بقلم توني جمال غابريال
تشهد سوريا الأربعاء المقبل انتخابات رئاسية، هي الثانية منذ اندلاع النزاع المدمّر، ستمنح الرئيس بشار الأسد ولاية رابعة، وتكرّس، وفق محللين، صورته كـ”رابح” في الحرب سيقود أيضاً مرحلة إعادة الإعمار.
وفي بلد أنهك النزاع بناه التحتية واقتصاده، وأودى بحياة أكثر من 388 ألف نسمة، اتّخذ الأسد (55 عاماً) عبارة “الأمل بالعمل” شعاراً لحملته الانتخابية بعد عقدين أمضاهما في سدّة الرئاسة. وغزت صور حديثة له شوارع دمشق كافة، مع صور لمرشحين آخرين، يخوضان السباق الرئاسي، وإن بكثافة أقل بكثير.
ويرى الباحث الفرنسي المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش أنّ “السوريين سيصوّتون لمبايعة بشار الأسد والنظام”.
ويضيف أن بشار الأسد يريد أن “يظهر فعالية المؤسسات السورية عبر إجراء انتخابات بشكل منتظم”.
لكن هذه الانتخابات ستُجرى فقط في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية والمقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد. والسوريون الذين شاركوا في التصويت في سفارات بلادهم وقنصلياتها في الخارج، ليسوا طبعا بين ملايين المعارضين الذين فروا من البلاد.
ومع ذلك، ستمنح أصوات الناخبين الأسد سبع سنوات جديدة في الحكم، عقب عقد من نزاع دام ومدمر، تسبّب بتشريد وتهجير أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وسارعت قوى غربية عدّة إلى التشكيك بنزاهة الانتخابات حتى قبل حصولها، واعتبرها معارضو الأسد “شكلية”.
ومن شروط التقدّم للانتخابات أن يكون المرشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية، ما يغلق الباب أمام احتمال ترشّح أي من المعارضين المقيمين في الخارج.
إلى جانب الأسد، يخوض مرشّحان السباق الرئاسي: الأول هو وزير الدولة السابق عبدلله سلوم عبدالله (2016-2020) وكان نائبا لمرتين، والثاني هو المحامي محمود مرعي، من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وسبق أن شارك في عداد ممثليها في إحدى جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، والتي اتسمت بالفشل.
ويحلّ الاستحقاق الانتخابي فيما تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة خلّفتها سنوات الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع رجال أعمال سوريون كثر، أموالهم. وعلى وقع النزاع، شهدت الليرة تدهوراً غير مسبوق في سعر صرفها في مقابل الدولار. وبات أكثر من ثمانين في المئة من السوريين يعيشون، وفق الأمم المتحدة، تحت خطّ الفقر.
– جذب “مانحين” محتملين؟” –
ولم يجر الأسد أي مقابلة صحافية خلال الحملة الانتخابية، ولم يشارك في أي فعالية انتخابية ولم يتوجه بأي خطاب الى السوريين. لكنه أصدر في الآونة الأخيرة سلسلة قرارات وقوانين في محاولة لتحسين الوضع المعيشي والخدمي، وأصدر عفواً رئاسياً واسعاً شمل الآلاف من مرتبكي الجرائم المختلفة.
على فيسبوك، نشر حساب حملته شريطاً دعائياً يبدأ بمشاهد انفجارات ونيران مشتعلة، ثم سكان يفرّون من أحياء مدمّرة، قبل الانتقال الى مشهديّة إعادة الإعمار: سيدة ترمّم منزلها، مدرّس يسدّ فجوة أحدثها قصف على لوح أخضر في قاعة التدريس، عمال داخل ورشة ومزارع يحرث أرضه وآليات ترفع الركام، وعامل صيانة يعيد وصل أسلاك الكهرباء. ويختتم الشريط بشعار الحملة.
ويرى الباحث في معهد “نيولاينز” في واشنطن نيكولاس هيراس في تصريحات لوكالة فرانس برس أن حملة الأسد الانتخابية “تسلّط الضوء على دوره كرجل انتصر في الحرب ولديه أفكار هائلة لإعادة إعمار سوريا، عدا عن كونه الوحيد القادر على إعادة النظام بعد فوضى النزاع”.
وبعدما ضعفت في بداية النزاع وخسرت مناطق كثيرة، استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري مباشر من حليفتيها إيران وروسيا، وخصوصاً بفضل التدخل الجوي الروسي، مساحات واسعة من البلاد.
وبعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية، خطت دول خليجية عدة، على رأسها الإمارات، خطوات عدّة على طريق التقارب مع دمشق. فأعادت أبو ظبي فتح سفارتها وتقديم مساعدات طبية.
ويعمل الأسد ومن خلفه حلفاؤه، على جذب “مانحين محتملين” لتمويل عملية إعادة الإعمار، وفق هيراس، فيما بات واضحاً أنّ الحصول على تمويل من المجتمع الدولي لن يكون متاحاً قبل التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع تحت مظلة الأمم المتحدة.
– “الثابت الوحيد” –
ولا يبدو أن هناك أي تغيير في الموقف الغربي، تحديداً الأميركي، من النظام السوري. ويتهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأسد بعرقلة مسار التسوية السياسية للنزاع.
وبعدما كانت تشدّد في كل مناسبة على ضرورة تنحي الأسد، انشغلت الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن بقتال التنظيمات الجهادية المتطرفة في سوريا، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية. وانصبّ اهتمام المجتمع الدولي على التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا من بوابة اللجنة الدستورية التي تشكلت العام 2019 من ممثلين عن النظام والمعارضة وعقدت اجتماعات عدّة في جنيف من دون أن تسفر عن نتيجة.
وأملت الأمم المتحدة أن تمهد نتائج عمل اللجنة لوضع دستور جديد تُجرى الانتخابات الرئاسية على أساسه وبإشرافها، قبل أن تقرّ العام الحالي بفشل مسارها. ولم تحقق اللجنة أي تقدّم، بعدما تعمّدت دمشق خلال الاجتماعات “كسب الوقت”، بحسب بالانش، حتى موعد الانتخابات.
ويقول الباحث المواكب للشأن السوري سامويل راماني لوكالة فرانس برس إن الانتخابات التي تُنظم بموجب الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في 2012، “تشكل انتكاسة كبرى للعملية الدستورية”.
ويضيف “يذكّر ذلك المجتمع الدولي، وضمنه روسيا وإيران، إلى أي درجة تبدو تسوية النزاع صعبة”.
ورغم توقف المعارك إلى حد كبير في سوريا، لا تزال مناطق واسعة غنية، تضم سهولاً زراعية وآبار نفط وغاز، خارج سيطرة الحكومة، وتجد نفسها غير معنية بالانتخابات الرئاسية، أبرزها مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا، وأخرى تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة في إدلب ومحيطها في شمال وشمال غرب البلاد.
وبعدما فاز الأسد في العام 2014 بـ88 في المئة من الأصوات في انتخابات وصفتها دول غربية ومعارضون بأنها “فاقدة للمصداقية”، يرى دبلوماسي أوروبي متابع للشأن السوري أنّ الأسد حالياً “يراهن على أن يكون الثابت الوحيد في بلد مدمر”.
المصدر: © AFP