في 22 مايو/أيار عام 1521، فرضت القوات الإسبانية وحلفاؤها من السكان الأصليين حصارا خانقا على عاصمة إمبراطورية الأزتك القوية (تينوتشتيتلان)، والتي تحوّلت إلى مدينة مكسيكو سيتي. استمرت المعركة قرابة 3 أشهر، وانتهت بسقوط إمبراطورية الأزتك، التي اشتهرت بمدنها الكبيرة وفرض الإسبان سيطرتهم على رقعة كبيرة من أميركا الشمالية.
وفي تقرير نشرته مجلة “سميثسونيان ماغ” (SMITHSONIANMAG) الأميركية، تقول الكاتبة ليفيا غيرشون إن مدينة مكسيكو سيتي تحيي حاليا الذكرى الـ500 لتلك المعركة، التي أثرت بشكل عميق على تشكيل المجتمع المكسيكي في العصر الحديث.
قراءة تاريخية بديلة
خططت سلطات المدينة لتنظيم عدد من الفعاليات، منها الاحتفال بالاعتدال الربيعي في موقع كويكويلكو الأثري، وندوات أكاديمية حول الروايات التاريخية والوقائع المحيطة بالمعركة. ووفق عمدة المدينة، كلوديا شينباوم، ستسلط الاحتفالات الضوء على التنوع الثقافي في المكسيك، بدون تجاهل تاريخها العنيف، من أجل تقديم رؤية بديلة للأحداث مختلفة عن تلك التي دوّنها الإسبان.
تقول شينباوم لوكالة “أسوشيتد برس” (Associated Press) في هذا الشأن “بدأ سقوط تينوتشتيتلان مع تواتر الأوبئة والاعتداءات، وحكم استعماري استمر 300 سنة”.
وضمن احتفالات الذكرى السنوية للمعركة التاريخية، ستقوم سلطات المدينة بتغيير اسم شارع “ألفارادو”، إلى شارع “المكسيك-تينوتشتيتلان”، وهو ما كشفت عنه شينباوم في تغريدة على موقع تويتر.
وأشارت صحيفة “مكسيكو ديلي بوست” (Mexico Daily Post) إلى أن التغريدة تضمنت مقطع فيديو يروي مذبحة ارتكبها “بيدرو دي ألفارادو” -الذي يحمل الشارع اسمه- عندما قام بغزو إمبراطورية الأزتك مع هيرنان كورتيس.
ويزعم الفيديو، وفق ترجمة الصحيفة المكسيكية، أنه “عندما بدأ الاحتفال، تجمع الحشد في فناء المعبد للرقص والغناء؛ لكن الإسبان أغلقوا المخارج، وهاجموا الرجال والنساء والأطفال العزل، الذين كانوا يحتفلون في معبد تينوتشتيتلان الكبير.. قتل الأسبان مئات الأشخاص من النبلاء والعامة بدون تمييز، برماحهم الفولاذية وسيوفهم، بينما تعرض آخرون للدهس في محاولة يائسة للهروب”.
جدل التاريخ والهوية
وفقا لوكالة أسوشيتد برس، فقد حاولت الحكومة المكسيكية منذ عشرينيات القرن الماضي تكريس رؤية موحدة لتاريخ البلاد يتباهى فيها جميع المكسيكيين بالتراث المشترك بين السكان الأصليين والإسبان؛ لكن استمرار التمييز ضد السكان الأصليين وذوي البشرة السوداء جعل كثيرين يشككون في هذه الرؤية.
وتتزامن الذكرى 500 لمعركة تينوتشتيتلان، مع الاحتفالات بالذكرى 200 لاستقلال المكسيك عن إسبانيا، حيث اعترف الإسبان رسميا بالمكسيك كدولة مستقلة في 24 أغسطس/آب 1821.
في 2019، طلب الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور من فيليب السادس ملك إسبانيا تقديم اعتذار عن غزو المكسيك، مشيرا إلى “انتهاكات لما نسميه الآن حقوق الإنسان”. ردّ وزير الخارجية الإسباني بأنه “من الغريب تلقي هذا الطلب الآن للاعتذار عن الأحداث التي وقعت قبل 500 عام”.
وضمن الاحتفالات بالذكرى السنوية 500 للغزو الإسباني، كشفت صحيفة “غارديان” (Guardian) البريطانية أن عددا من السكان الأصليين من أعضاء حركة “زاباتيستا” (Zapatista)، نظموا رحلة من المسكيك إلى إسبانيا بالقارب، من أجل لفت الانتباه إلى استمرار التمييز ضد السكان الأصليين في مختلف أنحاء العالم.
الأزتك شيدوا أهرامات عديدة في أميركا الوسطى
حضارة مكسيكا العريقة
وفقا للمتحف البريطاني، وصل شعب الأزتك، المعروف أيضا باسم مكسيكا، إلى منطقة تينوتشتيتلان عام 1325. على مدى القرنين التاليين، قاموا ببناء المدينة وشيدوا الأهرامات والمعابد والقصور والقنوات المائية. غزت الإمبراطورية الإسبانية لاحقا معظم مناطق وسط وجنوب المكسيك، وأنشأت شبكة تجارية عالمية.
ووفق الكاتبة، فإن كورتيس استطاع احتلال تينوتشتيتلان بفضل تحالفه مع السكان الأصليين، الذين اضطهدتهم إمبراطورية الأزتك، حيث قاتلوا بالآلاف إلى جانب القوات الإسبانية التي لم يتجاوز عددها 900 مقاتل. وكان العامل الرئيسي في حسم المعركة هو انتشار وباء الجدري في المدينة.
يقول كارلوس فييسكا تريفينيو، المؤرخ الطبي في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، لوكالة أسوشيتد برس، إن نصف سكان المدينة البالغ عددهم 300 ألف، ربما ماتوا على الأرجح قبل دخول الإسبان إلى المدينة، تاركين إمبراطور الأزتك كواوتيموك مع “عدد قليل من القوات المتبقية للقتال”. وقد مهدت هزيمة الأزتك الطريق لاستمرار سيطرة الإسبان على المنطقة، بما في ذلك حملة فرانسيسكو بيزارو على مملكة الإنكا عام 1533.
ويقول ديفيد كاربالو، عالم الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة بوسطن، للوكالة الأميركية “بدا الإسبان مقتنعين جدا بأن هذا النموذج قد نجح بشكل كبير لدرجة أن دي ألفارادو كان على وشك غزو الصين من ميناء أكابولكو، قبل أن يخوض معركة أخرى غرب المكسيك ويُقتل فيها”.
ويضيف كاربالو أن الحكم الإسباني للمكسيك “جعل العالم معولما واقعيا؛ لأنه ربط المحيط الأطلسي بالمحيطات وجميع القارات المأهولة. لقد أدى ذلك إلى ما نسميه في وقتنا الراهن بالعولمة”.