“دفاتر الورّاق” لجلال برجس تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية اليوم الثلاثاء عن فوز رواية “دفاتر الورّاق” للكاتب الأردني جلال برجس بالدورة الـ14 من الجائزة للعام 2021.

وكشف رئيس لجنة التحكيم شوقي بزيع خلال فعالية افتراضية عن اسم الرواية الفائزة بالجائزة والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والتي حصل جلال برجس بموجبها على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار، بالإضافة إلى تمويل ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية، بحسب بيان نشر على موقع الجائزة.

وقال بزيع “قد تكون الميزة الأهم للعمل الفائز -فضلا عن لغته العالية وحبكته المحكمة والمشوقة- هي قدرته الفائقة على تعرية الواقع الكارثي من أقنعته المختلفة، حيث يقدم المؤلف أشد البورتريهات قتامة عن عالم التشرد والفقر وفقدان المعنى واقتلاع الأمل من جذوره، مما يحول الحياة إلى أرخبيل من الكوابيس”.
وأضاف “مع ذلك، فإن الرواية ليست تبشيرا باليأس، بل هي طريقة الكاتب للقول إن الوصول إلى الصخرة العميقة للألم هو الشرط الإلزامي لاختراع الأحلام، وللنهوض بالأمل فوق أرض أكثر صلابة”.

عوالم البؤس في “دفاتر الورّاق”
بدوره، قال رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية ياسر سليمان “تلتقي عوالم البؤس والتشرد في دفاتر الورّاق في ثنائية يشتبك فيها التسجيل والتمثيل، تسجيل ما يدور وتمثيل ما كان، فتختلط الأزمنة والأمكنة، إلا أنها تبقى تراوح مكانها في عالم تندمج فيه الحقيقة والخيال”.

الكاتب والروائي الأردني جلال برجس يعمل في قطاع هندسة الطيران ويترأس مختبر السرديات الأردني
ويستدرك سليمان “على الرغم من محلية البؤس والتشرد في الرواية إلا أنهما يبقيان لازمة إنسانية ينهل منها الأدب كلما فاض التهميش والتشظي في عوالم الفساد والإقصاء والخواء، دفاتر الورّاق هي حكاية عمّان التي تتجاوز نفسها وزمانها على يد روائي يبسطها أمام أهلها كما فعل محفوظ مع قاهرته، فيسير القارئ في شوارعها ويصعد جبالها ويلتقي شخوصها ويستذكر ورّاقها ويتألم لحكاياتها ويطل منها على إقليمه وعوالمه بخدر وكدر، الشكر لجلال برجس على ما صنع لقرائه بعين تلتقط التفاصيل دون أن تغرق فيها”.

تقع أحداث “دفاتر الورّاق” في الأردن وموسكو خلال الفترة بين 1947 و2019، وتحكي الرواية قصة إبراهيم بائع الكتب والقارئ النهم الذي يفقد كشكه ويجد نفسه أسير حياة التشرد، وبعد إصابته بالفصام يستدعي إبراهيم أبطال الروايات التي كان يحبها ليتخفى وراء أقنعتهم وهو ينفذ سلسلة من عمليات السطو والسرقة والقتل، ويحاول الانتحار، قبل أن يلتقي بالمرأة التي تغير مصيره.

يقطن الورّاق في أحد الأحياء الشعبية في عمّان، ويعمل في متجر للكتب في وسط البلد، يكتشف الوراق المنعزل والمثقف بشكل لافت أنه لم يساهم في صياغة حياته، وأنها أخذت تتعرقل بشكل يحيله إلى مسارات معقدة بحيث تلتقي عند هذه النقطة مصائر الشخصيات جميعها لتحقق الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها الرواية، والتي تلقي الضوء على رمزية البيت والعائلة في زمن يتغير بشكل متسارع، وتتراجع فيه قيمة الإنسان.

تأخذ الحكايات التي تروى عبر عدد من الدفاتر على عاتقها مقاربة الموضوعي من خلال الذاتي، فشخصيات الرواية نماذج متنوعة من مدينة عمّان، وبالتالي تعد نماذج من باقي المدن العربية التي باتت تعاني أزمات كثيرة في مرحلة التغيرات العالمية الجديدة.

مهندس وروائي أردني
جلال برجس شاعر وروائي أردني من مواليد 1970، يعمل في قطاع هندسة الطيران، عمل في الصحافة الأردنية لعدد من السنين، وترأس عددا من الهيئات الثقافية، وهو الآن رئيس مختبر السرديات الأردني، ومعد ومقدم برنامج إذاعي بعنوان “بيت الرواية”، صدرت له مجموعات شعرية وقصصية وكتب في أدب المكان وروايات.

حازت مجموعته القصصية “الزلازل” (2012) على جائزة روكس بن زائد العزيزي للإبداع، ونالت روايته “مقصلة الحالم” (2013) جائزة رفقة دودين للإبداع السردي عام 2014، كما فازت روايته “أفاعي النار” (في فئة الرواية غير المنشورة) بجائزة كتارا للرواية العربية 2015، وأصدرتها هيئة الجائزة في العام 2016، وصلت روايته الثالثة “سيدات الحواس الخمس” (2017) إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019.

وكان الكاتب الأردني قد أعرب من قبل عن سعادته بوصول روايته “دفاتر الوراق” إلى القائمة الطويلة، وقال للجزيرة نت إن ذلك الوصول “انتصار لقرائي الذين آمنوا بكلمتي، وقرؤوا روايتي خلال الفترة السابقة التي عانى منها الإنسان مما خلفه فيروس كورونا على حياتنا، حيث واجهوا العزلة القاسية بلذة القراءة، وصار لهم أن يتجاوزوا كل ما فرضته الجائحة، تماما مثلما صار لي أن ألجأ للكتابة مدافعا عن إنسانيتي”.

حكايات عمّان
وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الروائي الأردني إن التمعن العميق بالشكل الجغرافي لعمّان هو ما ألهمه فكرة الرواية، مشيرا إلى طبيعة العاصمة الأردنية الديمغرافية والتنوع الهائل الذي تحظى به، وبالتالي الاقتراب من أناسها لفهم ما تعانيه مدينة مثلها من أزمات اقتصادية، ونشوء طبقة فاسدين تطاولت على مقدرات البلاد، تلك الأزمات التي بالتأكيد لها جذور قديمة تطرقت إليها الرواية.

وأضاف برجس “من هنا ولدت شخصية الورّاق المثقف أمام زمن باتت الثقافة فيه تتراجع لتحل محلها أنماط حياتية جديدة، إن العالم يتغير بسرعة مرعبة لا يستطيع الإنسان العربي مجاراتها، لهذا نشأت كثير من الأزمات، إحداها ما مني به بطل الرواية (إبراهيم الورّاق)”.

تقنيات بوليسية
تقوم الرواية على تقنيات بوليسية ووعي نفسي تشويقي في سرد أحداثها، كما بنيت فكرتها على طبيعة الأزمة التي يتطرق إليها النص، إذ تعود إلى بدايات الأزمة المطروحة حيث التناوب السردي بين عدد من الدفاتر، كل واحد منها يروي حكاية ما من جانب ما لتكتمل الصورة، فقد عمدت الرواية إلى أن تطلق العنان للشخصيات بأن تقول ما لديها، شخصيات تأتي من زمن قديم 1947 وشخصيات في الزمن الحاضر 2019.

تعاني شخصيات “دفاتر الورّاق” من عدة أشكال من الاغتراب مقابل التناقضات التي تفرزها المدن، مثل السرعة الهائلة في التمدد العمراني أمام تزايد عدد المشردين الذين هم بلا بيوت، وتنامي حالات الشعور بالوحدة في مدينة صاخبة، والإحساس بالفردية المنعزلة في مرحلة لا تزال القبيلة ترسخ فيها ذاتها، مقابل تناقض لافت وهو سعي أدوات ما بعد الحداثة إلى تمجيد الفرد مقابل إقصاء الجماعة، وإلغاء المركزيات، فبطل الرواية يراوح من حيث الوعي ما بين القرية مسقط رأسه وما بين عمّان مكان عيشه وتشكل مراحل وعيه اللاحقة، بحسب الروائي الأردني.

هذه التناقضات تقود شخصيات الرواية إلى الالتقاء في نقطة معينة مؤطرة بتساؤل حيال البيت كمعادل موضوعي للوطن، وبالعائلة التي يرى الفيلسوف الألماني هيغل أن صلاح الدولة مرهون بصلاحها رغم تزايد الحنق العام في ما يخص تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، والوقوف على عتبات تلاشي الطبقة الوسطى في خضم عالم كثرت فيه أشكال السطو.