانا بطريقة تعسفية”.
وقد نفذت مفوضية الشعب للشؤون الداخلية سلسلة من الاعتقالات بأقصى قدر من السرّية -حسب الرواية- لتجنب أي حركة تبث الذعر، إلا أنها تسببت في سوء فهم كبير لمحاكاتها لما عرف بالإرهاب الكبير في عام 1937، غير أن المدرك لحقيقتها قد يبتسم لردود الفعل المذعورة خوفا من الترحيل أو الإعدام التي تصدر ممن سوف يعلمون لاحقا أن الأمر مجرد حجر صحي، وفق ميديا بارت.
وحدة دراماتيكية
وخلف الفكاهة المتكررة، يوجد في ثنايا الرواية ملخص جيد للمسارات الاجتماعية ومصائر الإنسان في العصر الستاليني، فهنالك مثلا تلك الستالينية المتحمسة التي تبارك عمليات التطهير قبل أن تكتشف في نهاية المطاف، بعد اعتقال زوجها الطبيب، أنه اختفى مدى الحياة لأنه كتب رسالة إلى ستالين يطلب منه فحص ملف شقيقه الذي اعتقل دون سبب عام 1937.
ويمنح الوباء وحدة دراماتيكية قوية لهذه الرواية، إذ يبدأ الكتاب بالحادثة المخبرية التي أدّت إلى الطاعون، ويتتبع اللقاءات التي ستتوافق مع سلسلة العدوى، ثم استجابة السلطات، لينتهي بإطلاق الحجر الصحي.
ويُظهر النص إتقانا تاما لفن السيناريو، إذ كانت لودميلا أوليسكايا قد كتبته كجزء من طلب للحصول على دورة في كتابة السيناريو، ليخبرها المعلم الذي لم يقبلها في فصله أنها تعرف كل شيء بالفعل وليس لديه ما يعلمه إياها.
وعند قراءة هذا الكتاب في هذه اللحظة التاريخية، تكون الدهشة كبيرة -وفق ميديا بارت- من ضعف تدابير مكافحة وباء كورونا في روسيا اليوم، حيث كان الناس في الأشهر الأخيرة في موسكو يرتادون المسارح والمطاعم، قبل اندلاع موجة جديدة أصبحت على إثرها التطعيمات إجبارية.